د. أحمد يوسف أحمد:
ثمة خطر حقيقي من أن تتحول الأزمة الراهنة بين فرنسا والقلة المتطرفة من المسلمين إلى أزمة خطيرة بين القوى الغربية عامة وعموم المسلمين، ومصدر الخطر ممارسات خاطئة يتعين على كل حريص على الإسلام ومكانته وعلاقته بمحيطه العالمي أن يطوّقها. فالشريحة المتشددة من المسلمين تتبنى أفكاراً وممارسات نعلمها جيداً، لأننا عانينا منها في بلادنا الإسلامية على يد أقلية تدّعي أنها الناطق الوحيد باسم الإسلام، وتعتنق ذات الأفكار وتتصرف على النحو نفسه الذي من شأن نجاحه أن يقوض الدول الوطنية. وقد أظهرت النخب الثقافية الغربية على العموم قصوراً في فهم التكوين النفسي للمسلمين، ولذلك لم تراعِ في ممارستها مبدأ حرية التعبير أن هذه الحرية لا يجب أن تؤذي الآخرين. وهكذا تولدت ظواهر تبرز منها في حالتنا ظاهرة الرسوم المسيئة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وتكرار نشرها، بغض النظر عما يترتب على ذلك.
ولا جدال في أنه من الأهمية بمكان تطويق هذه الأزمة، إذ من شأن تفاقمها إلحاق الضرر بطرفيها معاً، فإصرار بعض الإعلاميين والمثقفين على التمسك بالممارسات المسيئة للإسلام يعطي الذريعة للمتشددين المتطرفين، لا داخل فرنسا وحدها، وإنما على امتداد العالم بأسره، لارتكاب جرائم إرهابية بدعوى الدفاع عن الدين! وهو منطق ينساق إليه، وللأسف الشديد، بعض البسطاء من السذج ومحدودي الوعي. والأسوأ من ذلك توظيف الإساءات في خدمة مشروعات إقليمية مشبوهة، كمشروع النظام التركي الذي يعيش رئيسه أردوغان في أوهام استعادة الخلافة العثمانية وهيمنتها الشرق أوسطية. فقد أتت له هذه الأزمة على طبق من ذهب، ليختطفها ويتبنى خطاباً شعبوياً حولها يرتدي فيه ثوب المدافع عن الإسلام، بحيث يبدو وكأنه القائد الأوحد الذي يرفع راية الذود عن حياض الدين، بينما هو في الواقع ينفذ مشروعاً عدوانياً للهيمنة ينتهك فيه سيادة العديد من الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الأوربية أيضاً (مثل قبرص واليونان)، فضلاً عن دول أخرى اشتكت من تدخله في شؤونها الداخلية كالنمسا. وفي إطار هذا المشروع التسلطي الخيالي يوظف أردوغان الجماعات الإرهابية كقطع الشطرنج، فيحركها من سوريا إلى ليبيا إلى أذربيجان.. دون عقاب حتى الآن. ويُلاحظ أن عملاءه من جماعة «الإخوان المسلمين»، وفروعها في بعض البلاد العربية، قد التقطوا رأس الخيط وبدؤوا تلميع صورته باعتباره حامي حمى الإسلام! هذا ناهيك عما توفره هذه الظروف من مناخ يمكن لفلول الجماعات الإرهابية في العالم العربي استغلاله لضخ الدماء في عروقها بعد أن دخلت مرحلة الاحتضار وأوشكت على الموت.
ولن يتم تطويق هذه الأزمة لتفادي آثارها المدمرة إلا بالحوار الغربي العربي، فالمتشددون والإرهابيون لا يمثلون الإسلام بالتأكيد، كما أنه في الغرب هناك عقول مستنيرة ومتفتحة كثيرة يمكن إدارة حوار جاد معها من خلال رموز للفكر الإسلامي المستنير، سعياً للوصول إلى كلمة سواء تضمن احترام الإسلام ومعه كافة الأديان الأخرى، وتحافظ في الوقت نفسه على سيادة الدول وأمنها واستقرارها من الأفعال الإرهابية التي يرتكبها المتشددون باسم الدين. ولن يكون هذا الحوار سهلا بطبيعة الحال، ولذلك يجب أن يكون حواراً شاملاً لكل ما هو ديني وسياسي وثقافي، وللمستويات الرسمية وغير الرسمية معاً، من أجل كلمة سواء تحفظ للإسلام وكافة الأديان مكانتها السامية وتصون أمن الدول واستقرارها.
الاتحاد