جويس كرم:
مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، في الشمال السوري وليس بعيدا عن الغارة التي قضت على سلفه أبو بكر البغدادي، تعكس تحول المنطقة التي كانت يوما حضنا زراعيا وسياحيا في سوريا، إلى معقل الإرهاب والأنظمة الجهادية وحضنا للمتطرفين.
القرشي الذي كما البغدادي، وبحسب المسؤولين الأميركيين، فجر نفسه وأولاده وهو يختبئ بين مدنيين في محافظة إدلب قضى كما عاش، خائفا مطاردا وملطخا بالقتل والدماء. القرشي كان يلقب بـ"الواشي" لضلوعه، بحسب صحيفة الإندبندنت، بالكشف عن هوية العشرات من أعضاء التنظيم للسلطات الأميركية والعراقية، عندما كان مسجوناً عام 2008.
"حاجي عبدالله" كان أيضا رجل المذابح والاغتصاب والقتل العشوائي، فمن العمليات الانتحارية التي خطط لها من تلعفر إلى مذبحة الإيزيديين والاعتداء على بنات عزل ونساء، سيسجل التاريخ أحد أظلم المراحل بتاريخ العراق وسوريا على أيدي حثالة اختبأت بين أهل إدلب، واستسلمت جثة هامدة أمام القوات الأميركية من دون إطلاق رصاصة.
"جهاد" خليفة داعش حاجي عبدالله انتهى بقذفه من المبنى وكأب قتل أبناءه. أي جهاد وبطولة هذه؟ هل الشجاعة والاستقواء تأتي فقط أمام أهل سنجار وبتدنيس شرف أهل سوريا والعراق؟
يذهب القرشي كما جاء، مختبئا، خائفا، وذليلا.
استراتيجيا الضربة الأميركية هي انتصار تكتيكي لواشنطن على داعش، خصوصا أن القرشي كان العقل المخطط للتنظيم. فهو ليس رجل فقه وخطب كما كان أبو بكر البغدادي، لا بل دبر ورسم خطط لعمليات سرا من مخبئه في أطمه. هذا سيزيد من صعوبة استبداله وسيضعف القوة المركزية للتنظيم بشكل قد يفرض تحولا باتجاه اللامركزية، وتحرك تنظيم داعش-خوراسان وداعش-أفريقيا بمعزل عن الخلافة المتلاشية في سوريا والعراق.
مع ذلك، مقتل القرشي ليس ضربة قاضية لداعش، التي تبني توسعها على أيديولوجية وأد النزاعات المستمرة في العراق وسوريا وعلى أحقاد القرون الوسطى.
ما يثير الاهتمام في مقتل القرشي أقل من ثلاثة أعوام بعد البغدادي، هو أنهما اختبآ في شمال غرب سوريا، وتحت أنظار هيئة تحرير الشام أي تنظيم القاعدة الذي يسيطر على تلك المنطقة. لا بل فإن رجال الجولاني حاولوا الدفاع عن رجل داعش وقضى اثنين منهم في العملية الأميركية يوم الخميس، وهو ما يعكس تنسيقا بشريا ولوجستيا بين الفريقين. بالمقابل جاء شكر الرئيس الأميركي جو بايدن لقوات البشمركة مباشرة ليعكس الثقل الذي تضعه واشنطن على التنسيق مع هذه القوات وعبرها مع قوات سوريا الديمقراطية.
هذا كله يضع الشمال السوري تحت المجهر اليوم كنقطة ومنبع للإرهاب ومخبئ لداعش و"خليفتها". هذا الإطار سيعني زيادة العمليات الأميركية والروسية في تلك المنطقة، وكون موسكو كانت من أول المرحبين بالعملية الأميركية. وبالتالي سيستخدم النظام السوري هذه المبررات لمحاولة قطع أي امدادات انسانية عن المنطقة.
أما تركيا، فأمامها أسئلة أخرى عن استراتيجيتها في الشمال ومعاركها ضد قوات سوريا الديمقراطية التي ساعدت واشنطن في الوصول للقرشي. هذا سيكون محط جدل بين واشنطن وأنقره، وفي محاولة البيت الأبيض لوقف التوغل التركي جنوبا.
مقتل القرشي، هو نقطة إذلال لتنظيم داعش المختبئ زعيمه بين المدنيين ويضع الشمال السوري في عين العاصفة ضد التطرف والارهاب كما كانت قندهار في أفغانستان.