سعد بن طفلة العجمي:
"أبْك! هم طالبان اثنان وسيطروا على بلد كامل؟ شلون؟"، كان هذا تساؤل الشخصية الوطنية والأكاديمي الدكتور خالد الوسمي، أطال الله في عمره. كان الوسمي يمازح سامعيه بتساؤله هذا في عام 1996 حين سيطرت حركة "طالبان" على أفغانستان أول مرة، كان يقولها بتعجب وسخرية وبلهجته العازمية المحببة. يزيد التعجب أن عمر الحركة آنذاك لم يتجاوز السنتين، فقد نشأت عام 1994.
مضى ربع قرن على سيطرة حركة "طالبان" على أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، إلى أن أطاحتها الولايات المتحدة عام 2001 بعد هجمات سبتمبر (أيلول) المدمرة.
ملأوا الدنيا وشغلوا الناس هذه الأيام، أسابيع كاملة وهم يتصدرون نشرات الأخبار العالمية، أثاروا حيرة العالم بكيفية عودتهم لحكم بلادهم بكل سهولة ويسر ومن دون إراقة دماء تذكر. اعتبر المراقبون أن الولايات المتحدة بكل عظمتها وقوتها وجيشها وجبروتها هُزمت أمام "طالبان".
تسمية "طالبان" مشتقة من العربية، وهي اسم جمع تعني الطلبة أو التلاميذ الذين يطلبون العلم، والطلبة هنا هم طلبة العلوم الشرعية فقط، وأصل التسمية بالعربية من جذر "طلب". وورد في الأقوال المأثورة أن "اطلبوا العلم ولو في الصين"، كما ورد أن "اثنان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال". "طالبان" هنا لم تكل ولم تمل في مطالبتها للعودة إلى السلطة في أفغانستان، تعاليم الحركة خليط من الديوبندية والحنفية والصوفية والبشتونية التي ينتمي غالبية أتباع الحركة إلى ثقافتها. والديوبندية نسبة إلى قرية ديوبند في الهند، والثقافة البشتونية أعراف قبلية طغت حتى على تعاليم الإسلام، فهم مثلاً ساووا بين المرأة والرجل في الميراث اتباعاً لثقافة البشتون.
"طالبان" لم تتوقف عن "الطلايب" أي المطالبة والمجادلة الحادة بحكم أفغانستان، وقيل في الأمثال "ما ضاع حق وراءه مطالب".
"هذي والله الطلابة" عبارة يرددها العامة تعبيراً عن التململ من الإلحاح من شخص ما، والطلابة هي المشكلة أو المشاجرة، ويقال "فلان فكّاك النشب والطلايب" كناية عن قدرته على إنهاء المشاكل وحلها.
وقد يكون الطلب رومانسياً حين يتقدم الرجل "بطلب" يد امرأة للزواج منها، والطَّلبة أيضاً تأتي بمعنى أن تطلب عطاءً من شخص ما.
والطلب في الاقتصاد هو عكس العرض، ويقال "تحت الطلب" أي أنه جاهز في أي وقت تحتاجه. و"عَبْ الطلب" من أكثر الأوامر تعقيداً في عالم البيروقراطية والتخلف، ولا يزال يصدر كأمر على المواطن في عالمنا على الرغم من ولوج باقي البشر في عالم الرقمنة.
وحين يقال بأن فلاناً "مطلوب" يعني بأنه مرغوب وله مريدوه، ولكنها تأتي بسياق آخر بمعنى مطلوب للمثول أمام سلطات القانون حين يرتكب مخالفة قانونية.
المطلوب من "طالبان" في أفغانستان من المجتمع الدولي شيء، وما يقومون به على الأرض شيء آخر تماماً. الأخبار والتطورات تذكر أن "طالبان" التي حكمت في الفترة من 1996-2001 هي نفسها التي تحكم اليوم، وهي تفرض السياسات نفسها التي مارستها إبان حكمها الأول.
لست من أتباع نظرية المؤامرة أبداً، ولكن سؤال الدكتور الوسمي يبقى قائماً ويتجدد:
كيف لـ"طالبان" أن عادت ثانية لحكم أفغانستان اليوم بسهولة ويسر نسبيين؟