علاء الأسواني: ... من ينتهك المرأة المصرية..؟ - مقالات
أحدث المقالات

علاء الأسواني: ... من ينتهك المرأة المصرية..؟

علاء الأسواني: ... من ينتهك المرأة المصرية..؟

هل تحب أن تقتنى سيارة مرسيدس أحدث موديل..؟ أنت غالبا قد تتمنى ذلك لكن ظروفك المادية لا تسمح. ماذا لو وجدت نفسك فجأة أمام سيارة أحلامك وليس حولها حراسة.؟  هل تسرقها ثم اذا تمت محاكمتك بتهمة السرقة تلوم صاحب السيارة لأنه تركها أمامك فلم تتمالك نفسك وسرقتها..؟

سيكون منطقك غريبا ومرفوضا لأنك ببساطة، في هذه الحالة، لص يجب أن تعاقب على انحرافك بغض النظر عن أحلامك وليس ذنب صاحب السيارة المسروقة انك تحلم باقتناء سيارته. هذا المنطق الشاذ في تبرير سرقة السيارة وهو بالضبط المنطق  الذى يستعمله المجتمع المصري في تبرير جريمة التحرش الجنسي. منذ أيام في مدينة الزقازيق، عادت فتاة عمرها 19 عاما من حفل زواج وكانت ترتدى فستان سهرة فاجتمع حولها شبان وانتهكوا جسدها ثم كثر عددهم حتى وصلوا إلى المئات واضطرت الشرطة إلى اطلاق الرصاص لتفريقهم. وفقا لاحصائيات عديدة، تعتبر مصر والسعودية وأفغانستان من أعلى بلاد العالم في انتشار التحرش الجنسي. في كل مرة ترتكب جريمة التحرش يخرج الشيوخ والخبراء في القنوات الفضائيات ليرجعوا انتشار التحرش إلى الأسباب التالية :

ارتداء المرأة للثياب المثيرة والبعد عن الدين وعدم التربية في البيت وتأخر سن الزواج بسبب الفقر. كل هذه الأسباب لاتصمد أمام التفكير المنطقي. اذا كانت الثياب المثيرة هي سبب انتشار التحرش فلماذا ينتشر في السعودية وأفغانستان حيث لايظهر من جسد المرأة أي شيء تقريبا ولماذا لم ينتشر التحرش في مصر حتى السبعينيات من القرن الماضي حين كانت معظم المصريات يرتدين المايوهات ويسبحن في البحر أو حمام السباحة ثم يخرجن ليستلقين بالمايوه  فلايتحرش بهن أحد.

ان تعبير "تحرش جنسي"لم يعرفه الاعلام المصري الا في العقدين الأخيرين، قبل ذلك  كانت هناك جرائم اغتصاب قليلة ولم يكن هناك تحرش..ثم من قال إن المتحرشين بعيدون عن فهمهم الخاص للدين؟!. ان آلاف الشباب الذين يتحرشون بالبنات يوم العيد غالبا مايكونون قد صاموا شهر رمضان وحرصوا على أداء التراويح في المساجد. واذا كان تأخر الزواج بسبب الفقر سببا في انتشار التحرش فلماذا ينتشر في السعودية حيث يتمتع المواطن بدخل مرتفع من عائد النفط يمكنه من الزواج بسهولة؟. ان هذه الأسباب "المعتمدة" لانتشار التحرش في مصر قد تكون عوامل مساعدة لكن السبب الرئيسي لانتشار التحرش هو تدهور نظرتنا للمرأة.

منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى سبعينيات القرن العشرين شهدت مصر مشروعا حقيقيا لتحرر المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق وفرص التعليم والعمل ثم وقعت مصر في قبضة الأفكار الوهابية المدعومة بأموال النفط فتدهورت نظرتنا للمرأة. الوهابيون يعتبرون المرأة جسدا للمتعة الحلال وآلة انجاب أطفال وخادمة بيت وأي وظيفة أخرى أقل أهمية وهم يمنعون المرأة من قيادة السيارة لأنها في رأيهم كائن ضعيف الارادة أمام شهوتها ويمكن ان تذهب بالسيارة لتستمتع بالجنس مع رجل آخر غير مالكها الشرعي ( زوجها) بل انهم يبيحون زواج الرجل البالغ من طفلة في العاشرة من عمرها مادامت تطيق المعاشرة الجنسية. هنا يتم نزع الطابع الانساني عن المرأة فلا يتبقى منها سوى جسدها.

عزيزي القاريء هل تنظر للمرأة باعتبارها انسانا مثلك أم تنظر اليها باعتبارها أنثى فقط وبالتالي لاترى الا جسدها. اذا كنت تعتبر المرأة انسانا يستحيل أن تنتهك جسدها لأنك لايمكنك تجاهل مشاعرها واذا كنت تعتبر المرأة أنثى فقط ولا ترى الا جسدها فأنت للأسف مشروع متحرش وفي أول فرصة تستطيع أن تلمس هذا الجسد وتفلت من العقاب لن تتردد لحظة. كيف نفسر اعتصام ملايين الشبان والبنات 18 يوما في ميادين الثورة بدون حالة تحرش واحدة. الاجابة أن الشاب كان في يرى في زميلته في الميدان انسانا يواجه الموت مثله من أجل العدل فلا يمكن أن يتحرش بها أبدا. ان القراءة الوهابية للاسلام ليست المسؤولة وحدها عن التحرش، هناك أيضا الدولة البوليسية.

طبقا لكل التقارير والشهادات فان أجهزة الأمن هي المتحرش الاكبر بالمرأة المصرية. عندما يتم القبض على امرأة لأسباب سياسية غالبا ما تتعرض للتحرش الجنسي من أجل اذلالها وتحطيم ارادتها.. لايمكن ان ننسى كشوف العذرية حين تمت تعرية 17 بنتا من الثوريات تماما أمام الجنود وأرغمت كل واحدة منهن على ان ترقد عارية وتفتح ساقيها امام الجميع حتى يتأكد الطبيب من عذريتها. لا يمكن اذن أن نصدق الديكتاتور عندما يحمل الورود أمام الكاميرات لضحايا التحرش بينما ضباطه في نفس اللحظة يمارسون التحرش بالسجينات. انتشار التحرش ليس مرضا وانما هو عرض لمرضين مزمنين تعاني منهما مصر: الاستبداد والفكر الوهابي.

ان الاعلام  الكذاب المنحط الذى أنشأه نظام السيسي يستعمل كلمة "ذَكر" كصفة مديح فيقال مثلا: هذا المحافظ ذكر أو مصر تحتاج إلى رئيس ذكر..لا يوجد تعبير أكثر انحطاطا لأنه يقصر التفوق على الرجل ويقدم فحولة الرجل الجنسية على أية صفة أخرى. مع أن المرأة كقائدة كثيرا ما تفوقت على الرجل ففي عام 1982، مثلا، قادت مارغريت تاتشر بريطانيا في حرب فوكلاند ضد جنرالات الارجنتين المفعمين بالذكورة فألحقت  بهم هزيمة منكرة. لن ينتهي التحرش الجنسي في مصر الا اذا تخلصنا من الديكتاتورية والفكر الوهابي معا. عندئذ فقط سنتعامل مع المرأة على انها انسان وليست مجرد جسد.

 الديمقراطية هي الحل

   draswany57@yahoo.com

دى دبليو

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*