هل تُسقط نساء إيران قانون فرض الحجاب؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل تُسقط نساء إيران قانون فرض الحجاب؟

هل تُسقط نساء إيران قانون فرض الحجاب؟

حامد الحمود:

 

لا شك أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي كان يفضل أن يكسب تعاطف الرأي العام من خلال خطابه الأخير في الأمم المتحدة، لكن حتى من كان يمكن أن يتعاطف معه كان بباله مناظر الشرطة الإيرانية تلاحق النساء، وتعتقلهن وتطلق النار عليهن. فقد أظهرت روح مهسا أميني التي تركت جسدها في 16 سبتمبر الجاري، بعد أن اعتقلتها الشرطة - قرب محطة الشهيد حقاني في طهران - كم هو ظالم هذا النظام الذي يرأسه رئيسي.
لكن خصلات الشعر الأسود التي ظهرت من حجاب مهسا أميني والتي كانت سببا في اعتقالها، فجرت ثورة لم يستعد لها النظام الإيراني «الثوري»، الذي كان قد فرض الحجاب في 1981، بعد سنتين من وصوله السلطة، وكان ذلك في فترة يعبَّأ فيها الشعب الإيراني في صد الهجوم العراقي الذي احتل بعض الأراضي الإيرانية. والحقيقة أن النظام الإيراني لم يفرضه في إيران فقط، وإنما «فرضه» ضمناً كذلك في الجزء الغربي من الخليج ومعظم الدول العربية. فلو أخذنا نسبة المحجبات من بين النساء، لوجدنا أنها انتشرت بكثافة بعد الثورة الإيرانية.

هذا وقد استفادت الأحزاب العربية الإسلامية من «إخوان» و«سلف» من نجاح الثورة الإيرانية. وعلى الرغم من الخلافات الطائفية بين «الإخوان» و«السلف» من جهة والنظام الإيراني، فإن الثورة على الحجاب في إيران يبدو أنها لا تسر الأحزاب العربية والإسلامية. وقد لفت نظري ونظر الكثيرين من المراقبين أن محطة الجزيرة لم تسمع ولم تشاهد أن النساء يقتلن في إيران على يد الشرطة الإيرانية! بل إن بعض الأحزاب الإسلامية في العالم العربي تتطلع إلى وقت تتحالف فيه مع سلطة تقنعها بفرض الحجاب. وستكون هذه الأحزاب مستعدةً أن تتغاضى عن اعتقالات وعن ظلم ما دامت هذه السلطات تفرض الحجاب.

وفي هذا الوقت الذي تثور فيه المرأة الإيرانية على أهم رموز التسلط الذي فرض عليها، أستذكر نضال المرحومة فاطمة المرنيسي – عالمة الاجتماع المغربية – التي انتقلت إلى رحمة الله منذ سبع سنين، والتي نشرت أكثر من بحث وكتاب حول الحجاب، أهمها: «ما وراء الحجاب» والذي فندت فيه ادعاء بعض رجال الدين بالتعامل مع شعر المرأة ووجهها كفتنة للرجل. لذا على المرأة أن تغطي شعرها ووجهها لكيلا يفتن الرجل. وفي كتابها هذا دخلت في حوار وجدل مع فكر الإمام أبوحامد الغزالي، الأشهر من المفكرين الإسلاميين في تأكيد نظرية الفتنة. وموقف المرنيسي ليس ببعيد من موقف الإمام محمد عبده، فكان الشيخ محمد عبده يرى أنه على الخائفين من الرجال من الفتنة أن يغضوا أبصارهم.

ويبدو أن الرئيس الإيراني رئيسي مصرّ على موقفه من الحجاب، لذا رفض أن يلتقي مراسلة CNN كريستيان أمانبور إن لم تكن محجبة، والذي رفضته تعاطفاً مع أخواتها في إيران اللاتي يقتلن لتمردهن على فرضه من قبل السلطة. هذا وإن حصل تدهور سياسي أعمق في إيران، فإن الرئيس رئيسي يتحمل تبعاته، وحتى المحافظون سيكرهون ذلك اليوم الذي وصل فيه لرئاسة الجمهورية. فثورة النساء في الوقت الحالي ليست بصدفة، وإنما ترجع أسبابها إلى أن شرطة الأخلاق أخذت تتشدد في فرض الحجاب منذ انتخاب رئيسي العام الماضي. فقد اعتاد الإيرانيون والنساء خاصة على جو من التسامح النسبي إبان حكم حسن روحاني، الذي كان أكثر انفتاحاً من رئيسي. لكن بعد وصول هذا الأخير للسلطة وصل الأمر إلى أن يقوم المدعي العام في إيران إلى تقديم قانون يسمح للسلطة بمنع النساء اللواتي لا يكون حجابهن مقبولاً من قبل شرطة الأخلاق من استعمال وسائل النقل العام ومن تسلُّم المساعدات الاجتماعية.

وما يثير اعجاب الكثير هو أن هذه الثورة التي تقودها النساء في إيران امتدت إلى جميع المناطق والمدن، وشملت جميع القوميات من فرس وأكراد وأتراك وعرب، والأهم أنها مدعومة من النساء اللاتي اخترن أن يكن محجبات. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 27 سبتمبر الجاري أن النساء المحجبات يستضفن النساء الثائرات على الحجاب للنوم في بيوتهن لتجنُّب اعتقالهن من الشرطة. وقد تواصل مراسل الصحيفة مع امرأة متدينة ومحجبة تأخذ ابنتها وصديقاتها بسيارتها إلى ساحة التظاهرات في طهران. وأعجبني ما قالته فتاة تدعى غولشان من كون أن «ما يميز هذه الثورة أنها تلقائية وليس لنا قائد، وأن كل مشاركة هي قائدة كذلك». فهؤلاء النسوة من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة وجدن في مقتل مهسا أميني تعدياً على حياتهن وعلى مستقبلهن. وهؤلاء النسوة وبتعبير محمد مجيد الأحوازي في القبس (27 سبتمبر): «اعتبرن أن قتل فتاة على يد الشرطة بسبب طريقة لبسها هو أكثر جريمة يمكن أن تحدث ضد المرأة الإيرانية التي كانت تاريخياً من أهم الفاعلين في الساحة الإيرانية».

هذا وقد عدت اليوم أتصفح كتاب «قراءة لوليتا في طهران» لأزار نفيسي التي قرأتها منذ سنوات، والتقيت الكاتبة عندما زارت الكويت فوجدت أن الثائرات في إيران لا يرون أن يكنَّ نسخة من سجانيهن، لذلك هن يرفعن الحجاب. تقول نفيسي: «الطريقة الوحيدة للخروج من الدائرة هي أن نتوقف عن الرقص مع السجان، وذلك بأن نحافظ على تمايزنا الفردي والذي قد يصعب وصفه لكنه يميز الفرد عن الآخر».

لا شك أن مهسا أميني أرادت أن تميز نفسها عن السجان، ودفعت لذلك ثمنا غاليا. والصحافية نيلوفر حميدي من صحيفة الشرق الصادرة في طهران ميزت نفسها بأن نشرت خبر مقتل مهسا في «الشرق» وهي تدفع الثمن غالياً في «ايفين» المخيف في طهران.

إن الكثير منا يتساءل ليس عن مستقبل التحجب في إيران والمنطقة العربية، وإنما عن مستقبل النظام في إيران. فمعظم التقارير تؤكد صلابة النظام وتمكنه. وهناك مصالح اقتصادية وسياسية اكتسبتها طبقات من الموالين للنظام وعلى عقود، وهؤلاء متشبثون بأسنانهم بالسلطة! لكن ليس هناك قانون أو معادلة رياضية تنبئنا بدقة ماذا سيحصل في إيران على مدى السنوات القليلة المقبلة؟ وبالتأكيد فإن النساء بعد 16 سبتمبر 2022 في إيران غير النساء ما قبل هذا التاريخ. وإن تمكن من إسقاط هذا القانون، فمن المتوقع أن تراجع كثير من النساء في الجهة المقابلة من الخليج خياراتهن.

وعسى أن أتمكن من زيارة إيران في المستقبل دون أن أرى اللوحة: «رعاية حجاب إسلامي، الزامي آست» معلقة في المطار. والتي تعني أن لبس الحجاب إلزامي.

القبس

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث