ما بين الحصان والحمار والبغل في المخيال الإسلامي - مقالات
أحدث المقالات

ما بين الحصان والحمار والبغل في المخيال الإسلامي

ما بين الحصان والحمار والبغل في المخيال الإسلامي

محمد يسري:

 

عرف البشر تدجين الخيول والحمير منذ فترة مبكرة، فبينما تؤكد الدراسات العلمية على أن البشر قد استأنسوا الحمير في العصر البرونزي القديم، منذ 2700 قبل الميلاد تقريباً، فقد أظهرت التنقيبات الحديثة أن الموطن الأول لتدجين الخيل كان في هضاب أوكرانيا، وفي منطقة جنوب القوقاز في جنوب روسيا في حدود 2200 ق.م.

وكان أول ظهور للخيل في النقوش العراقية القديمة، يعود لعصر سلالة أور الثالثة (2112- 2004ق.م)، وذلك بحسب ما يذكر الدكتور مهند عاشور في دراسته "الخيل في بلاد الرافدين"، ما يعني أن تدجين الحمير قد سبق تدجين الخيل ببضع مئات من السنين.

على الرغم من التشابه الكبير بين الحصان والحمار والبغل، فقد حظي كل منهم بمكانة مختلفة في المخيال العربي الإسلامي، فبينما رمز الحصان للقوة والعزة والفخر، ورمز الحمار للصبر وتحمل الإهانة، رمز البغل للتهجين وتلاقح الأنساب المتفاوتة.

في الميثولوجيا القديمة: حصان طروادة وبيجاسوس

عرفت الحضارات القديمة حضوراً رمزياً مهماً لكل من الحصان والحمار، ففي مصر القديمة عُرف الحمار منذ فترة مبكرة في جنوب مصر، وكان يرمز للإله "ست" إله الفوضى، أما فيما يخص الخيول، فقد عرفها المصريون في نهايات عصر الدولة الوسطى، في نهايات القرن الثامن عشر قبل الميلاد، تزامناً مع اجتياح الهكسوس لمساحات واسعة من الدلتا والوجه البحري.

في الميثولوجيا اليونانية القديمة، تظهر تنويعات مختلفة لكل من الحصان والحمار، إذ ظهر الأول في شكل الحصان المجنح، أو بيجاسوس الذي نبت من دماء ميدوسا بعدما قطع بيرسيوس رأسها، كما ظهر على هيئة القنطور، وهو مخلوق خرافي، نصفه العلوي بشري والنصف السفلي لحصان. كذلك ظهر الحصان في الملاحم الهومرية، في شكل حصان طروادة الذي استخدمه اليونانيون لاقتحام أسوار طروادة المنيعة في ملحمة "الإلياذة".

الحمار كذلك ظهر في الميثولوجيا اليونانية بأشكال متعددة، فمن ناحية كانت أذني الملك ميداس على هيئة أذني حمار، ومن ناحية أخرى تم تصوير إله الخمر ديونيسوس وهو يعود إلى وطنه منتصراً راكباً على حمار.

في الكتاب المقدس أيضاً تظهر رمزية الحصان/ الحمار بأشكال متعددة. على سبيل المثال، ورد في الإصحاح التاسع عشر من رؤيا يوحنا "...ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإذَا حِصَانٌ أَبْيَضُ يُسَمَّى رَاكِبُهُ 'الأَمِينَ الصَّادِقَ' الَّذِي يَقْضِي وَيُحَارِبُ بِالْعَدْلِ..."، بما يشير إلى عودة المسيح المخلص في نهاية الزمان.

كما ورد في الإصحاح السادس من السفر نفسه، النبوءة المعروفة باسم الفرسان الأربعة، الذين يركبون الفرس الأبيض، الفرس الأحمر، الفرس الأسود والفرس الأخضر، ويمثلون: النصر، الحرب، المجاعة والموت، على الترتيب.

وإذا كان الحصان يرمز للقوة التي تتلبس بالفارس الراكب له، فإن الحمار قد يرمز لإظهار البساطة والتواضع.

على سبيل المثال، ورد في الإصحاح التاسع من سفر زكريا في العهد القديم: "ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي بالفرح يا بنت أورشليم. هوذا ملككِ يأتي إليكِ، وهو العادل والمُخلِّص، وديع وراكب على أتان وجحش ابن أتان..."، وهي النبوءة التي يعتقد المسيحيون أنها قد تحققت بالفعل يوم أحد الشعانين، عندما دخل المسيح أورشليم في تواضع وسط ترحيب كبير من أهلها الذين استقبلوه بالفرح والسرور.

الحصان: ميراث إسماعيل، المخلوق من ريح الجنوب

لما كانت طبيعة الحياة القبلية البدوية التي عاشها العرب قبل الإسلام قد فرضت عليهم الإغارة والحرب على بعضهم البعض بشكل مستمر، فقد كان من الطبيعي أن يهتم العربي بجواده الذي يمتطيه في ساحات القتال، أن يتباهى به وأن يقحمه في مفردات ثقافته البسيطة، فنراه يقرض فيه الأشعار والقصائد أحياناً، بينما ينسج حوله القصص الأسطورية أحياناً أخرى.

ذكر الحافظ ابن كثير الدمشقي، في تفسيره عن وهب بن منبه "أن الله خلق الخيل من ريح الجنوب"، أما علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي فقد ذكر في كتابه "حلية الفرسان وشعار الشجعان"، نقلاً عن الواقدي، أن أول من ركب الخيل كان هو النبي إسماعيل، وتحدث عن قصة تدجينها فقال: "وإنما كانت الخيل وحشاً لا تطاق أن تُركب، حتى سُخَّرت لإسماعيل، فكان أول من رَسَنها وركبها ونتجها".

ثم نقل عن عبد الله بن عباس قوله "كانت الخيل وحشاً كسائر الوحوش، فلما أذن الله عز وجل لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام برفع القواعد من البيت قال الله تعالى: إني معطيكما كنزاً أدخرته لكما، ثم أوحى الله تعالى إلى إسماعيل أن أخرج فادْعُ بذلك، فخرج إسماعيل إلى أجياد، وكان موضعاً قريباً منه، وما يدري ما الدعاء ولا الكنز، فألهمه الله عز وجل الدعاء، فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا أجابته فأمكنته من نواصيها، وذللها الله له.

قال ابن عباس: فاركبوها واعتقِدوها فإنها ميامين، وإنها ميراث أبيكم إسماعيل".

ذكر القرآن الكريم الخيل في العديد من المواضع، ومن ذلك عند الإشارة إلى القتال والقوة العسكرية، وذلك في الآية رقم 60 من سورة الأنفال: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، وكذلك في مطلع سورة العاديات: "وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً"، والتي فسرّها ابن العباس بأنها الخيل التي تجري في ميادين القتال، وذلك بحسب ما ذكر محمد بن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان عن تأويل آي القرآن".

النظرة الإيجابية للخيل ولارتباطها بالقوة والتمكين، تبدت في مدونات الحديث النبوي كذلك، فعلى سبيل المثال، ورد في صحيحي البخاري ومسلم قول الرسول "الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ"، كما ظهرت تلك النظرة في بعض المدونات الفقهية، التي أكدت على أن ركوب الخيل مظهر من مظاهر العزة والافتخار الذي يجب أن يُمنع منه كل من لا يؤمن بالإسلام.

وفي ذلك يقول ابن القيم الجوزية في كتابه "أحكام أهل الذمة"، إن المسيحيين واليهود الذين يعيشون في بلاد الإسلام "يمنعون من ركوب الجياد، ويكلفون ركوب الحمير والبغال إلا النفيسة التي يتزين بركوبها فإنها في معنى الخيل، وينبغي أن تتميز مراكبهم عن المراكب التي يتميز بها الأماثل والأعيان من أهل الإيمان".

في السياق نفسه، صُنفت الكثير من الكتب التي اهتمت بالحديث عن الخيل، ومن ذلك كتاب" الحلبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام"، لمحمد بن علي الصاحبي التاجي في القرن السابع الهجري، والذي ذكر فيه أسماء العديد من الخيول العربية المشهورة، ومنها الأدهم والأبجر، فرسي عنترة بن شداد، والبلقاء، فرس سعد بن أبي وقاص في القادسية، واليعسوب، فرس الزبير بن العوام.

الوجه الأسطوري للحصان ظهر في الثقافة العربية الإسلامية من خلال الحيوان الذي عُرف باسم البراق، والذي ارتبط في المخيال الإسلامي الجمعي برحلة الإسراء والمعراج.

في صحيح مسلم، نُقل عن الرسول وصفه للبراق الذي امتطاه في تلك الرحلة بأنه "دابَّةٌ أبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمارِ، ودُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ..."، كما نقل ابن سعد في الطبقات الكبرى "أن لَهُ جَنَاحَانِ"، وفي السياق نفسه، ذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتابه "الكشف والبيان عن تفسير القرآن": "وصدره كأنه ياقوتة حمراء، وظهره كأنه درة بيضاء، عليه رحل من رحائل الجنة، وله جناحان في فخذيه، يمر مثل البرق، خطوة منتهى طرفه".

بعض المصادر الإسلامية عملت على اختلاق تاريخ موغل في القدم للبراق، فقالت إنه كان دابة النبي آدم أبي البشر، كما أن النبي إبراهيم ركبه للتنقل بين زوجته سارة وأم ولده هاجر، وفي ذلك قال ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري": "كان إبراهيمُ يزورُ هاجرَ كلَّ شهرٍ على البراقِ يغْدو غدوةً فيأتي مكةَ ثُمَّ يرجعُ فيقيلُ في منزلهِ بالشامِ".

التجلي الإعجازي للحصان في الثقافة الإسلامية الجمعية، ظهر أيضاً في سياق تفسير الآية رقم 31 من سورة ص: "إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ"، فبحسب ما ورد في تفسير الطبري فإن الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ الواردة في الآية هي الخيل أخرجها الشيطان لسليمان، من مرج من مروج البحر، "وقيل كانت لها أجنحة... وذُكر أنها كانت عشرين فرساً ذوات أجنحة".

بينما نقل ابن هذيل في كتابه "حلية الفرسان" عن ابن الكلبي: "يقال إنه أخرج الله تعالى إليه –النبي سليمان- مائة فرس من البحر لها أجنحة، وكان يقال لتلك الخيل الخير؛ فكان سليمان عليه السلام يراهن بينها ويجُريها؛ ولم يكن شيء أعجب إليه منها".

من المهم هنا أن نلاحظ أن هذا التصور الأسطوري للخيول المجنحة –والتي تتشابه كثيراً مع تصور بيجاسوس في الميثولوجيا اليونانية القديمة- كان مترسخاً في الأساطير العربية قبل ظهور الإسلام، ومما يدل على ذلك ما ورد في بعض المدونات الحديثية التي ذكرت أن الأطفال قد اعتادوا على اللعب ببعض العرائس المصورة على هيئة خيول مجنحة.

من ذلك ما ورد في سنن أبي داود نقلاً عن عائشة بنت أبي بكر: "قدم رسول الله من غزوة تبوك أو خيبر... فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات –لعب- لـعائشة، فقال: ما هذا يا عائشة؟! قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه".

الحمار: طويل الأذنين الذي ضرب به المثل في الصبر

على الرغم من التشابه الشكلي الكبير المنعقد بين الحمار والحصان، فإن الحمار لم يحتل المكانة السامية التي احتلها الحصان في المخيال العربي الجمعي. صغر حجم الحمار من جهة، وصعوبة امتطائه في ميادين القتال من جهة أخرى، تسببا معاً في تحميله بعض الدلالات السلبية إلى حد بعيد.

في القرآن الكريم، ورد ذكر الحمار في بعض المواضع، منها ما ورد في الآية رقم 5 من سورة الجمعة: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً..."، وكذلك ما ورد في الآية رقم 19 من سورة لقمان: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ* إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"، والتي علق عليها شمس الدين القرطبي في تفسيره فقال: "والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نهاقه، ومن استفحاشهم لذكره مجرداً أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح فيقولون: الطويل الأذنين، كما يكنى عن الأشياء المستقذرة.

وقد عُدّ في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة. ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافاً وإن بلغت منه الرجلة...". أما في الحديث النبوي، فقد جرى ربط نهيق الحمير بظهور الشياطين، فبحسب ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم مرفوعاً إلى النبي: "إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بالله مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطاناً".

مع ذلك كله، كان الحمار موضعاً لبعض المعجزات والخوارق -ولا سيما تلك التي تحدثت عن الإحياء بعد الموت- ومن ذلك ما ورد في الآية رقم 259 من سورة البقرة، والتي تحدثت عن قصة عزير الذي أماته الله مائة عام ثم أحياه بعدها، إذ اتخذ الله حمار عزير آية ليريه كيف يتم الإحياء بعد الموت: "...وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

الأمر نفسه تكرر في المدوّنات السنية والشيعية التي تحدثت عن أخبار المعجزات، ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية في كتابه "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، عندما ذكر قصة رجل من النخع كان له حمار فمات في الطريق، فقال له أصحابه هلم نتوزع متاعك على رحالنا فقال لهم: أمهلوني هنيهة ثم توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فأحيا له حماره فحمل عليه متاعه.

القصة نفسها تقريباً ترويها المصادر الشيعية عن الإمام الخامس محمد الباقر، فبحسب ما ذكره محمد بن الحسن الحر العاملي في كتابه "إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات"، أنه وبينما كان الإمام سائراً مِن مكّة إلى المدينة، إذ انتهى إلى جماعةٍ على الطريق، فإذا رجلٌ منهم قد نفق حمارُه، وتبدّد متاعه، وهو يبكي.

فلمّا رأى أبا جعفرٍ عليه السّلام أقبل إليه وقال له: يا ابن رسول الله، نفقَ حماري وبقيتُ منقطعاً، فادعُ اللهَ أن يُحييَ لي حماري. فدعا أبو جعفر وحرك شفتَيه بما لم يسمعه أحد منهم، فإذا بالحمار وقد انتفض، فأخذه صاحبه وحمل عليه رَحْلَه، وسار معنا حتّى دخل مكّة".

الحمار الذي عُرف بالجلد والصبر والقدرة على تحمل مختلف أشكال الإيذاء والإهانة، صار في بعض الأحيان مضرباً للأمثال، إذ سُمي به بعض القادة العسكريين المعروفين بالصبر في ميادين القتال، ومن أبرزهم الخليفة الأموي الأخير، مروان بن محمد، الذي عُرف بمروان الحمار، والذي فسر شمس الدين الذهبي تسميته بهذا الاسم تحديداً في كتابه "سير أعلام النبلاء": "ويقال: أصبر في الحرب من حمار. وكان مروان بطلاً شجاعاً داهية، رزيناً، جباراً، يصل السير بالسرى، ولا يجف له لبد، دوخ الخوارج بالجزيرة.

ويقال: بل العرب تسمي كل مائة عام حماراً، فلما قارب ملك آل أمية مائة سنة، لقبوا مروان بالحمار. وذلك مأخوذ من موت حمار العزير -عليه السلام- وهو مائة عام، ثم بعثهما الله تعالى".

أما أشهر الحمير في الثقافة العربية الإسلامية، فكان عفير حمار النبي، الذي ذكر المحدث الشيعي محمد بن يعقوب الكليني في كتابه "الكافي"، عن علي بن أبي طالب، أنه كان أول دواب الرسول نفوقاً بعد وفاة الرسول، "إذ توفي ساعة قبضَ رسول الله... قطع خطامه –أنفه- ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره".

ومن أشهر القصص الغريبة التي تُروى عن عفير، ما ذكره الكليني في كتابه "إن عفير كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صُلب هذا الحمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير: فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار".

البغل: دلدل بغلة النبي التي أهداها لابن عمه

لما كان البغل هو الحيوان المهجن الناتج عن تزاوج فصيلتي الخيل والحمير، فقد كان من الطبيعي أن يحمل بعضاً من الصفات المشهورة عن كلا الفصيلتين، وأن ترتبط به بعضاً من السمات المميزة لكل منهما.

تعارف العرب على أن البغل هو ابن الحمار من الفرس (أنثى الحصان)، أما النغل فهو الحيوان المولود من تزاوج الحصان والأتان (أنثى الحمار)، ومن هنا فقد ارتبط تشبيه النغل دائماً، بالعلاقة الآثمة التي قد تنشأ بين سيد عالي المقام من جهة وأنثى وضيعة من جهة أخرى. وفي هذا السياق يمكن فهم ما ذكره ابن منظور في كتابه "لسان العرب" أن النَّغْل هو "ولد الزِّنْيَة"، كما يمكن فهم المثل العربي المشهور "قيل للبغل: من أبوك؟ قال خالي الفرس".

أشهر البغال في الثقافة العربية الإسلامية، هي البغلة المُسماة دلدل، وهي بغلة الرسول، وصارت بغلة علي بن أبي طالب من بعده، وبحسب ما يذكر ابن شهر آشوب المازندراني في كتابه "مناقب آل أبي طالب" أنها قد سميت دلدل لأن النبي لما انهزم المسلمون يوم حنين قال دلدل، فوضعت بطنها على الأرض فأخذ النبي حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم، ثم أعطاها علياً.

وبحسب الكتاب نفسه، فإن علي سُئل ذات مرة عن سبب تمسكه بامتطاء دلدل ورفضه امتطاء الجياد، فقال: "الخيل للطلب والهرب، ولست أطلب مدبراً ولا أنصرف عن مقبل، وفي رواية: لا أكر على من فر، ولا أفر ممن كر، والبغلة تزجيني، أي تكفيني".

أيضاً، ورد ذكر البغال في بعض الروايات الشيعية التي تتحدث عن المنافسة الشرسة بين الخلفاء والأئمة من آل البيت، فعلى سبيل المثال، يذكر الكليني في الكافي أن الخليفة العباسي المستعين بالله كان عنده بغل يمتنع عن الخضوع لأي رجل، ولم يستطع أحد من الناس يقدر على أن يمتطيه، فأشار عدد من جلساء المستعين عليه، بان يستدعي الإمام الحسن بن علي الهادي، فوافق الخليفة وأرسل في طلبه، ولما قدم عليه طلب منه امتطاء البغل فركبه واستطاع أن يسيطر عليه بكل سهولة ويسر، مما أثار دهشة الخليفة وحسده.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث