اضربوهن ضربا غير مبرح - مقالات
أحدث المقالات

اضربوهن ضربا غير مبرح

اضربوهن ضربا غير مبرح

سناء العاجي:

 

ليس مهما أن يكون الموضوع واردا في القرآن ولا أن يكون المفسرون قد أخطأوا التفسير.. المنطق والإنسانية تقول إنه من العبث واللاإنساني أن يجتمع بشر ليناقشوا حقهم في ضرب وتعنيف بشر غيرهم؛ وأن يناقشوا أسلوب ومستوى الضرب والإهانة: هل يكون مبرحا؟ هل يترك أثرا؟ هل يعني كسر العظام؟ 

ليس هناك أي منطق إنساني يعطي هذا الحق لشخص على غيره.

شيخ الأزهر قال: "ضرب الزوجة ليس فرضا أو سنة، لكنه أمر مباح لمواجهة الزوجة الناشز وكسر كبريائها وصولا للحفاظ على الأسرة من الضياع والتشرد، كما أن الموضوع له ضوابط وشروط، وأن هذا المباح يمكن التغاضي عنه إذا ترتب على استعماله ضرر". 

وبعده، قال مبروك عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن "ضرب الزوجة مباح في الإسلام في حال النشوز، ولن نلغيها من أجل حقوق المرأة". 

مؤلم فعلا أن نقرأ هنا وهناك أن الإسلام كرم المرأة وأنه ليست هناك ديانة ولا إيديولوجية احترمت النساء مثل الإسلام، ولايزال بيننا من يعتبر أن من حق الرجل ضرب المرأة الناشز. من يقرر النشوز؟ وماذا عن نشوز الرجل؟ 

حتى في أجمل وأحلى التفسيرات، والتي تعتبر الضرب "إعراضا عنها" (رغم أن في الأمر كثيرا من لَيِّ عنق النص، لأن التفسيرات المعاصرة للنبي نفسه تحدثت عن الضرب غير المبرح)؛ لكن حتى في هذه التفسيرات، فالمعنى في النهاية يفيد أن الرجل يوجد في تراتبية أعلى تعطيه الحق في أن "يقرر" النشوز من عدمه ويقرر "تأديب" زوجته بالوعظ والضرب غير المبرح والإعراض والهجر

أليس المفروض أنها علاقة تشاركية قد يغضب فيها أحدهما من الآخر ويصالحه، وقد يخطئ أحدهما في حق الثاني ويعتذر؟ لماذا يجب أن يكون الرجل وصيا على زوجته يقرر في نشوزها من عدمه و"يؤدبها"؟ أي علاقة إنسانية ممكنة بعد ذلك؟ بل هناك من فسر الأمر بأن ضربها مباح في حال امتنعت عنه. بمعنى أن يضربها.. ليمارس الجنس معها لاحقا!!!!! هل يمكن أن نتخيل طبيعة العلاقة الحميمية الممكنة في هذه الحالة؟ 

ثم، ما معنى أن للموضوع "ضوابط وشروط وأن هذا المباح يمكن التغاضي عنه إذا ترتب على استعماله ضرر". هل يعني مثلا أنه يجب أن يتكسر عمودها الفقري أو أن يتشوه وجهها أو أن تموت بفعل الضرب، حتى يكون الموضوع قد سبب الضرر؟ هل هناك ضرب وعنف جسدي لا يسبب الضرر الجسدي والنفسي؟ وما هذه الحاجة المرضية لدى بعض حملة الخطاب الديني الميزوجيني لـ "كسر كبرياء المرأة"؟ أي إحساس مرضي يجعلك، كإنسان، راغبا في كسر كبرياء إنسان آخر وأن تعتبر أن ذلك "حق الشرعي"؟ 

بعضهم الآخر يعتبر أن المرأة ناقصة عقل ودين تحركها العاطفة، فلا تستطيع الوصول لمناصب القرار، رغم أن العالم يعرف نجاحات كثيرة لنساء في مناصب عليا، وحالات أخرى لرجال مسؤولين سيئين، ليسن لأن هؤلاء نساء وأولئك رجال؛ بل ببساطة بفعل كفاءات شخصية لكل من هؤلاء. كفاءات لا علاقة لها بالانتماء الجندري

آخرون يعتبرون أن التعدد أمر طبيعي وهو أمر في صالح النساء، بل ويقيمون دورات تكوينية لتأهيل النساء لتقبل الزوجة الثانية (وهذه واقعة حقيقة، بالمناسبة)؛ وقد كنت خصصت على نفس المنبر مقالا يحاول عكس الآية وقبول التعدد للرجال بكل الاحتمالات العاطفية الممكنة ... لأننا، حين نعكس الصورة والمشاعر والمواقف والتفاصيل، قد ندرك حجم اللامنطق في... هذا المنطق!

ويعتبرون أنه، مادام الرجل ينفق، فمن حقه أن يمارس الجنس مع زوجته متى شاء ولا حق لها في الامتناع عنه (هنا تكون ناشزا، فيحق له ضربها... ضربها، ثم ممارسة الجنس معها، في كامل الاحترام لكرامتها)! أليس هذا نفس منطق مهنية الجنس التي تبيع المتعة الجنسية مقابل المال؟ هل تكون العلاقة الجنسية بين الزوجين مقابل إنفاقه عليها؟ أي تصور مريض للعلاقة بين الاثنين يدافع عنه هؤلاء؟

بعضهم يعتبر أيضا أن خلعها للحجاب فسق. وأن تعطرها يجعلها زانية. وأن شهادتها نصف شهادة لأن العاطفة تتحكم فيها (رغم أن الرجل، في منظورهم، لا يستطيع أن يتحكم في غرائزه إن رأى امرأة بغير حجاب، فيتهيج... وهو، مع ذلك، أكثر تعقلا ونضجا، حسب نفس منطقهم!)، ويعتبرون أنها لا يجب أن تسافر بمفردها ولا أن تقرر في زواجها لأنها تحتاج لولي يعقد قرانها (شكرا لمدونة الأسرة المغربية التي ألغت هذا الفصل سنة 2004).

الحقيقة أن النساء وأجسادهن وضربهن وجنسانيتهن وتنفسهن وحياتهن وموتهن... لطالما شكل، على مدار قرون، موضوعا يشغل، حد الهوس، العقل الفقهي! تكريما لهن بطبيعة الحال!

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*