خيبة أمل متبادلة بين الإسلاميين وإردوغان - مقالات
أحدث المقالات

خيبة أمل متبادلة بين الإسلاميين وإردوغان

خيبة أمل متبادلة بين الإسلاميين وإردوغان

د. عماد بوظو:

 

تبنّى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال الأشهر الماضية مجموعة من السياسات التي تتناقض جوهريا مع سياساته السابقة، تظاهرت في التودّد إلى دول الخليج وكانت البداية بتنظيم استقبال حافل لولي عهد أبوظبي اعتبره كثيرون سابقة في البروتوكول التركي، وردّت الإمارات الحفاوة بمثلها عند استقبال إردوغان في منتصف فبراير الماضي.

بينما لم يكن من السهل ملاحظة هذه الحفاوة عندما ذهب الرئيس التركي إلى السعودية قبل بضعة أيام فقد كان في استقباله في المطار أمير منطقة مكة وكان في وداعه نائب هذا الأمير، كما أكّد الإعلام السعودي لعدة مرات أن هذه الزيارة كانت بطلب من إردوغان استجابت له المملكة!. 

ومنذ أكثر من سنة وإردوغان يبذل محاولات لا تتوقّف للتودّد إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فأوقف عدة برامج سياسية للمعارضة المصرية كانت تبثّ من تركيا، ثم منع بعض المعارضين المصريين من التعبير عن آرائهم حتى على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت آخر هذه الإجراءات إغلاق قناة مكمّلين بشكل تام، وهي كانت بمثابة القناة الرئيسية للمعارضة المصرية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، كما تحدثت مصادر صحفية عن ترحيل تركيا لمعارضين مصريين وناشطين فلسطينيين لهم علاقة بحركة حماس ومنع دخول آخرين إلى تركيا، ورغم ذلك يبدو هذا غير كاف عند الحكومة المصرية وأن هناك مطالب أخرى لم يتم تنفيذها بعد

وفي نفس الوقت، عمل إردوغان على تحسين علاقته مع إسرائيل وتوّج ذلك باستقبال الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، في تركيا خلال شهر مارس الماضي في أول زيارة من نوعها منذ 14 عاما.

وقال إردوغان خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الإسرائيلي أن تركيا تريد التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة والاقتصاد والدفاع وأن العلاقات الحسنة بين البلدين مهمة جدا لنشر السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي أحدث خطوة على مسار تحسين العلاقات مع إسرائيل أرسل إردوغان، في الخامس من شهر مايو الحالي، رسالة تهنئة للرئيس الإسرائيلي، وقال: "بمناسبة عيد الاستقلال أتمنى باسمي واسم أمّتي السعادة والازدهار لشعب إسرائيل".  

واحتار الإسلاميون في كيفيَة تبرير تقلّبات مواقف إردوغان، فهم لا يستطيعون مهاجمته ولا حتى انتقاده، لأنه النموذج الوحيد المتبقّي من حكم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية باستثناء نظام ولاية الفقيه في إيران ونظام طالبان في أفغانستان اللذان يعيشان في عصر آخر غريب وبعيد تماما عن عالم اليوم

كما أنهم لا يريدون الاعتراف بأنّ هذا الزعيم براغماتي إلى درجة التضحية بكل الاعتبارات المبدئيّة والأيديولوجية حتى يبقى في السلطة، وقد شرح أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية هذه البراغماتية بقوله: "لقد تظاهرنا بالنزعة الإخوانية أكثر من الإخوان، وبالموضوع الفلسطيني كنّا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، بينما كان الإخوان بالنسبة لإردوغان مجرّد لباس كهنوتي يرتديه هذا البراغماتي، وبنفس الطريقة كان يستغلَ القومية التركية حتى يبني في النهاية دولة الرجل الواحد الذي يقود البلاد نحو الهاوية".  

ووصل استخدام العامل القومي عند إردوغان إلى أوجه في تحالفه مع حزب الحركة القومية الذي يتبنى أفكارا عنصرية خصوصا تجاه العرب والأرمن والأكراد والذي يؤمن بتفوّق العنصر الطوراني، رغم أنه من الصعب التوفيق بين هذه التوجهات وبين حزب إسلامي يدعو إلى إحياء خلافة على أساس ديني.

كما حاول مستشار سابق لإردوغان وصف الدرجة المبالغ فيها من البراغماتية التي وصل إليها وما يرافقها من تبدّل في المواقف، عندما قال إن "إردوغان مولع بالاستعراضات وبالانقلاب الدراماتيكي في المواقف السياسية وتغيير الرهانات". 

كما أن الإسلاميين لا يريدون الاعتراف بأن إردوغان في حالة ضعف وعزلة في الداخل والخارج بعد أن كانوا يروجون له كأسد الإسلام، رغم أن ضعفه قد وصل إلى درجة من الصعب إخفاؤها خصوصا عند مقارنتها مع إردوغان قبل بضع سنوات فقط، عندما كان يطرح نفسه كزعيم أوحد للمسلمين.

وفي نفس الوقت لا يريدون الاعتراف بأن أحزاب الإسلام السياسي كذلك في أضعف حالاتها وأنها أصبحت عبئا على إردوغان، بعد أن كانت عامل قوة يوظّفه لحسابه إقليميا ودوليا، خصوصا مع ظهور خلافات علنية عندها في محاولة لتحميل فشل التجارب السابقة كان آخرها في تنظيم الإخوان المسلمين المصري والتي وصلت حد الانشقاق، ومع فشل الإسلاميين في مصر وتونس والمغرب، تحوّلوا عند إردوغان إلى ورقة تفاوض أو سلعة يعرضها للبيع في سبيل التودّد إلى بعض الحكومات العربية.  

ولم يكن أمام الإسلاميين من طريقة لتبرير تقلبات إردوغان سوى القول إنه رئيس دولة وعليه أن يتبنى السياسات التي تحقق مصالح شعبه، وهذا يعني اعترافا ضمنيا بأن مصلحة الشعب التركي تتطلب وجود علاقات حسنة مع محور الاعتدال العربي ومع إسرائيل ذاتها، وهنا يبرز تساؤل طبيعي هل على الإسلاميين العمل على بناء علاقات حسنة مع إسرائيل إذا كانت مصلحة الشعب المصري أو الفلسطيني أو الأردني تتطلّب ذلك؟

وتبقى المشكلة الحقيقية في أن سياسات إردوغان الجديدة وكل التنازلات التي قدّمها قد لا تحقق له أي فائدة، فتبادل رسائل التهنئة مع إسرائيل واستقبال الرئيس الإسرائيلي ليس من المؤكد أن تؤدي إلى تحسين صورته في الولايات المتحدة، هذا إذا سلّمنا، كما يقول المولعون بنظرية المؤامرة، بأن اللوبيات الإسرائيلية تتحكَم بالسياسة الأميركية وهو أمر غير دقيق وساذج رغم هيمنته على عقل معظم السياسيين في الشرق الأوسط

كما أن التقرّب من دول الخليج لا يضمن استثمار الصناديق السيادية الخليجية في تركيا، لأن مثل هذه المواضيع تخضع للاعتبارات الاقتصادية قبل السياسية، لذلك مهما تودّد إردوغان لهذه الدول فإن استثمار مبالغ كبيرة في تركيا يتطلّب قناعة بوجود استقرار سياسي وانتعاش إقتصادي، وهذا ليس حال تركيا خلال الفترة الماضية.

فقيمة عملتها في تراجع مستمر وعلاقتها مع أوروبا وبقية دول الغرب تنتقل من أزمة إلى أخرى توّجت قبل أيام بالحكم على الناشط، كافالا، بالسجن المؤبّد مما دفع دول الغرب لتبنّي سياسات متشددة تجاه تركيا عبّر عنها البرلمان الأوروبي الذي أدان هذا الحكم وقال إن تركيا قد قضت على كل أمل في استئناف عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي

ولعل السبب الرئيسي في عدم نجاح سياسات الرئيس إردوغان الجديدة هي أن له عدد قليل جدّا من الأصدقاء بين القادة الإقليميين والعالميين، وأن الجميع لا يأخذ بجديّة وجود تحوّل حقيقي في سياساته، وينظرون إليه كشخص نرجسي براغماتي لا يهتم سوى بنجاحه ومجده الشخصي وأن عمليات التودد التي يقوم بها الآن ليست سوى خطوات تكتيكية يتأمل بأن تساعده بالفوز في انتخابات العام المقبل وبعدها لن يستغرب أحد عودته لسياساته السابقة وخطاباته الشعبوية ولهذا لا يظهرون حماسا للتجاوب معها.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث