عمران سلمان:
قد يكون من الصعب إقناع بعض العرب والمسلمين التخلي عن الاعتقاد الراسخ لديهم بأن العالم ولا سيما الغرب يتآمر عليهم وعلى دولهم. ومع ذلك فإن الأمر يستحق عناء المحاولة.
سبب ذلك الاعتقاد على أية حال ليس وجود أدلة وبينات على هذا التآمر المزعوم، بل على العكس فإن انتشاره ورسوخه يعود تحديدا إلى غياب مثل هذه الأدلة – لذلك تصعب، من بين أمور أخرى، مناقشته ومجادلته.
لكن وككل اعتقاد فإنه ينبع من رغبة ذاتية واستعداد نفسي للتصديق به بصرف النظر عن الحيثيات والوقائع، لأنه يخدم غرضا أهم بالنسبة للمؤمن به، وفي حالتنا هذه هو الحاجة لتبرير الوضع الراهن المتردي الذي تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية. ولأن ثقافتنا وتراثنا الديني والاجتماعي تسهّل التنصل من المسؤولية الذاتية وتشجع على تحميل الآخرين مسؤولية كل ما يحدث لنا، لذلك فإن لسان حالها يقول إن هذا التردي لا بد أن سببه تكالب الأمم علينا وعملها ليل نهار من أجل أن نظل في موقع المتخلف والضعيف والخاضع للسيطرة!
هذه العقلية أو هذا النمط من التفكير يغفل الزمان والمكان ويغفل الأحداث والأرقام والشواهد، ولا يكترث قليلا أو كثيرا للبداهة أو المنطق السليم للأشياء.
فإضافة إلى أنه لا يوجد أي سبب منطقي يجعل الغرب يتآمر على العرب والمسلمين (فهم لا يشكلون اليوم خطرا سوى على أنفسهم)، فإن الواقع على الأرض أيضا يسير على طول الخط عكس نظريات التآمر الغربي المزعوم.
فما هي مصلحة الغرب هنا؟
هل مصلحته في بقاء الدول العربية والإسلامية في حالة التأخر والتخلف والحروب والانقسامات المجتمعية؟
هذه الحالة تضر الدول الغربية وتسبب لها العديد من المشكلات الجدية. أول هذه المشكلات هي تصدير هذا الكم الهائل من البشر على هيئة لاجئين ومهاجرين. وكان لافتا كيف أن هذه القضية بمفردها أصبحت (وستظل إلى زمن غير قليل) هاجسا مقلقا للعديد من الدول الأوروبية.
عدم الاستقرار والحروب والنزاعات في المنطقة، أيضا له تداعيات أمنية وسياسية على دول الجوار، ومن هذه التداعيات انتشار الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية والاتجار بالبشر وما إلى ذلك من مشكلات.
لذلك تتدخل الأمم المتحدة وتتدخل الولايات المتحدة والدول الأوروبية في محاولة لإقناع الفرقاء بالتوصل إلى حلول سياسية للأزمات الناشبة. وتقدم بعض هذه الدول مساعدات اقتصادية وتعقد المؤتمرات لجمع الأموال والتبرعات بهدف مساعدة الحكومات القائمة أو السلطات المعنية على خلق قدر من الاستقرار في هذه الدول أو على الأقل إدارة الأزمة بصورة أقل عنفا، لكن للأسف من دون فائدة تذكر في كثير من الحالات.
المشكلة الواضحة هي أن هذه الدول لا تحتاج لمن يتآمر عليها، فهي تتآمر على نفسها بنفسها. فالأزمات في ليبيا وسورية واليمن ولبنان والجزائر وغيرها هي أزمات محلية أو إقليمية المنشأ.
وهي أزمات يعرف المتابعون والدارسون لهذه المجتمعات أسبابها وظروفها وسياقاتها.
بالطبع هناك من يجادل في مسؤولية الحكومات والسلطات الحاكمة هنا وهناك عن هذا الفشل. وهذا قد يبدو صحيحا من الناحية الظاهرية، ولكن الحقيقة هي أننا إزاء فشل مجتمعي عام، فالقيم والعادات والمفاهيم والثقافة العامة هي مشتركة بين الحكومات والشعوب، وبالتالي فالمسؤولية عامة.
أما محاولات إزاحة المسؤولية عن الشعوب والأفراد والقيم والثقافة ورميها فقط على عاتق الحكومات، فهو يعيدنا من جديد إلى نفس المشكلة أعلاه، أي نظرية المؤامرة التي تقول إن الغرب يتآمر على الدول العربية والإسلامية عبر وكلائه من الحكام المحليين المفروضين على شعوبهم وغيرها من التهم والخزعبلات التي تطرب لها آذان بعض العرب والمسلمين.
ويفترض مثل هذا المنطق أن إزالة هؤلاء الحكام سوف يحل المشكلة. لكن الحكام يتغيرون بالفعل، لسبب أو لآخر، والوزراء والمسؤولون يتغيرون، وحتى الدول الغربية تغير من استراتيجياتها وخططها، ولكن مشاكل الدول العربية والإسلامية تبقى وتتفاقم. ومعها تبقى أيضا نظريات المؤامرة وعقلية التآمر المزعومة!
والواقع أن هذا الحال لن يتغير حتى نعترف بمسؤولياتنا كمجتمعات وأفراد ونتصرف على هذا الأساس. وحين نفعل ذلك لن نكون بحاجة إلى نظريات المؤامرة. المؤسف أننا لا نزال نبدو بعيدين جدا عن هذا الهدف والمحاولات التي تبذل في هذا الصدد تتراوح ما بين خجولة ومتواضعة جدا. مع ذلك فإن الأمر يستحق عناء المحاولة.