منتدى الإسلام في فرنسا: هل يفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة ومواطنيها المسلمين؟ - مقالات
أحدث المقالات

منتدى الإسلام في فرنسا: هل يفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة ومواطنيها المسلمين؟

منتدى الإسلام في فرنسا: هل يفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة ومواطنيها المسلمين؟

 سناء الخوري مراسلة الشؤون الدينية - بي بي سي نيوز عربي

 

في حلقة إضافية من سلسلة "تنظيم الديانة الإسلامية في فرنسا"، رأت مبادرة مستحدثة النور قبل أيام، يراد لها أن تفتح "صفحة جديدة" في علاقة الدولة مع المسلمين الفرنسيين.

ففي الخامس من فبراير/شباط، عقد "منتدى الإسلام في فرنسا" اجتماعه الأول، بمشاركة مسؤولي جمعيات، وأئمة، ونشطاء، وشخصيات اعتبارية.

الإعلان عن تأسيس الجسم الجديد جاء على لسان وزير الداخلية جيرالد دارمانان مطلع العام الجاري، في خضم الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقرر أن تشهدها البلاد أبريل/نيسان المقبل.

وهي خطوة انقسمت آراء المسلمين في فرنسا حولها، بين من رأى أنها مبادرة إيجابية لإنهاء حقبة "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" الذي كان الطرف المحاور للدولة الفرنسية، وأدت الانقسامات الداخلية فيه إلى تعطليه، وربما يحلّ خلال الأيام المقبلة؛ وبين من رأى أن شكل المبادرة وتوقيتها لا يؤشر إلى تغير حقيقي في نظرة الدولة الفرنسية الاستعلائية للمسلمين، والتعامل معهم "كقنبلة موقوتة"، وليس كمواطنين كاملي الحقوق.

ومن المقرر أن ينعقد المنتدى مرة في السنة، وقد افتتحه وزير الداخلية بخطاب يحذر من أن "خطاب الكراهية عند الشعبويين يلتقي مع مشاريع الإسلاميين المتشددين"، مشدداً على أن الإسلام "يتوافق مع الجمهورية"، وأن "الدولة تتعامل بجدية مع المسؤولين المسلمين الفرنسيين".

يأتي ذلك على خلفية الجدل المثار حالياً، من جديد، حول مشروع لمنع الرياضيات الفرنسيات من خوض المنافسات بالحجاب، ليضاف إلى سلسلة تشريعات سابقة رأتها نساء مسلمات كمحاولة لمحوهنّ من الفضاء العام.

علاقة ملتبسة

بالنسبة للبعض، يشير إطلاق المنتدى الجديد إلى أمر لم يعد خافياً، مفاده أن الدولة الفرنسية تواجه منذ مدة طويلة معضلة بالتعامل مع مسلميها. يشكل هؤلاء خمسة بالمئة تقريباً من مجمل السكان، وتعد ديانتهم ثاني أكبر ديانة في البلاد، بالتالي لم يعد بإمكان فرنسا التعامل معهم "كجالية أجنبية".

عناصر العقدة ليست جديدة، بل هي متجذرة في تاريخ البلد، منذ بداية وجود المسلمين فيه. فهناك من جهة، قوانين العلمانية الفرنسية المبنية على أساس فصل الكنيسة عن الدولة منذ مطلع القرن الماضي، التي لم تأخذ بالحسبان وجود ديانات أخرى غير المسيحية، التي كانت الديانة الطاغية. وذلك ما يدفع كثيرين للقول بأن العلمانية الفرنسية ذات وجه كاثوليكي، ولا تراعي خصوصيات الديانات الأخرى، خصوصاً النامية بشكل كبير، مثل الإسلام.

ومن جهة ثانية هناك ذاكرة الحقبة الاستعمارية التي تثقل علاقة المسلمين من الجيلين الأول والثاني بالسلطات الفرنسية، كما تثقل كاهل الدولة الفرنسية ذاتها، وهو الأمر الذي لا يزال ينعكس بعلاقة أمنية وبوليسية مع المسلمين في الضواحي والمساجد، إلى جانب تنامي مشاعر الكراهية ضد المسلمين بين قطاعات داخل المجتمع الفرنسي.

ولكي تكتمل عناصر الحبكة، جاءت أحداث السنوات الماضية لتأخذ الأزمة إلى بعد جديد، مع الهجمات الدامية التي تبناها متطرفون إسلاميون في فرنسا، خصوصاً مجزرة شارلي إيبدو، إلى جانب وجود بؤر لتجنيد جهاديين فرنسيين أرسلوا إلى العراق وسوريا، على وقع تنامي خطاب اليمين المتطرف الذي يتحضر الآن لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.

صفحة جديدة

في خضم كل ذلك، ماذا يعني تأسيس "منتدى الإسلام في فرنسا"؟ وما التغيير الذي يمكن أن يقدمه؟

بالنسبة لمتابعي الملف، لا يمكن الحديث الآن عن أي تقدم، لأن المجلس سيحتاج لسنتين أو ثلاثة على الأقل لكي يصير فاعلاً. الفرق الأساسي الذي يحمله، أنه يضع حداً لدور "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" الذي تأسس عام 2003، وكان المحاور الأساسي للدولة، في المسائل المتعلقة بالعبادة والشعائر الإسلامية.

شهد ذلك المجلس انقسامات شلّت حركته خلال الأشهر الماضية، بعدما طلبت الحكومة الفرنسية إقرار "شرعة الإسلام الفرنسي"، كوثيقة تكفل التزام ممثلي المسلمين في فرنسا بالاستقلالية عن "الإسلام السياسي". وتشير تقارير صحافية إلى أن المجلس يتجه إلى حلّ نفسه خلال الأيام المقبلة.

إذاً، تسعى الدولة الفرنسية من خلال المنتدى المؤسس حديثاً إلى "فتح صفحة جديدة" لتنظيم شؤون العبادة الإسلامية، بعد سنة حافلة شهدت سجالاً على مشروع قانون "ترسيخ مبادئ الجمهورية" أو ما كان يعرف بقانون "مكافحة الانفصالية"، الذي أقرّ الصيف الماضي.

أثار القانون جدلاً واسعاً، إذ رأى فيه البعض إرساءً للتمييز ضد المسلمين، ومسعى لعزلهم ومحوهم من الفضاء العام، فيما ترى السلطات الفرنسية أنه وسيلة للحدّ من تأثير التطرف.

يلحظ الباحث والمؤرخ صادق سلام في حديث مع بي بي سي نيوز عربي، أن إطلاق المنتدى الجديد يتزامن مع "محاولة جميع المرشحين بدون استثناء مغازلة اليمين واليمين المتطرف". برأيه فإن خروج المنتدى إلى الضوء الآن، كان بمثابة "تطور مفاجئ لمن يتابعون ملف (الإسلام في فرنسا) خصوصاً أن دوره استشاري فقط حتى الآن".

المبادرة الجديدة برأيه "تراكم الكثير من الأسئلة التي تستحق الأجوبة بعيداً عن الخطاب الانتخابي للسياسيين والخطاب الدعائي لعمداء المساجد الكبرى"، بالرغم من أن "هناك نوعاً من الارتياح لاعتراف السلطات بفشل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أحيط أداؤه بانتقادات".

من جهته، يرى إمام مسجد بوردو طارق أوبرو في اتصال مع بي بي سي نيوز عربي، أن المنتدى "نقطة انطلاقة جديدة لاستقلال الإسلام الفرنسي عن التدخلات الأيديولوجية التي تأتي من الخارج، والانحيازات السلفية والوهابية أو الاخوانية التي تقدم قراءة دينية تتصادم مع قيم الجمهورية".

نهاية "الإسلام القنصلي"؟

كان اللقاء الأول للمنتدى مناسبة لرسم خريطة طريق، ضمن أربع محاور، لم تحد عن لبّ النقاش المفتوح في البلاد منذ سنوات، وهي:

  • تنظيم دور الأئمة، ووضع تعريف واضح لمهامهم، إذ لا توجد في فرنسا هيئات محلية لتعيين الأئمة وتدريبهم، لذلك يصار إلى الاستعانة بأئمة من الخارج، ما يعزز من النفوذ الخارجي في المساجد والجمعيات بحسب السلطات الفرنسية.
  • تشكيل سلطة دينية جديدة لمواكبة عمل المرشدين المسلمين في الجيش والسجون والمستشفيات.
  • بحث كيفية توفير حماية للمساجد ومكافحة الأعمال المناهضة للمسلمين.
  • تطبيق قانون "مبادئ الجمهورية"، وتحديداً لناحية نقل الجمعيات الإسلامية والمساجد من قانون عام 1901 إلى قانون عام 1905، النص المؤسس للعلمانية في فرنسا. الفرق الأساسي بين القانونين أن الأول يتيح للجمعيات الدينية تلقي مساعدات وممارسة أنشطة غير دينية، فيما يحصر الثاني دور الجمعيات الدينية بالشعائر والعبادات.

أضيف للنقاش ملف خامس، يتعلق بشفافية تمويل العبادة الإسلامية، وذلك لتفادي الأموال الخارجية، واتخاذ مبادرات لتنظيم الحج ومصادر الدخل الأخرى مثل المنتجات الحلال.

وتواجه الاتحادات والجهات الممثلة للمسلمين في فرنسا تهماً بالانحياز السياسي والمالي للخارج، منذ سنوات، مع الحديث عن تضارب بين النفوذ المغربي والجزائري والتركي فيها، وتأثير علاقات فرنسا الخارجية على عملها، تأزماً أو انفراجاً.

وكان ذلك الانقسام يظهر في الأجسام التمثيلية لمسلمي فرنسا بين فترة وأخرى، ليبلغ ذروته مع انشقاق أربع جهات عن "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، وتأسيس "مجلس وطني للأئمة"، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما وضع في إطار الخلاف بين النفوذين الجزائري، ممثلاً بعميد مسجد باريس شمس الدين حافظ، والمغربي، ممثلاً برئيس "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" محمد موسوي.

ولكن بعض المحللين يرون أن مسعى الدولة الفرنسية إلى الحدّ من التأثير الخارجي، يأتي متأخراً جداً، بعدما رسخت بنفسها مبدأ "الإسلام القنصلي"، وفق تعبير الباحث والمؤرخ صادق سلام. بمعنى أن الدولة الفرنسية كانت لعقود تمرّ بسفارات الدول ذات الثقل في صفوف المهاجرين المسلمين، لتنظيم شؤونهم، والآن تريد أن تقلب الآية.

ويرى سلام أن تلك المعادلة، لم تعد قابلة للحياة، لأنها تشي بعدم احترام الدولة "لمواطنيها المسلمين خصوصاً أبناء الجيل الرابع المولودين في فرنسا، الذين يطالبون بكامل حقوق المواطنة".

ماهية "الإسلام الفرنسي"

في خطابه حول "مكافحة الانفصالية" في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 تحدث إيمانويل ماكرون عن الحاجة لإسلام فرنسي، يتناسب مع قيم الجمهورية، بحسب تعبيره.

ويعدّ الانقسام حول تعريف "ماهية الإسلام الفرنسي" من الأسباب الجوهرية لانفراط عقد "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، مع توقيع شرعة مبادئ للإسلام في فرنسا في يناير/ كانون الثاني 2021، بعد أسابيع من مقتل أستاذ التاريخ صامويل باتي في خريف 2020.

 

  • تعهد بعدم استخدام وصم "الردّة"، واحترام تعدد التأويلات والتيارات في الإسلام ورفض "التكفير والفتنة".
  • الإيمان بمبدأ المساواة بين النساء والرجال، بوصفه مبدأً "جوهرياً في النص القرآني".
  • رفض كل أشكال العنصرية والتمييز وكراهية الآخر، من ضمنها الأفعال الكارهة للمسلمين، والمعادية للسامية، والكارهة للمثليين، والكارهة للنساء.
  • رفض كل أشكال استخدام الإسلام لأغراض سياسية، ورفض "الإسلام السياسي"، والالتزام بفصل العبادة عن السياسة، ورفض أي تدخل خارجي في إدارة المساجد وتوجيه أئمتها.

يقول المؤرخ صادق سالم إن "الخطب المتعددة في المدة الأخيرة حول الإسلام في فرنسا، توحي بأن إسلام العلمانية ديانة أخرى".

برأيه هناك مزايدات، لتضخيم خطر "الإرهاب والتطرّف والحركات الأصولية كذريعة من أجل إبقاء رقابة إدارية وبوليسية على المساجد والمصلين، وهذا يذكر بالحقبة الاستعمارية، فما نشهده من رقابة على المسلمين لا يوازيه أداء مماثل تجاه أتباع الديانات الأخرى".

من جهته، يرى الإمام طارق أوبرو "أن الهجمات الإرهابية وبعض المظاهر التي لا علاقة لها بالإسلام، عززت الخوف عند المواطن الفرنسي العادي الذي لا يعرف الفرق بين الإسلام الصحيح وتلك المظاهر، وذلك ما استغله اليمين المتطرف وغذّاه".

برأيه فإن "المشكلة تكمن في بعض الخطابات الدينية الإسلامية التي لا تليق بالقرون الوسطى، هناك تأخر في تجديد الخطاب الديني الذي يهمّش المسلمين ويضعهم خارج السياق الفرنسي".

من وجهة نظر أوبرو، فإن الفرصة الآن سانحة أمام المسلمين الفرنسيين لأخذ الأمور على عاتقهم، خصوصاً لناحية التمويل، بما أن العديد من المساجد مبنية بأموال فرنسيين، إلى جانب الحاجة إلى وضع شروط تكفل شفافية "التمويل من الخارج، كي لا يكون مشروطاً أو مؤدلجاً أو مسيساً".

ويقول طارق سلام إن بناء "إسلام فرنسي" لن يكون ممكناً إلا من خلال تأسيس "معهد للدراسات الإسلامية للتكوين وتربية أبناء المسلمين تربية حديثة لتبعدهم عن الحركات المتطرفة".

برأيه فإنّ "الدولة الفرنسية منذ عشرين سنة، لم تتطرّق إلى ملف الإسلام إلا من باب وضع محرمات جديدة، من منع البرقع إلى الحديث عن منع الحجاب في الشوارع والجامعات، ما عمّق الأزمة في علاقتها مع أربع أجيال من المواطنين يرون أن صلتهم بدولتهم تقتصر على وضع قيود ومحرمات".

بي بي سي عربي

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث