د. عماد بوظو:
الغضب الذي يلازم دائما وجوه الإسلاميين المتشددين ومشاعر الشماتة والتشفي التي يحرصون على إظهارها عندما تحصل حادثة أو وفاة عند من يخالفهم في الرأي ظاهرة غريبة بحاجة إلى دراسة لمعرفة أسباب امتلاء قلوب هؤلاء بالكراهية بدل المحبة والتسامح والغفران التي تغمر عادة قلوب المؤمنين الحقيقيين، وكان آخر الأمثلة ما أظهروه من مشاعر الشماتة في موت الكاتبة والمفكّرة والطبيبة نوال السعداوي والتي عبروا عنها بكل وضوح في وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد قال أحدهم الحمد لله على هلاكها الذي أراح العباد والبلاد، وقال آخر إن الشماتة في الموت عبادة!، اعتمادا على حديث "والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب"، ورأى آخر أن "علماني متبجح يجد من يحميه ويلمّعه ويجعله نجما ومفكرا وهو لا يفرق بين التيمم والوضوء!، فماذا يتصرف الرجل إذا علم بموت أو حلول كارثة بأحد هؤلاء؟ من الطبيعي إذا كان عاقلا أن يحمد الله الذي أراه آيته وكفّ عنه أذاه، ولو كانت الشماتة غير جائزة ما سجد الشيخ الشعراوى يوم هزيمة الظالمين -عندما سجد شاكرا الله على هزيمة مصر في حرب حزيران!-، وقال العلماء إذا جاز لك الدعاء عليهم ألا يجوز لك الفرح بهلاكهم".
مع أن كل ما فعلته نوال السعداوي هو مناقشة قضايا الحجاب والجنس وختان المرأة من نواحي طبية واجتماعية وهو في صلب عملها كطبيبة، وجميعها قضايا بعيدة عن جوهر الدين، وقدّم الإسلاميون مثالا آخر للشماتة عند موت الباحث الإسلامي محمد شحرور: "الشماتة الحقيقية في موت أفكار الزنادقة والعهر والفجور فكر محمد شحرور فكر الانحلال والتشويه فكر التعدّي على تاريخ الأمة ومصادرها ورجالها، فكر التعرّي فكر المجون"، وقال آخر هلاكه كشف حساب الملاحدة والصليبيين الكارهين للإسلام والمسلمين.
وحسب مقال في "رأي اليوم" علّقت وقتها د. دعاء عبد الحميد طنطاوي "شحرور مات وعقبال السعداوي وأخواتها كل ما واحد من الملاحدة مات على سريره أفتكر صورة فرج فودة وهو متغربل بالرصاص وأترحم على البطل أبو العلا عبد ربه عقمت النساء أن يلدن مثله"، وبطلها عبد ربه هو أحد الإرهابيين المشاركين في اغتيال فرج فودة والذي انضم فيما بعد إلى داعش وقتل بقصف للتحالف الدولي عام 2017، ولا يوجد مثال أوضح من هذا على الدرجة الاستثنائية من الكراهية والحقد والتحريض على القتل عند هؤلاء، فالكاتبة تأسف لأن الدكتور محمد شحرور لم يمت متغربلا بالرصاص مثل فرج فودة مع أن كل "جريمته" أنه قضى حياته في محاولة التوفيق بين الإسلام والعلم والعصر، فأعاد قراءة النصوص بهذا الهدف وكان الموقف المنطقي أن تشمله مقولة للمجتهد أجر إن أخطأ وأجران إن أصاب.
ولم يكتف المتطرفون بذلك بل جعلوا الله غاضبا يبحث عن الانتقام مثلهم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال رؤيتهم لعذاب القبر في موقع الدرر السنية اعتمادا على حديث منسوب للبراء بن عازب، "يأتي للعبد الكافر أو الفاجر ملكان فيسألانه من ربك فبقول هاه هاه لا أدري، فيقولان ما دينك فيجيب هاه هاه لا أدري، فينادي منادي من السماء فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرّها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك"، وزاد جرير: ثم يقيّض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبلا لجعله ترابا فيضربه بها ضربة يسمعها المشرق والمغرب فيصير ترابا ثم تعاد فيه الروح.
وتستمر نفس الرؤية في ما يلاقيه أصحاب جهنم حسب موقع صيد الفوائد، "طعامهم يغلي في بطونهم ومنه الزقوم وصديد الحروق وهو ذو مرارة وغصّة، وشرابهم الحميم يشربونه من شدة عطشهم ولكنه ينزل يغلي في بطونهم، ولباسهم من النار، ويكونون في جهنم مقيدين بالسلاسل والأغلال زيادة في الهوان مما يجعل وجوههم مسودّة، وجلودهم تتبدّل كلما نضجت حتى يتجدد العذاب، وقد تسلّط عليه الحيات والعقارب والحشرات"، وبذلك فقد رسم هؤلاء المتشددون إلها غاضبا على شاكلتهم بل تجاوزوه لأن كل هذا العذاب الذي ينتظر حسب زعمهم السعداوي وشحرور لم يكن كافيا للسماح للشفقة أو الرحمة بالدخول إلى قلوبهم.
وهذا يوضح أن العلاقة مع الله حسب رجال الدين هؤلاء ترتكز على الخوف، ربما نتيجة اقتناعهم بأنه لا توجد وسيلة أفضل لفرض التسليم وإتباع تعاليم كل ما هو منقول عن كتب التراث مهما كان بعيدا عن العقل أو لا يقبله العلم وثقافة العصر، فهم لم يجدوا سوى الخوف وسيلة لدفع المرأة للقبول بأنها ناقصة عقل ودين وأن الرجل رئيسها والحاكم عليها ومؤدّبها إذا إعوجّت، وأن بإمكانه أن يتزوج عليها عدة نساء، أو للقبول بأن الرجم وقطع الرأس حدود شرعية يجب تطبيقها في عالم اليوم.
ولكن آراء هؤلاء المتشددين تصطدم مع هذا العصر، لأن الكثير من المؤمنين اليوم ينزّهون الله عن هذه الساديّة في التعذيب، ويرون أن العلاقة مع الله ترتكز على الحب وبالتالي لا يعقل أن يعامل الله أبناؤه الذين خلقهم بهذه القسوة وأن من يصوّر الله بهذه الطريقة يسيء إليه، كما برى بعضهم أن الجحيم ليس غرفة تعذيب ولكنه الابتعاد عن الله والحرمان من رضاه، وأن أشد العقوبات على الأرواح الآثمة هو الاختفاء والزوال، لأن جهنم بالمفهوم المتوارث تتعارض مع الحب اللامتناهي لله، فالله ليس قاضيا يسعى للإدانة ولكنه صديق ومحب للإنسانية، ويرى كثيرون أن الجحيم تعبير مجازي عن الروح المعزولة التي ستتّحد في نهاية المطاف مثل جميع النفوس في محبة الله.
وفوق كل ذلك يبدو أن أساليب الترهيب والتخويف المبالغ فيها في التراث الإسلامي لم تفلح حتى في ضبط سلوك الإسلاميين أنفسهم، ومن الأمثلة على ذلك قيام داعية إسلامي ومدرّس للعلوم الإسلامية في أوروبا وحفيد مؤسس الأخوان المسلمين باغتصاب عدة سيدات بينهم واحدة من أصحاب الاحتياجات الخاصة وثانية اتهمته باغتصابها بشكل جماعي مع أحد مساعديه، وعندما تمت مواجهته بالأدلة والرسائل القصيرة المرسلة منه إلى هاتف إحدى ضحاياه وبمئات الصور الإباحية التي عثر عليها في هاتفه وكمبيوتره الشخصي اضطرّ للاعتراف ولكنه إدّعى أنها علاقة بالتراضي أي زنا حسب التوصيف الإسلامي.
ومن الأمثلة الأخرى إقدام رجل على الاعتداء جنسيا على طفلة عمرها ست سنوات رغم أنه أدّى فريضة الحج مرتين،، وكذلك قيام الكثير من رجال الدين بإنشاء جمعيات خيرية وهميّة بهدف التكسّب المادي أو إعطاء شهادات تحفيظ قرآن لغير المؤهلين مقابل المال أو الكذب والغش في التعاملات التجارية حتى مع إخوتهم، مما أدّى لوجود إنطباع شعبي عام بأن مظاهر التدين الخارجي عند الكثير من المشايخ ليست سوى عدة النصب، مما يؤكد أن العبودية والتسليم بدون تفكير وإعمال العقل لا ينتج عنها إيمان حقيقي عميق بل تديّن سطحي وتقليد "ظاهري" حرفي للسلف وهذا هو التديّن الذي ينتشر هذه الأيام في أغلب الدول الإسلامية.