قبل قرن كامل، حوّل مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، البلاد إلى دولة علمانية حديثة؛ بفصل الدين عن الدولة. الأمر الذي نقل تركيا من مرحلة رجل أوروبا المريض إلى الدولة القومية المعاصرة التي عرفناها قبل وصول رجب طيب أردوغان وأهله وعشيرته، ليعيدوا حشر الدين في شؤون الدولة، وتعود تركيا مثقلة بتصدر الإسلام السياسي لإدارتها، وتحويل الإسلام إلى شماعة لجميع سياساته الفاشلة.
يستعدي الغربَ بتحويل كنيسة آيا صوفيا التاريخية إلى مسجد، ويظهر علي أرباش، رئيس الشؤون الدينية التركية “ديانت” ممسكًا بالسيف على المنبر، باعتباره “تقليد خطباء المسلمين الأوائل في الديار التي حولوها إلى مساجد بعد الفتح الإسلامي”.
يخفض سعر الفائدة عكس كل قواعد الاقتصاد، فتتحطم الليرة، ويرتفع التضخم لمستويات خطيرة.
ينتقد رجال الأعمال الأتراك الذين دافعوا عن ألف باء اقتصاد فهاجموا سياساته الاقتصادية؛ باعتبارهم يخططون لإسقاط الحكومة المدافعة عن أصول الدين. يقول إنه “كمسلم، سيواصل تنفيذ تعاليم الدين، ولو كره الـ ….”.
أرطغرل في مواجهة أتاتورك
أردوغان في ذلك يشبه أرطغرل، بتفاصيله وخطاباته، واقتناعه المطلق بحكمته العظيمة التي لم يصلها قبله ولا بعده أحد.
أردوغان مجرد مثال واحد يظهر كيف تسير الأمور حين تخطف الأيديولوجية الأصولية المقعد الدافع بالعاطفة، بينما تزج بالعقل إلى المقاعد الخلفية,
كل ما يعتقد الحكام أنه أوامر دينية يصبح القوة الدافعة في جميع شؤون الدولة. بينما يوضع العقل وجميع مبادئ الديمقراطية في الخلف، وتصنف جميع أشكال النقد والمعارضة للحكومة على أنها معادية للدين، وبالتالي تستحق القمع.
باختصار، انهار جدار الحماية العلماني، الذي أسسه أتاتورك وحرسه خلفاؤه، والذي فصل الدين عن الحكومة، وحمى التعليم.
عمران خان على خطى أردوغان
الوضع في باكستان ليس مختلفًا؛ إذ تحكم حركة الإنصاف الإسلامية، برئاسة رئيس الوزراء عمران خان.
دقق في المشهد، وسترى بوضوخ مدى التقارب الأيديولوجي الذي يجمع عمران خان مع أردوغان.
جميع سياسات الدولة تصاغ على أساس ما يراه رأس الدولة “أوامر دينية”. وتصميم السياسة الخارجية والسياسات الاقتصادية وحتى سياسة التعليم على أساس ما تراه الحكومة على أنه “الشرع”.
الروبية كذلك في حالة سقوط حر، وسوق الأسهم آخذ في الانخفاض، والتضخم مرتفع.. كل هذا لا يهم الحكومة، التي قررت التركيز كليًا على زيادة المحتوى الديني في المنهج الوطني الموحد.
المدارس الدينية وتأخر باكستان
قد تتعافى الروبية يومًا، وكذلك الليرة. ربما يتحسن الاقتصاد. لكن هذا الاندفاع المجنون لفرض تفسير خاص جدًا للدين في جميع مجالات الحياة سيضر بالتأكيد بجذور الأمة ذاتها.
من الصعب مقاومة الفكرة القائلة بأن هذه العقلية ستولد جيشًا من الجهلة والمتعصبين، حيث ستحول المدارس العادية إلى ما سيكون فعليًا بمرور الوقت مدارس دينية.
هل تحسن التعليم إذن؟ على العكس.
في حالة باكستان التي اكتملت فيها التجربة، تراجع مستوى الطلاب أمام نظرائهم في دول الجوار، وظهروا بدرجات بائسة في الأولمبياد الدولي للعلوم والرياضيات، وفي معظم المسابقات على المستوى العالمي.
تقهقرت البلاد كثيرًا في العلوم والتكنولوجيا، وباتت تفتقر إلى العلماء والمهندسين والفنيين ذوي المهارات العالية، وبلغت صادراتها من البرمجيات العام الماضي ملياري دولار فقط، في تناقض حاد مع الهند، التي بلغ الرقم عندها 148 مليار دولار.
عمران يفرح بطالبان
هل توقفنا عند هذh الحد؟ لأ. لا تنس أن طالبان باتت تحكم الجارة أفغانستان. وهذا يمنح عمران خان سعادة حقيقية.
الرجل أشاد بحركة طالبان “لكسرها أغلال العبودية” وعرض عفوًا كاملًا عن حركة طالبان الباكستانية.
إنه معجب بشدة بنظام التعليم المدرسي الذي تنفذه طالبان. وقدم منحًا ضخمة لبعض المدارس الدينية في باكستان.
ووفقًا لإخطار رسمي، سيلغى التعليم المختلط في مدارس البنجاب لإرضاء الأيديولوجية الدينية للنظام الحاكم.
يخشى المرء أنه بناءً على السياسات التي تنفذها الحكومة، فإن المدارس ستتبع قريبًا نوع تعليم طالبان عندما يكتمل تنفيذ المنهج الوطني الفردي بالكامل.
الأخوان الروحيان
بشكل عام، يبدو حقًا أن أردوغان وعمران خان أخوين روحيين، فكلاهما منحاز بالكلية لقوى الظلامية والتعصب الديني.
باكستان، على وجه الخصوص، لا تستطيع تحمل مثل هذه المغامرات، ولا يمكن لباكستان التغلب على مشاكلها إلا إذا كانت هناك إرادة قوية لتكون فعالة بلا رحمة في استئصال خطر التعصب الديني.
عندما يكون بلد ما في قبضة المتعصبين الدينيين الشرسين المصممين على فرض أجندتهم الدينية لتحقيق مكاسب سياسية، فإن فرص أي تحسن تكاد تكون معدومة.
ترجمة دقائق نقلًا عن مقال طارق عقيل في فرايداي تايمز