عادل نعمان
انا دائم التردد على الكاتدرائية بالعباسية، ضيفا دائما على قناة «مى سات» التليفزيونية، وفى كل مرة أردد بينى وبين نفسى «ربنا يستر» لو فكر أحد فى عمل إرهابى أو إجرامى سيجد الأمر سهلا وميسرا، ولن يحول عن تنفيذ ما يصبو إليه حائل، ولن يمنعه إذا أقدم على فعلته مانع، ولن يعوقه عن عمله الإجرامى عائق. يمر على الأمن من يمر دون سؤال من أحد، ويخرج من الكنيسة من يخرج دون اهتمام من أحدهم، ويدخل إليها من يدخل دون التفاتة أو انتباه منهم جميعا. صورة واضحة وظاهرة للعيان، محفز ومشجع لمن يريد أن يتقدم لحصد أرواح الأبرياء إذا أراد، سواء للكاتدرائية أو الكنيسة البطرسية، فهما محيط تأمينى واحد، ومهمة أمنية واحدة، مهما حاولوا الفصل فى الإعلام بينهما، وكأنهم يشعرون الناس بأن الكاتدرائية فى بلد والكنيسة البطرسية فى بلد آخر، وليسا كيانا متلاصقا متكاملا، ومهمة أمنية واحدة لا ينفصلان، ومن يدرى فلربما مرتكب المجزرة استسهل تفجير الكنيسة البطرسية ولم يكمل مهمته.. والأمر الواضح، لن يمنعه مانع فى الاثنين، مثلهما مثل الكمائن الثابتة والمنتشرة فى أنحاء المعمورة، فهى أهداف مكشوفة دون غطاء، عارية دون ستر، هدف ثابت لرصاص الإرهاب، ميسور يحصده بكامله دون جهد أو مشقة أو خسائر فى صفوفه، وفى كل مرة أمرّ على هذه الصور السلبية أردد دائما أن حدثا مروعا لابد أن يحدث حتى نفيق، لكن للأسف الحادث المروع يمر، ويحصد من الأرواح ما قدر له أن يحصد، ويكتوى بنيرانه من كان قدره أن يكتوى بها، ونفيق من غفوتنا أياما ثم نعود إلى سابق عهدنا من التسيب والإهمال. ألم يكن كافيا ما حدث بالأمس القريب فى شارع الهرم أمام مسجد السلام يوم الجمعة حتى ننتبه ونتحصن ونعرف أن الكنيسة تأتى بعد المسجد وهدفٌ تالٍ له؟ وطالما طالت يد الإرهاب محيط المسجد فى صلاة الجمعة ستطول يد الإرهاب محيط الكنيسة يوم الأحد الذى يليه، ومادامت نهاية العام اقترب أوانها فلربما تشهد الكنائس موجة من الأحداث الإرهابية لإشعال الفتنة الطائفية.. فما هو الدرس الذى استوعبناه من كل ما مر بنا من كوارث ومحن؟ وما الرسالة التى وصلتنا من كل الفواجع التى ألمت بنا؟ وما الإنذار الذى اخترقت أصواته مسامعنا؟ إن لم يكن مزيدا من الحرص، وفائضا من الانتباه، وقوة فى تأمين دور العبادة، فليس هناك إنذار أشد تحذيرا من هذا الإنذار، وليست هناك صورة أوضح من هذه الصورة، وليست هناك رسالة مكتوبة بلغة واضحة ومحددة الخطوط أوضح من هذه الرسالة، لكننا للأسف لا نقرأ ولا نرى ولا نسمع، وفى كل مرة يضيع منا ما يضيع، ونفقد من وسطنا مَن نفقد دون استيعاب لظروف المرحلة أو قراءة المشهد.
أيها السادة القائمون على أمن البلاد والعباد.. منظومة الأمن فى بلادى عقيمة هزيلة قديمة لا تساير الأحداث، ويسبقها الإرهابيون بأميال تنظيما وترتيبا وتنسيقا وتمويلا وعلما، ولن يجاريها سوى الانتباه والحرص، والتعامل بأسلوب علمى وبخطة مدروسة ومنظمة، وليس بهذا الأسلوب العقيم الذى كبر وهرم ويحتاج إلى تجديد وتطوير، والإبقاء عليه هو مزيد من الضحايا ومن الشهداء.
لم تعد كلمات المواساة والتعازى والنفاق المكررة على مسامعنا من عشرات السنين كافية لتضميد جراح إخواننا فى الوطن، وهم الأصلاء فيه، ولم تعد الجلسات العرفية التى يقهر فيها المسيحيون لقبول الظلم على أنه الرضا والممكن والعدل مقبولة فى دولةٍ تدّعى أنها دولة القانون، ولن تداوى أغانى المواطنة المزيفة نفوسا قد أرهقها التمييز والاضطهاد، ولن تزيل من نفوسهم إحساسا صادما بالظلم، فلا محاسبة لمن يعتدى عليهم أثناء صلواتهم فى كنائسهم أو بيوتهم، حتى لا يجترئ عليهم مجترئ غافل ومضلل، ولا قدرة للدولة على حمايتهم من بلطجة السلفية الذين يجرجرونهم من بيوتهم ويهجرونهم منها قسرا دون عودة، تثبيتا لحقوق العباد، ولا قوة عند الدولة على تنفيذ بناء كنيسة أو ترميمها فى مواجهة الغوغاء أو سلطان الجهل والعنصرية المنتشر فى شوارعنا، تأكيدا لدولة العدل والقانون، ولا رغبة عند الدولة فى إتاحة الفرصة للترقى للمناصب العليا دون تمييز على أساس طائفى أو جنسى أو مذهبى تصديقا لمبدأ المساواة، ولا إرادة أو رغبة عند الدولة فى تقديم من اعتدى عليهم وعلى كنائسهم، أو أحرق بيوتهم أو هجرهم أو عرّى نساءهم إلى المحاكمة تنزيهاً لمبدأ العدل، وحتى يعود الحق إلى أصحابه، ويلقى كل من تطاول أو ظلم أو اعتدى جزاءه وعقابه، ليأمنوا على أنفسهم، وعلى أولادهم، وأموالهم من خوف.. وكلها أسباب رئيسية ودافعٌ لاجتراء هؤلاء الإرهابيين عليهم من يوم لآخر.
سلاماً على شهداء الكنيسة البطرسية، وسلاماً على كل شهداء مسجد السلام، وسلاماً لكل شهداء الوطن من المسيحيين والمسلمين فى سيناء الذين يحتضنهم تراب الوطن لا يفرق بين دم مسيحى ودم مسلم، أو جسد مسيحى وجسد مسلم، فهما فيه واحد، يدفعون أرواحهم كل يوم فداء للوطن وثمنا للجهل والتخلف الذى تحمله كتب التراث، وتفاسير المغالطين، وأحاديث الوضاعين، وفتاوى فقهاء الجهل والتخلف الذين أولوا النصوص والأحاديث لخدمة الإرهاب والإرهابيين.
تحية لكل إخواننا المسيحيين الوطنيين الشرفاء الصابرين على الظلم والبلاء، راضين دائما بما تراه مرجعيتهم الدينية بما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وأعاننا الله- نحن المسلمين- فى هذا الوطن أن نعود فى كل أمورنا إلى مرجعية واحدة صادقة معنا فى فتواها.
عن جريدة المصرى اليوم