علاقة الدين بالإعلام اليوم - مقالات
أحدث المقالات

علاقة الدين بالإعلام اليوم

علاقة الدين بالإعلام اليوم

الأب رفيق جريش:

 

العالم اليوم يهتم بالمسألة الدينية مهما اختلفت معتقدات الشعوب وتعددت، ومهما هُمش الدين أو أودع طىّ الإهمال أو النكران. ففى كل وسائل الإعلام اليوم تجرى تغطية الحدث الديني ويتم تداول الخبر المتعلق به ونقله. وتعصف معه أسئلة كثيرة: هل توجد بين الدين والإعلام علاقة جدلية؟ هل يشكل اللقاء بينهما مجازفة أو فرصة؟ ما هو تأثير الإعلام في التجربة الدينية والوعي الاجتماعي؟ وما تأثير الدين في التجربة الإعلامية؟ ما دور الإعلام في تغطية الحدث الديني، وما دوره في نشر ثقافة الحرية الدينية التي هي «ليست منحة من أحد بل هي حق جوهري من حقوق الإنسان»؟.

ولأنها حق جوهري مرتبط بحق التعبير، ولأن وسائل الإعلام هي وسائل تعبير، ارتبطت الحرية الدينية بحرية الإعلام ووجدت فيه وسيلة تواصل واتصال، وعليه يتوقع من الإعلام أن يروج لثقافة الحرية الدينية، خاصة في الأحداث الراهنة، التي تؤجج بعض الجماعات المتطرفة نيران الفتن في بعض بلاد الشرق الأوسط.

فمن الصعب ممارسة الدين والتعبير عنه بحرية في بعض المناطق في العالم إلا وتتعرض الحياة والحرية الشخصية للخطر أو التعرض لأحكام مسبقة وللرموز الدينية، وكثيرون يتعرضون يوميًا إلى الإهانات ويعيشون وسط مخاوف بسبب بحثهم عن الحقيقة ونداءاتهم للإقرار بالحرية الدينية.

خصوصية الشخص الإنساني تجد تعبيرها في الحرية الدينية التي تستمد جذورها من كرامة الإنسان الذي خلقه الله. وبهذا فإن كل شخص صاحب حق مقدس في حياة كاملة. بدون الإقرار بكياننا الروحي وبدون الانفتاح، ينغلق الإنسان على نفسه ويصبح عاجزًا عن إيجاد أجوبة عن تساؤلات قلبه حول معنى الحياة وعن اكتساب قيم ومبادئ أخلاقية ثابتة إلى حد عدم القدرة على اختبار حرية أصيلة في مجتمع عادل.

إن التربية على اكتساب الحرية الشخصية مع احترام حرية الآخر لا تزيل الهوية الخاصة لجماعة دينية. لأن الهوية الدينية يمكن أن تحدد إزاء الآخرين، لكن لا تحدَد ضد الآخرين، فتؤدى إلى إقصائهم ومحاربتهم ومن ثم إلى إلغائهم. إن حرية الضمير والحرية الدينية تفترضان حق الأشخاص والجماعات أن يكونوا مختلفين، دون التعرض لخطر الإقصاء من الحياة أو من الوطن.

فكل شخص له أن يمارس حرية الحق في المعتقد وفى التعبير عن دينه وإيمانه على الصعيدين العام والخاص، ودولة الدستور والقانون تضمن له ذلك.

وتجدر الإشارة إلى خطر الاستخدام الاستغلالي للحرية الدينية من قبل وسائل الإعلام عن طريق التحريض الطائفي والفئوى أو الاستفزاز غير المنضبط، وكلا الموقفين يدل على افتقار الموضوعية والمصداقية، وقراءة الحدث الديني من منظور شخصي يُسقط فيه الإعلامي أحكامه المسبقة على الخبر الديني أو الخبر السياسي المغلف بالدين والدين منه براء.

هناك إعلاميون يعترفون للكل بحق حرية الضمير، ويحترمون الحرية الدينية للجميع في بلدهم. لكن ما أن يلاحظوا أن سائر الجماعات تتصرف بطريقة مختلفة وتخضع لمضايقات عديدة، يتساءلون إذا كان يجب- بحسب مبدأ المعاملة بالمثل- اختزال أو تقليص حجم الحرية الدينية؟. من هنا، ينقادون لتبنى موقف عملى لم يعد يتناسب مع مبادئ نظامهم الديمقراطى، ويصبحون غير أوفياء لقناعاتهم الخاصة بالتسامح وإرساء مبادئ العيش المشترك المثمر لكل الجماعات في المجتمع.

احترام حرية المعتقد والانتماء الدينى مطلوب أيضًا من الإعلامي. فالموضوعية تتطلب منه ألا يأخذ موقفًا ساخرًا أو منتقدًا أو جارحًا أو رافضًا للآخر، بل نقل معتقد الآخر كما يؤمن به لا كما يتصوره الإعلام. فالسخرية من الرموز الدينية والتهكم على الشخصيات الدينية لا يدخلان في خانة حرية التعبير بل هما رفض للآخر وعبودية للأحكام المسبقة تجاهه. وقد كان على الإعلام مواجهة الموقف المضاد هذا لحرية التعبير بالنقد اللاذع والبنَّاء، نظرًا للجهل الماحق الذي يستبد به.

من هنا يمكن للإعلام الديني وغير الديني أن يكون مدرسة تتلقى فيها شريحة كبيرة من الناس كيفية بناء العلاقة بالآخر على أسس الاحترام المتبادل. فالإعلام مدعو أن يتسامى إلى مستوى الأديان ليعود الإنسان إلى حرية بشرية وُلدت في كينونته، ويسمو إلى حرية دينية من أجل كرامته، لتشرع مقولة: كما في الأديان كذلك في الإعلام.

المصري اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*