الحرة:
أثارت العملية الأميركية الخاطفة التي نفذت الخميس وأدت لقتل زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي جملة من التساؤلات نظرا لأن المنطقة التي اختبأ فيها قريبة جدا من قواعد الجيش التركي في سوريا.
وقُتل القرشي في بلدة أطمة في منطقة إدلب شمال غربي سوريا خلال عملية معقدة بعد منتصف ليل الأربعاء الخميس، إثر إنزال نفذته وحدة كوماندوس أميركية من طائرات مروحية.
توارى القرشي في أطمة البعيدة عمليا عن مناطق عمليات تنظيمه، إذ تخضع مناطق واسعة في إدلب لسيطرة هيئة تحرير الشام، التنظيم الجهادي المنافس.
وسبق للقوات الأميركية أن قتلت الزعيم السابق للتنظيم أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019 في إدلب أيضا على بُعد نحو 15 كيلومتراً من مكان مقتل القرشي.
وتقع إدلب على الحدود التركية السورية وتوجد فيها قواعد عسكرية للجيش التركي، فيما يتحدث محللون عن وجود صلة بين هيئة تحرير الشام وأنقرة.
يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض رامي عبد الرحمن إن "هيئة تحرير الشام لديها تنسيق كامل مع المخابرات التركية، ومن غير المنطقي القول إن القرشي موجود في المنطقة وقيادات الهيئة على الأقل لا يعرفون بذلك".
ويضيف عبد الرحمن لموقع "الحرة" أن "هناك إمكانية في أن تركيا كدولة لا يعرفون بوجوده، لكن المخابرات التركية بالتأكيد تعرف".
في تقرير نشر الخميس أفادت وكالة فرانس برس بأنه عند بدء الإنزال الأميركي، ظن أهالي المنطقة أن القوات الأميركية التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، كانت تنفّذ عملية تطال أحد القياديين الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة.
ولم يخطر بذهن أي من الجيران أن في المنزل المتواضع المؤلف من طبقتين وتحيط به أشجار الزيتون، يقطن زعيم تنظيم داعش مع أسرته وشقيقته، في منطقة تخضع أساسا لسيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل أخرى أقل نفوذا.
يؤكد المتحدث باسم مجلس منبج العسكري التابع لقوات قسد شرفان درويش أن "هذه ليست المرة الأولى التي يقتل فيها أحد كبار قادة التنظيم في المنطقة، فقبل ذلك قتل البغدادي في منطقة قريبة أيضا".
ويقول درويش للحرة إنه "لا يمكن أن يكون زعيم لداعش بهذا المستوى موجود على بعد أمتار من القواعد التركية ومقرات تابعة لفصائل تابعة لتركيا، دون أن تعلم أنقرة بذلك".
ويعرب درويش عن ثقته بأن "الاستخبارات التركية تعلم بوجوده في المنطقة"، متسائلا في الوقت ذاته عن السبب الذي يجعل "قادة داعش يمتلكون ملاذات آمنة في المناطق التي تحتلها تركيا داخل سوريا".
حتى الآن لم تصدر من تركيا أية ردود أفعال بشأن هذه الاتهامات واكتفت بالإشادة بالعملية وقالت على لسان متحدث باسم وزارة خارجيتها إن أنقرة "تلعب دورا فعالا في مكافحة داعش والعقلية المنحرفة التي تمثله".
ويصف المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز الاتهامات لأنقرة بأنها كانت تعلم بوجود القرشي في المنطقة بـ"السخيفة" والبعيدة عن الواقع.
ويقول يلماز لموقع "الحرة" إن "تركيا جادة في محاربة داعش، وإن أول عملية تركية في سوريا كانت ضد التنظيم في منطقة الباب"، مضيفا أن أنقرة "حررت تلك المناطق من داعش وقتلت الآلاف من عناصر التنظيم في تلك المنطقة".
يؤكد يلماز أن "إدلب ليست من المناطق المحررة من قبل تركيا، كما الباب أو عفرين أو شرق الفرات"، لافتا إلى أن "المنطقة تقع تحت سيطرة تنظيم متطرف آخر هو هيئة تحرير الشام، الذي يشكل تهديد لتركيا أيضا".
ويتابع يلماز: "قد يكون هناك وجود تركي قريب، لكن المنطقة التي قتل فيها القرشي غير خاضعة للسيطرة التركية".
وفي هذا الإطار يفند رامي عبد الرحمن التقارير التي تحدثت عن وجود القوات التركية على بعد أمتار قليلة من منزل القرشي.
يقول عبد الرحمن إن "المعلومات المتوفرة لدينا تؤكد أن أقرب نقطة عسكرية تركية تبعد حوالي 2.5 كيلومتر عن المنزل المستهدف".
ويضيف أن "هناك تضخيم إعلامي لهذه القضية، في محاولة لاستغلالها سياسيا، من قبل طرفي النزاع" في إشارة منه إلى أنقرة من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة ثانية.
ولعبت قوات سوريا الديمقراطية، دورا بارزا في المعركة التي تدعمها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. واستعادت مساحات كبيرة من الأراضي من قبضة المتشددين بمساعدة ضربات واشنطن الجوية وقواتها الخاصة.
حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن أشاد بدورها في العملية التي انتهت بمقتل القرشي.
وأغضب دعم واشنطن لقوات قسد شريكتها في حلف شمال الأطلسي أنقرة التي تعتبر أن المقاتلين الأكراد إرهابيون. وتقول تركيا إنهم امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي قاد حركة انفصالية مسلحة في جنوب شرق تركيا لعشرات السنين.
وفي الأعوام القليلة الماضية اجتاحت قوات تركية سوريا وأجبرت وحدات حماية الشعب على الانسحاب من أراض غربي نهر الفرات. لكن الحملات السابقة توقفت على ضفتي النهر ويرجع ذلك لأسباب منها تفادي المواجهة المباشرة مع القوات الأميركية.