مترجم: «صعود أسامة بن لادن وسقوطه».. كتاب جديد يفك غموض حياة ابن لادن وشخصيته - مقالات
أحدث المقالات

مترجم: «صعود أسامة بن لادن وسقوطه».. كتاب جديد يفك غموض حياة ابن لادن وشخصيته

مترجم: «صعود أسامة بن لادن وسقوطه».. كتاب جديد يفك غموض حياة ابن لادن وشخصيته

كاتب: Louise Richardson

مصدر: A Fuller Picture of Osama bin Laden’s Life

 

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية مقالًا للكاتبة لويز ريتشاردسون، أستاذة العلوم السياسية الي تهتم بالحركات الإرهابية، سلَّطت فيه الضوء على كتاب صعود أسامة بن لادن وسقوطه (The Rise and Fall of Osama bin Laden) للكاتب الصحفي بيتر بيرجن، مشيرةً إلى تفاصيل عديدة كشف عنها الكتاب عن حياة ابن لادن واختبائه وعن القوات الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية

 470ألف وثيقة.. مصادر كتاب «صعود أسامة بن لادن وسقوطه»

استهلت الكاتبة مقالها بالقول إنه من المرجَّح ألا تجد من بين مجموعة من الكتب، التي تُحيي الذكرى العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما تلاها، سوى حفنة قليلة جرى توثيقها بدقة ودُوِّنت سطورها بسلاسة أو حفلت بتفاصيل غاية في التشويق مثل كتاب «صعود أسامة بن لادن وسقوطه» الذي ألَّفه بيتر بيرجن. وهو كتاب مثير حافل بالحقائق المهمة، إذ يتميز في سرده بالانتقال جيئة وذهابًا بين بن لادن الإنسان وبن لادن «الإرهابي»، مقدمًا لمحات مؤثرة من الشخصيات الرئيسة ويسرد بتأنٍ جميع الفرص التي ضيعتها الولايات المتحدة وما تجاهلته من تحذيرات وإنذارات، بالإضافة إلى سقطاتها الاستراتيجية.

تُوضح الكاتبة أن بيرجن، الذي كان يُغطي شؤون الجهاديين وأنشطتهم منذ ثلاثة عقود وكتب باستفاضة عن ابن لادن نفسه، اعتمد في تأليفه للكتاب على أعماله السابقة دون بذل أي مجهود. و بسبب تأجيل فريق القوات الخاصة موعد مغادرة مدينة أبوت آباد الباكستانية لجلب أجهزة الكمبيوتر والوثائق من مخبأ ابن لادن بعد اغتياله، أصبح لدينا حاليًا كم هائل من المعلومات التي لم تكن متاحة في السابق. وبالإضافة إلى ما استقاه من بعض المصادر الأولية، تمكن بيرجن من الوصول إلى 470 ألف وثيقة عثرت عليها القوات الأمريكية أثناء الغارة الجوية التي شنُّوها ضد ابن لادن، والتي استعان بها قليلًا في تأليف كتابه، الذي دوَّنه برؤية صحفي متمرس يتميز ببعد نظر وسلاسة متناهية في العرض.

حياة ابن لادن الأولى

وتستعرض الكاتبة حياة ابن لادن قائلة: إن الخطوط العريضة لحياة أسامة بن لادن الأولى معروفة للجميع ولا تخفى على أحد: إذ يروي لنا الكتاب أن أسامة كان واحدًا من بين 55 طفلًا أنجبتهم زوجات والده، وكان شابًا ثريًّا مليونيرًا وذهب إلى أفغانستان لتمويل الحرب ضد الاتحاد السوفيتي. لكن بيرجن يكشف لنا أن أسامة لم يرَ والده سوى مرات قليلة في حياته، وأنه أُرسل عندما كان في عمر المراهقة إلى المدرسة الصيفية في أكسفورد مثل غيره من أطفال الصفوة العالمية. وتعرف فيها على فتاتين إسبانيتين وأصبح صديقًا لهما، وذهب للتجديف على صفحات نهر التايمز و زارَ«(ستراتفورد أون أفون) مقصد سياحي حيث مسقط رأس الكاتب المسرحي والشاعر وليام شكسبير».

بيد أن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة تراءى له أن البريطانيين «منحطُّون أخلاقيًّا» -بحسب الكاتبة- وأصبح شديد التدين عندما بلغ سن الـ 16، وتزوج بعدها بعام من ابنة عمه، التي كانت آنذاك تبلغ من العمر 15 عامًا. وقدم لنا بيرجن شجرة عائلة ابن لادن التي تضمنت أسماء زوجاته الخمس و24 من أولاده. وفي الوقت الذي توفي فيه في عام 2011، تراوحت أعمار زوجاته بين 28 إلى 62 عامًا، بينما تراوحت أعمار أولاده بين 3 أعوام إلى 35 عامًا.

شخصية حافلة بالتناقضات

وتصف الكاتبة ابن لادن بأنه شخصية مليئة بالتناقضات فيما يتعلق بأسرته. إذ أفاد بيرجن أنه كان يأمر بفصل بناته في سن الـ 3 سنوات عن الذكور، كما كان يُصر على مغادرة الإناث الغرفة عند ظهور الرجال حتى على القنوات الفضائية. ومع ذلك، حصلت الزوجتان الأكبر سنًا من زوجاته على تعليم عالي المستوى، وكانتا تحملان درجة الدكتوراة في علوم القرآن وعلم النفس الخاص بالأطفال. وكانتا تساعدانه في كتابة تصريحاته العامة وإظهار صورته العامة في أحسن صورة، بالإضافة إلى أنهما كانتا تنخرطان معه في مناقشات بشأن استراتيجية العمل التي يتَّبعها.

ويستطرد مؤلف الكتاب موضحًا أن ابن لادن طلَّق زوجته الثانية في عام 1993، وذلك بعد مرور عشر سنوات على زواجهما، بينما انفصلت عنه زوجته الأولى في عام 2001. أما زوجته الخامسة فكانت تحمل الجنسية اليمنية ولم تحظَ بقدر وافر من التعليم وكانت تبلغ من العمر 16 عامًا عندما تزوجها في عام 2000. وكان ابن لادن قد أخبر زوجاته الأخريات، قبل إحضار زوجته الخامسة إلى منزله، أنها في الثلاثين من عمرها وحصلت على مستوى تعليمي عالٍ، لكنه أراد زوجة يمنية، حتى لو اضطر للحيلة، لتحسين فرصه في اليمن لمنحه ملاذًا أمنًا في حالة اضطراره إلى الفرار من أفغانستان، كما فسَّر لنا بيرجن.

وذكر الكتاب أن زواج ابن لادن من زوجته الخامسة كان على ما يبدو سعيدًا، إذ كان الاثنان في فراش الزوجية معًا ليلة مداهمة القوات الأمريكية، وكانت هناك زوجتان أُخريان في غرفة النوم بالطابق الأسفل. ويبدو أن بن لادن كان مولعًا بالمنشطات الجنسية الطبيعية لمساعدته على الحفاظ على سعادة زوجاته الثلاث، في الوقت الذي كنَّ فيه جميعًا مختبئات معًا. بالإضافة إلى أنه استخدم صبغة شعر مخصصة للرجال فقط، وهي كلها تفاصيل وردت في الكتاب.

ابن لادن.. ربَّ الأسرة المخلص

وفي مدينة أبوت آباد، تابع ابن لادن حياته بصفته ربَّ أسرةٍ مخلصًا، واهتم اهتمامًا بالغًا بتعليم أولاده وأدار بنفسه اللقاءات العائلية. وعاش معه هناك ثلاث زوجات مع أبنائِهن وأحفادِهن البالغ عددهم اثني عشر. لكنه عرَّضهم لخطر مميت بإبقائهم معه في المخبأ.

ونوَّهت الكاتبة إلى أن ابن لادن بذل قصارى جهده، في السنوات التي سبقت اضطراره للاختباء، للتأكد من أن أبناءه أشداء ذوو بأس، فاصطحبهم في رحلات شاقة وسط درجات حرارة مرتفعة وحدد لهم كميات معينة من الطعام والماء. ورفض السماح باستخدام أي جهاز تبريد أو تكييف. وبينما كانت العائلة تعيش في السودان، ضاق نجله الأكبر ذرعًا بالحال ورحل، ولم ير والده مرةً أخرى. وبوجه عام، لم يكن حظ عائلته طيبًا. إذ قتلت الولايات المتحدة ثلاثة من أبناء ابن لادن، وتُوفيت إحدى بناته أثناء وضعها مولودًا بينما كانوا يهربون. وزُجَّ بالزوجات الثلاثة، اللاتي كن برفقته عند اغتياله في باكستان، في السجن لمدة عام بعد وفاته، كما ظلت إحدى زوجاته وسبعة من أولاده الأطفال رهن الاحتجاز في إيران لمدة عشر سنوات.

وأشارت الكاتبة إلى الوصية التي خطَّها ابن لادن بيده قبل فراره من منطقة تورا بورا في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001، وشكر فيها زوجاته على دعمهن له وطلب من أولاده أن يسامحوه لأنه لم يمنحهم سوى القليل من وقته. ونصحهم قائلًا: «أنصحكم ألا تعملوا مع تنظيم القاعدة».

وتردف الكاتبة قائلة إن: ابن لادن أتيحت له الفرصة لقتال «الكفار»، عندما هزمت القوات الإسلامية في أفغانستان في معركة جاجي عام 1987 وحداتٍ من أفضل قوات الروس تدريبًا. وكان ابن لادن قد وصف المواجهة بأنها «واحدة من أعظم معارك العصر الإسلامي الحديث»، وهي المعركة التي صنعت من ابن لادن في الإعلام العربي بطلًا للحرب، بحسب مؤلف الكتاب. لكن بيرجن يشرح في كتابه أن الأفغان هم الذين ألحقوا بالروس معظم الهزائم وهم الذين تكبدوا خسائر فادحة وليس رجال ابن لادن. وفي هذه المعركة لم يفقد تنظيم القاعدة سوى 13 رجلًا من المنتمين له.

بيد أن ابن لادن رأي أن يُنسب إليه الفضل في هذا الانتصار الكبير على قوة من القوى العظمى، معتبرًا هذا الانتصار نسخته من غزوة بدر التي انتصر فيها النبي محمد على كفار قريش. ومقتديًا بالنبي محمد، حفر أتباعه البالغ عددهم 300 في منطقة تورا بورا الخنادق لتكرار غزوة الخندق. وفي ذلك الوقت، كان ابن لادن يرى نفسه رمزًا تاريخيًّا عالميًّا، وآمن حقًا أنه وأتباعه قادرون على طرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.

وتؤكد الكاتبة أنه بالإضافة إلى ما كشفه بيرجن عن معركة جاجي، نسف بيرجن تمامًا بعض التصورات الخاطئة التي نُسِجت عن ابن لادن، ومنها امتلاكه لأسلحة دمار شامل، وتوفير باكستان الحماية له في مدينة أبوت آباد، والصلة التي تربط بين ابن لادن وإيران، بالإضافة إلى التصور الأكثر بؤسًا، وهو الصلة بين صدام حسين وابن لادن. كما كشف بيرجن أيضًا، من خلال مقاطع فيديو أثناء وجود ابن لادن في باكستان في المكان الذي اختبأ فيه، أنه كان يدير تنظيمه من مخبأه، بل وكان يدير كل تفصيلة فيه

ما الذي كشفه كتاب بيرجن عن أمريكا؟

وكشف بيرجن في كتابه بالقدر نفسه بعض المعلومات والتفاصيل عن الأمريكيين، موضحًا أنه بينما كانت وكالة المخابرات المركزية تعتقد أن التعذيب كان ضروريًّا للعثور على مخبأ ابن لادن، يرى بيرجن أنه لم يكن ضروريًّا. وكانت وكالة المخابرات المركزية قد اعتقلت أعضاءً بارزين في تنظيم القاعدة وأخضَعتهم لاستجوابات قسرية، وكانوا يزوِّدون الوكالة بمعلومات غير موثوقة باستمرار. وأبرز أيضًا أن الطائرات من دون طيار قلَّلت بشدة من قدرة القاعدة على العمل.

وعلى نحو مماثل، أبرز بيرجن كيف أضاعت القوات المتحالفة أفضل فرصة لها لإلقاء القبض على ابن لادن في تورا بورا في الأشهر التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر. ورصد أن الصحفيين كانوا يتفوقون في العدد على القوات البرية الأمريكية والبريطانية في مرحلة من المراحل، كما أنه لم تُنشَر أبدًا الوحدات المدربة تدريبًا فائقًا والموجودة في أماكن قريبة، بدافع من خوفٍ في غير محله من تكرار أخطاء القوات السوفيتية. وفي الوقت الذي كان البنتاجون بقيادة دونالد رامسفيلد منهمكًا في التخطيط للحرب ضد صدام حسين، الذي لم يكن له علاقة بهجمات 11 سبتمبر، كان ابن لادن يهرب من تورا بورا. ويصف بيرجن الأمر قائلًا: «كانت هذه واحدة من أسوأ حالات سوء التقدير في تاريخ الجيش الأمريكي».

واختتمت الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن كتاب بيرجن سلَّط الضوء كذلك على بعض القوانين الحديدية الخاصة بالإرهاب ومكافحته. كما أنه أظهر ابن لادن، في جميع خطاباته ورسائله، غير قادرٍ على تقديم رؤية إيجابية للعالم الجديد الذي كان يرغب في تكوينه. وبعيدًا عن طرد الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط، وفَّر ابن لادن مبررات لانخراط أمريكا الشديد في المنطقة. وبدورها أنقذت واشنطن تنظيم القاعدة من التلاشي والسقوط في غياهب النسيان بشنِّها الحرب على العراق في ذلك الوقت.

ترجمة ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*