عمران سلمان:
لا يوجد أسوأ من حوادث القتل التي تعرضت لها فتيات في كل من مصر والأردن والإمارات مؤخرا، سوى بعض ردود الفعل عليها أو بالأحرى التبريرات التي صاحبتها.
في حالة مصر بالذات فقد كان الحجاب أو غطاء الرأس محور التعليقات وحديث رجل الدين المصري مبروك عطية الذي نصح النساء بالتخفي كي لا يعرفن من الرجال فيقع قتلهن، كان إشارة بالغة الدلالة في هذا الجانب. فهل أصبح المجتمع المصري مثلا مجتمعا من الوحوش الضارية الجاهزة للانقضاض على أي امرأة؟ وهناك تعليقات نصحت القاتل بأن يمارس الاغتصاب كوسيلة للحصول على الفتاة التي أرادها بدلا من قتلها (في إشارة إلى أن المغتصب يتزوج ضحيته)! وهناك أيضا من سعى إلى تحميل الاختلاط والزي وما شابه مسؤولية ما حدث.
أما أغرب هذه التعليقات فتلك التي سعت إلى التهوين من عمليات القتل على اعتبار أن هذه الحوادث تقع في جميع دول العالم ومصر أو أي دولة عربية ليست استثناء في ذلك.
وليس صعبا تفنيد جميع هذه الحجج بالطبع (وهي ليست حججا في الواقع وإنما مجرد تنطع)، ولكن المشكلة الحقيقية هي لماذا يثور هذا الجدل بعد كل عملية قتل تكون ضحيتها امرأة؟ لماذا في مثل هذه الحوادث يحضر الحجاب والنقاب وكل قطعة قماش تغطي شعر المرأة (إذا كان شعر المرأة سببا لكل هذه المشاكل فلماذا خلقه الله من الأصل)؟
بل لماذا أصبح خروج المرأة في الشارع أو وجودها في الحياة العامة مشكلة في حد ذاتها؟
ألا يعكس ذلك تصدعا في الوعي الجمعي، واستقالة خطيرة للعقل المصري والعربي؟
الواقع أن كل حجة تبرر هذا العنف الموجه ضد النساء والذي أصبح بالمناسبة جزءا من الثقافة والعقلية السائدة، إنما تدين المجتمع وقيمه وأخلاقه، إذ تحيله إلى التوحش والسادية وانعدام الضمير.
فما معنى أن يتم لوم المرأة على لباسها مثلا في حالات التحرش التي تتعرض لها النساء في بلد مثل مصر، في الوقت الذي لا نصادف فيه مثل هذه الظواهر في أي مكان آخر في العالم (ربما باستثناء باكستان أو أفغانستان ومن لف لفهما)؟
ولماذا يجري الحديث عن المرأة بوصفها "شيئا" أو كائنا ناقص الأهلية وخاضع للوصاية الكاملة من جانب الرجل، وليست مواطنة خاضعة لنفس القوانين والتشريعات في الدولة؟
ألا يعني ذلك أن الدولة نفسها أصبحت مقصرة ولا تقوم بوظيفتها وواجبها تجاه نصف مواطنيها؟
والملفت أن خطاب الصحوة الإسلامية (وهي في الحقيقة غفوة وردة حضارية ولم تكن في يوم من الأيام صحوة) قد استرد كامل عافيته في هذا الموضوع. فقد أصبحنا نسمع من جديد أحاديث عن المرأة بوصفها "جوهرة مكنونة" و"شيئا ثمينا" ينبغي أن يصان ويحفظ في مكان أمين!
هذا الخطاب الذي برمج عقول معظم السكان على مدى عقود من الزمن، قد دمر للأسف السوية الطبيعية للكثير من العرب والمسلمين وسلب منهم القدرة على التمييز والفعل الإيجابي. وعاد اليوم كي يحصد ما زرع.
والحال أننا بتنا نزايد على الماضي ونسابق الزمن من أجل العودة إليه والتمسك بقيمه واستحضاره كل ما أمكن. ويتضح ذلك بصورة واضحة فيما يتعلق بالمرأة، إذ يبدو أن المطلوب هو إجبار النساء، طوعا أو كرها، على العودة من جديد إلى المنزل والخضوع الكامل لسيطرة الذكور، ومن تتجرأ منهن للخروج إلى المجال العام أن تلتزم بتغطية نفسها بحيث لا يتم التعرف عليها. وخلاف ذلك فهي ستكون عرضة للتحرش والاعتداء وربما القتل!
فأي رسالة يبعث بها أمثال مبروك عطية للنساء في مصر وغيرها من المجتمعات العربية؟
على أن حبل الكوارث هنا لا ينقطع، ففي خطوة تدل على انعدام كل واعز أخلاقي والتأكيد على الهيمنة والوصاية الدينية قامت جهات (في الغالب وكلاء رجل الدين) بنشر صور جرى تصميمها بالجرافيك لنيّرة أشرف وهي ترتدى الحجاب، خلاف الواقع والحقيقة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أسوار جامعة المنصورة نفسها. وهذا عمل لا ينسجم فقط مع رسالة مبروك عطية، ولكنه أيضا يتماهى مع تلك الرسالة وينقلها إلى مستوى اللاوعي.. فلا حرية أو كرامة للمرأة سواء كانت حية أو ميتة!