الأخ رشيد .. وإخفاق الإسلام والمسلمين - مقالات
أحدث المقالات

الأخ رشيد .. وإخفاق الإسلام والمسلمين

الأخ رشيد .. وإخفاق الإسلام والمسلمين

تلقيت دعوة كريمة من اسرة برنامج سؤال جريء لتسجيل حلقتين (سوف تعرضان في شهر يوليو المقبل) تستعرضان ما تعانيه مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تردي وضياع وتخلف وعلاقة كل هذا بالدين والنصوص الإسلامية. وللحقيقة، وقبل أن استعرض المحتوى الفكري للقاء، يجب أن اذكر بأنني قد واجهت محاور اعلامي متمكن قد انتقل من الإسلام الي المسيحية بكل اقتناع، ويواجه شخصيا هجوما حادا من غالبية المسلمين ومن بعض الملحدين سواء، لأسباب تتعلق بالبرنامج وخطته في تعرية الفكر الإسلامي، وكان منطلق المنتقدين بأن الأخ رشيد، وهو مقدم برنامج سؤال جريء، قد ترك الإسلام الي المسيحية ولكنه اكتفى بنقد الإسلام في حين لم يقترب من نقد الدين المسيحي.

لا شك ان هذه التهمة يمكن ان تكون حقيقية، الا ان الواقع يفندها تماما، وهذا ما حصل معي شخصيا حين أخبرني الأخ رشيد بأنه وطاقم البرنامج يرحبون بنقد الدين المسيحي سواء مع كل الأديان، كما وأن ليس من المطلوب من الأخ رشيد أن ينتقد كل الأديان لكي يرضي الجميع .. إلا أن بعض الملحدين ممن استضافهم البرنامج لم يرتقوا الي مستوى الحوار العقلاني بماهية النقد وآلياته وأخلاقه. كما أن بعض المثقفين العرب يخشون من الظهور أمامه حتى لا يتم اعتبارهم ذوي توجه معارض او محارب للإسلام يظهرون في برنامج ينتقد الدين الإسلامي غالبا، أو انهم يخافون من ردة الفعل تجاه انتقاد الإسلام، وهو ما يتناقض مع مهام المثقف العضوي كما يقول أنطونيو غرامشي بأن دور المثقف يجب ان يكون فاعلا مع الجميع للوصول الي تغيير المجتمعات. وضمن هذا الفضاء من الشك والريبة والحقيقة انطلقت شخصيا بعزيمة وإصرار للقيام بدوري كفرد يؤمن بالعلمانية والليبرالية كمنطلق لنهضة الأمتين العربية والإسلامية للخروج من ربقة الانسداد الحضاري والإنساني والعلمي الذي وقعنا به كشعوب ومجتمعات منذ أكثر من 1400 سنة من حكم الدين والشريعة، ولم يعيقني ابدا تلك الاتهامات او ربما الخوف الذي قيد الكثير من المثقفين وغيرهم من القيام بأدوارهم التاريخية لنقد الايديولوجيات السائدة والمؤثرة على تخلف الشعوب. وكان هدفي بهذا اللقاء هو الخروج برؤية مشتركة تروم الي محاصرة الواقع الفعلي العربي وما يتحكم فيه من معتقدات وافكار تشكل المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدول والثقافة والسلوك. وحري علي التأكيد أن المسيحية وبعد أن تعقلنت سياسيا واجتماعيا وتاريخيا بعد عصر النهضة وتحت مطارق فلاسفة الأنوار قد أصبحت ديانة بعيدة عن التأثير السياسي والاجتماعي وخصوصا بعد فصل الدين عن الدولة وتبني مشاريع العلمانية والمواطنة والحريات والمساواة في المجتمعات العلمانية، وهو ما يجعلها اليوم ديانة انسانية بعيدة كل البعد عن المظاهر المتوحشة سلوكيا وثقافيا الا من حالات فردية متقطعة خلال التاريخ الحديث. وهو تماما ما نرنو اليه مع الدين الإسلامي وعقلنته سياسيا واجتماعيا ليكون فعلا دين يقوم على مبادئ حقوق الانسان والحريات والمساواة والتعايش مع الآخر المختلف.

ما أكتبه هنا، ليس دفاعا عن أي معتقد ديني او انتقاصا لمعتقد آخر، ولكنه حديث يوافق سيرورة التاريخ والتطور الانساني بعد التراكم المعرفي وانفجار المعرفة والفلسفة والعلوم والفنون التي شكلت ارتكاز الانسان الحديث في النظر الي المستقبل بعين العقلانية النقدية وهي أساس التطور الذي يصنعه الانسان اذا ما توافر مناخ الحرية والرأي والتعبير البعيد عن القيود الدينية والسياسية. فأين الإسلام إذن من كل هذه التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل ولماذا فشل تحديث الإسلام وأنسنته حتى يتوافق مع تطلعات الانسان المسلم ويواكب كما يدعي الحضارة والرقي والأخلاق الذين سبقونا اليها تلك المجتمعات التي عزلت الدين وأرجعته الي المعبد ليحافظ على قدسيته وروحانيته.

هذه النقاط وهذه المعضلات كانت عنوان الحلقتين في برنامج سؤال جريء من وجهة نظر علمانية محايدة لا تريد الانتصار لمعتقد او الهجوم على معتقد آخر، بل ناقشنا تلك الأزمات بروح المسؤولية والاحترام وعدم المساس بأي معتقد ديني. إلا أن ما يميز مجتمعاتنا العربية والاسلامية هو وقوعها الي اليوم تحت الوصاية الدينية والاستبداد السياسي لغالبية الانظمة العربية وهو ما يجعل من نقد الإسلام ضرورة تاريخية وليس ترفا فكريا أو أحاديث نخبوية وخصوصا أن الاسلام لا يزال يشكل المرجعية السياسية والاجتماعية لغالبية القوانين والتشريعات الحكومية بالإضافة الي هيمنة العادات والتقاليد الضاربة اطنابها بالقبلية والسلوك البدائي القديم.

إن من صنع من الإسلام تعاليم موغلة بالعنف والقسوة والوحشية، ليس فقط نصوصه المباشرة، فهذه النصوص يمكن أن يخف تأثيرها او تختفي إذا ما آمنت الشعوب بالعلمانية ومبادئها، بل هناك اسباب رئيسية شكلت المنظومة المقدسة للدين وجعلتها ناطقة حية لها قوانين نافذة وتشريعات حكومية اوجزها بما يلي:

  • عقيدة الولاء والبراء بما صنعته من تعاليم تقوم على كراهية الآخر المختلف وهو هنا غير المسلم أي من أديان أخرى، ويدخل ايضا تحت غير المسلم كل من يقول عنه رجل الدين بأنه ضال ومتزندق وقد دخل تحت هذا الوصف العلمانية والليبرالية وكثير من التيارات العقلانية وكل من ينتقد الدين أو يواجه سلطة كهنة الدين.
  • غياب المواطنة وطغيان هويات المذهب والعرق والقبيلة، حيث فشل الفكر الإسلامي في تذويب الفوارق الاجتماعية بين الشعوب، حيث شكل الدين المرجعية الوحيدة لحقوق الانسان والحريات والمساواة وهو ما يتعارض مع مبادئ حقوق الانسان الكونية التي تنظر للإنسان كقيمة مجردة بعيدا عن هويات الدين والمذهب والعرق والجنس، ولم ينجح الدين الي اليوم في تكوين دولة عادلة تقوم على اساس المواطنة والدستور والحريات.
  • هيمنة الكهنوت الإسلامي، فقد كان لرجل الدين في مجتمعاتنا الدور الكبير والمرجعية الفقهية في التدخل بحياة الانسان العربي وتشكيل هويته وثقافته وسلوكه بل وحتى التدخل في حياته الخاصة من مأكل ومشرب ونوم وموت، وهو ما جعل من الانسان العربي مجرد تابع للفتاوي وللمرجعية الدينية التي يتبعها بدون أن يعمل عقله أو يستقل برأيه وقراراته الخاصة وهو ما صنع شعوب قطيعية تابعة وليست شعوب فردية حرة.
  • استمرار دمج الدين بالدولة وتطبيق الشريعة في المجتمع، وقد شكل هذا العامل الدور الأساس في تغييب الحريات والفلسفة والعلوم في مجتمعاتنا بما فرضته الشريعة من تعليم أحادي شرعي وتعزيز مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا المبدأ هو ما أدي الي اليوم الي قيام العديد من المسلمين بفرض التدين على الشعوب بالقوة والقهر باعتبار أن الدين عند الله الإسلام وأن المسلم دوره الأساسي يتمثل في تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة ولو كره الكافرون، ولاشك ان النماذج كثيرة لقيام بعض المسلمين بتنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد والسلاح والقتل بدون أي تنديد او إدانة غالبا من قبل المؤسسات الدينية الموصوفة بالاعتدال والوسطية.
  • النرجسية الدينية ووهم أفضل أمة، فقد ادى اعتبار المسلم لنفسه بأنه ينتمي الي مجموعة بشرية عليا تحمل عرقا ساميا او معتقدا مطلقا الي الانتقاص من الآخر المختلف وجعله في مرحلة او مستوى أدنى من المسلم وهو ما يتعارض مع مفهوم المواطنة والمساواة بين مختلف البشر، كما ينسف مفهوم التسامح والتعددية وقبول الآخر.

أمام هذه الحقائق، لم يبقي أمام المؤسسات الدينية ورجال الدين إلا الاعتراف بالحقيقة وتحمل المسؤولية وعدم إلقاء تهم تراجعنا وتخلفنا على الآخر المختلف لتبرير التخلف والاستبداد السياسي. بل عليهم أن لا يكرروا أخطاء الماضي وأن ينظروا جيدا الي الداخل، الي داخل الدين الإسلامي لينطلقوا منه ومن خلاله لتصحيح الاعوجاج. فمن العبث الايمان بأن النصوص الدينية صالحة لكل زمان ومكان، ومن السذاجة الاعتقاد بأن ما كان ينفع لشعوب بدائية قادر على أن يكون دستورا حضاريا في العصر الحالي، فالإنسان اليوم قد انتصر بعد ان تسلح بالعلم والفلسفة والأخلاق، وبعد أن تطورت الإنسانية والسلوك البشري، وبعد أن توصل ذات الإنسان الي المسؤولية الأخلاقية والقانونية للكون والوجود والمستقبل. فلن يكون هناك مكان لأي معتقد يعارض التطور أو يحاول أن يفرض تعاليمه كحقائق مطلقة، فالحياة اليوم لا يحكمها المعتقد الديني، بل قيم التعايش والتعددية والعلم والأخلاق.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث