الزيارة التي يعزم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، القيام بها للبيت الأبيض مطلع الشهر المقبل، دفعت المحللين السياسيين للحديث عن مستقبل الشرق الأوسط في ظل وجود الرئيس دونالد ترامب على رأس السلطة في واشنطن، مما أعاد للأذهان دعم الولايات المتحدة للحكام المستبدين في الماضي على غرار حسني مبارك.
الكاتب والمحلل ديفيد غاردنر اعتبر في مقال له بصحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، أن مصر تتأرجح بين خيارين لا ثالث لهما، وهما التطرف والاستبداد، خاصة منذ "الانقلاب العسكري" على الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي عام 2013.
غاردنر، وصف زيارة السيسي لواشنطن بأنها لقاء الفرعونين الجديدين، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة يجب عليها أن تكون أكثر فاعلية حيال مصر ولا تستمر في دعم النظام الحالي الذي وصفه بـ"الفاشل"؛ حتى لا تتحول مصر إلى دولة فاشلة.
وإلى نص المقال:
أُطلِق سراح حسني مبارك، حاكم مصر على مدى 3 عقودٍ إلى أن أطاحت به ثورة ميدان التحرير في 2011، من السجن هذا الأسبوع. والأسبوع المُقبِل، سيكون عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش السابق الذي أطاح بالحكومة الإسلامية المُنتَخبة في انقلابٍ مدعومٍ شعبياً منتصف 2013، على موعدٍ في البيت الأبيض، بدعوةٍ من دونالد ترامب، الذي وصفه العام الماضي بأنَّه "رجلٌ رائع".
ويشبه الفرعونان الجديدان غلافي كتابٍ طُويت عملية انتقال مصر الفاشل من الاستبداد فيما بينهما. وفي غضون ذلك، فَصَل البرلمان الشكلي الشهر الماضي، فبراير/شباط، النائب محمد أنور السادات، نجل شقيق أنور السادات، الرئيس الذي اغتاله جنودٌ إسلاميون عام 1981، والذي يُعَد أحد النواب المعارضين القلائل الباقين. وتعفَّن آلافٌ من أبطال ثورة التحرير الشباب في سجون مصر.
ومن المستبعد أن تكون مصر، في وضعيتها الحالية المحفوفة بالمخاطر، ركيزةً في سياسة الشرق الأوسط الخاصة بأي طرف. ومع ذلك، تبقى حقيقة أنَّ تاريخها، وموقعها الجغرافي، وسُكَّانها الذين قاربوا 100 مليون يجعلها تلقائياً رقماً أساسياً في أية حساباتٍ إقليمية، حتى لو لم يكن هناك أي سببٍ آخر لذلك.
ولا يزال على الولايات المتحدة، والأوروبيين، والجيران العرب أن يُفكِّروا في أي مصر تلك التي يرونها أمامهم، ومؤشِّرات الحُكم -بعبارةٍ مُلطَّفة- ليست جيدة.
وعلى مدار عقدين حتى طرد الرئيس السادات المستشارين الروس في عام 1972، كانت مصر لاعباً محورياً في الحِيَل السوفييتية بالشرق الأوسط. وبعد أن وقَّع السادات على معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل في 1979، أصبحت مصر ركيزةً إقليمية في السياسة الأميركية. وفي أواخر التسعينات وبداية العقد الأول من الألفية الجديدة، تعامل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مع البلاد باعتبارها مُختَبَراً إقليمياً للإصلاح الاقتصادي. في الواقع، كان نظام مبارك يُوسِّع دائرة رأسمالية المحاسيب فحسب، مُمهِّداً الطريق إلى ميدان التحرير.
وجاء انقلاب الرئيس السيسي في 2013 بعد احتجاجاتٍ شعبية ضد الرئيس محمد مرسي، الذي فازت جماعته (الإخوان المسلمون) بسلسلةٍ من الاستحقاقات الانتخابية بعدما فشلت قوى اليسار والقوى الليبرالية الشبابية التي وقفت خلف الثورة في أن تُنظِّم نفسها بفاعلية. وأساءت جماعة الإخوان المسلمين، بعد عامٍ واحد في السلطة، استخدام تفويضها الانتخابي الذي جاء بفارقٍ ضئيل، واستأثرت بالثورة التي كانت مُتردِّدةً في المشاركة فيها، وبدلاً من أن تحكم، حاولت أن تسيطر على المؤسسات المصرية الضعيفة.
ومن وجهة نظر ترامب، قام السيسي بعد ذلك "بتولّي مقاليد السلطة في مصر... وتولّاها بحق". لكنَّ وجهة نظرٍ أخرى ترى أنَّ السيسي، الذي من المفترض أن يكون منقذاً، قد قاد بلاده إلى مواجهةٍ قديمة، يتخندق الجيش في أحد أطرافها، في مواجهة الإسلاميين الذين دُفِعوا إلى التطرُّف على نحوٍ متزايد في الطرف الآخر، دون وجود أي مجالٍ لوجود طرفٍ آخر.
ويقول مسؤولٌ بارز سابق في الجيش إنَّ السيسي يأمل أن يُحدِث مجيء ترامب تغيُّراً جذرياً في السياسة الغربية، التي نظر إليها حُكَّام مصر باعتبارها استجابةً ساذجة ومُدمِّرة لاضطرابات ما يُسمَّى الربيع العربي. ويقول: "إنَّ أجهزتنا العسكرية والأمنية تعتقد حقاً أنَّها مؤامرةٌ كبيرة، وأنَّ الهدف هو تدمير الجيوش العربية". ويستحوذ عليهم ذلك الاعتقاد بصورةٍ كاملة. ولا يظهر ذلك في القمع الشامل للحريات المدنية فحسب، ولكن أيضاً في ضعف عملية صنع السياسات والذي يُؤدي إلى زعزعة الاستقرار.
وفي وقتٍ متأخر العام الماضي، مرَّر البرلمان قانوناً يُخضِع المنظمات غير الحكومية كافة في مصر لسيطرة الحكومة المركزية، ويمنعها جميعاً تقريباً من الحصول على التمويل الأجنبي. واستهدف هذا القانون متعدد الجوانب ما يُقدَّر بـ25 ألف منظمة غير حكومية، بهدف إخضاع نحو 200 منها تدافع عن حقوق الإنسان. وفي حال طُبِّق هذا القانون، فإنَّه سيمحو ما بقي من المجتمع المدني، فضلاً عن تقليص خدمات الرعاية الاجتماعية التي تعجز الدولة عن توفيرها.
ولم يُوقِّع الرئيس بعدُ على القانون، الذي يقول وزيرٌ سابق إنَّ من وَضَعَه هي الحكومة الحقيقية في مصر، وهي الخلية الأمنية التابعة لمجلس الوزراء، والتي رفعته كاملاً إلى البرلمان وأمرته بتسريع مسودته في جلسةٍ مغلقة، وربما كذلك بفَصل النائب السادات لمعارضته للقانون. ونموذج الحوكمة هذا الذي يقوم على التشريع أولاً دون نقاش، ثُمَّ دراسة ما يعنيه بعد ذلك، لا يؤتي بثمار.
وتمكَّن السيسي أيضاً من الإضرار بالعلاقة الوحيدة الأكثر أهميةً لمصر مع السعودية، التي أوقفت مليارات الدولارات من المساعدات. وتمثَّل أحد الأسباب في خلافٍ حول جزيرتين قاحلتين بالبحر الأحمر تنازلت عنهما مصر إلى السعوديين، ما أثار رد فعلٍ قومي، وتسبَّب في أكبر الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ الانقلاب. وبالحديث مع وزراء مصريين سابقين، فإنَّه، وعلى حد تعبير أحدهم: "لم ير أيٌ منَّا أي ملفٍ يتعلَّق بالجزيرتين، وببساطة لم تكن هذه قضيةً".
وبعد خسارة المنحة السعودية، اضطرت مصر إلى تسريع الإصلاح لتتمكَّن من الحصول على حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي تُعوِّض بها أموال النفط الضائعة. وشملت الإجراءات المتأخرة والمُتسرِّعة تخفيضاً هائلاً في قيمة العملة، وتقليصاتٍ للدعم في جوانب مختلفة، وهو ما تسبَّب في احتجاجات الخبز في منعطفٍ غير مفاجئ لأولئك الذين يتذكَّرون انتفاضة الخبز ضد صندوق النقد الدولي في 1977.
ولا يُوجَد بديلٌ للسيسي إلّا رجل آخر عسكري بعيد النظر، على الأقل حتى الآن. لكنَّ فكرة ترامب أنَّ الرئيس المصري يتولَّى مقاليد السلطة "بحق" لا يُعزِّزها تراكم حُطام السياسات الفاشلة. حتّى إنَّ دبلوماسياً غربياً متعاطِفاً يقول: "المشكلة هي أنَّهم ينتهجون خطة دون سياسة، وهو ما يعتبرونه دماراً فئوياً، وليس وطنيًا، صريحاً".
وإذا لم تتمكَّن مصر من رسم طريقٍ بين التطرُّف والاستبداد للمُضي قُدُماً بينهما، فإنَّ آفاقها، وكذلك آفاق المنطقة المُضطَّربة، ستكون قاتمة. وعودة الغرب إلى دعم المُستبدِّين العرب، ذلك الدعم المُحبَّب إليه، لن تجعل هذه الآفاق أكثر إشراقاً. ويُهدِّد تدعيم الحكم الاستبدادي بإعادة البلاد إلى الوراء بدرجةٍ تُهدِّد بالتحاقها بأطلال الدول الفاشلة الأخرى في المنطقة. باستثناء أنَّ مصر ليست مجرد دولةٍ أخرى في المنطقة.
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Financial Times البريطانية
هافينغتون بوست عربي | ترجمة