هل قتل 800 من الـ"تيغراي" دفاعا عن "تابوت العهد" العام الماضي؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل قتل 800 من الـ"تيغراي" دفاعا عن "تابوت العهد" العام الماضي؟

هل قتل 800 من الـ"تيغراي" دفاعا عن "تابوت العهد" العام الماضي؟

إنجي مجدي:

 

يقول مسيحيو إثيوبيا إنه يحمل الوصايا العشر ومحفوظ في كنيسة صغيرة بمدينة أكسوم

 

كشفت تقارير صحافية عن أن ما لا يقل عن 800 شخص قتلوا في إثيوبيا، خريف العام الماضي، بسبب محاولتهم حماية ما يقولون إنه "تابوت العهد" الذي يحمل وصايا الله العشر للنبي موسى، خلال المعارك بين قوات حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد وجبهة تحرير شعب تيغراي.

ويزعم المسيحيون الإثيوبيون أن تابوت العهد، وهو الصندوق الخشبي الذي بُني خصيصاً في عهد النبي موسى ليحمل الوصايا العشر، محفوظ بأمان منذ الستينيات في كنيسة صغيرة بمدينة أكسوم المقدسة شمال إقليم تيغراي.

ووفقاً لغيتو ماك، وهو محاضر جامعي محلي تحدث لصحيفة "التايمز" البريطانية، فإنه عندما سمع الناس بإطلاق النار في المدينة، هرعوا إلى الكنيسة لتقديم الدعم للكهنة وغيرهم ممن كانوا هناك لحماية التابوت، حيث سقط المئات.

مئات القتلى

فيما لم يعرف سوى القليل عن حصار الإقليم منذ أن تم عزله عن العالم ومنع الصحافيين من دخول المنطقة، قال شماس مقيم في أكسوم تحدث لوكالة "أسوشيتد برس"، شريطة عدم ذكر اسمه، إنه ساعد في عد الجثث وجمع بطاقات هوية الضحايا، وساعد في الدفن في المقابر الجماعية، مشيراً إلى أن ما يصل إلى 800 شخص قتلوا داخل وحول كنيسة سانت ماري صهيون في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) على يد القوات الموالية للحكومة.

وبدأت تفوح من المدينة رائحة الموت. فبينما قامت القوات الحكومية بقتل المئات، تركت الجثث في شوارع المدينة لعدة أيام، حتى إنها جذبت الضباع من التلال القريبة، ولم يتم دفنها سوى بعد مغادرة الجنود أكسوم، بحسب الشماس. وقال شهود عيان لـ"برنامج أوروبا الخارجي مع أفريقيا"، المعني بالتحقيق في تقارير عما حدث في إقليم"تيغراي"، إن المدافعين عن التابوت كانوا مسلحين فحسب "بالحصى والعصي".

تابوت العهد

بحسب وصف الكتاب المقدس، فإن تابوت العهد هو صندوق خشبي مذهب يحتوي على ألواح حجرية محفور عليها الوصايا العشر. فوفقاً لسفر الخروج في العهد القديم، أمر الله موسى أن "يصنع تابوتاً من خشب السنط" بعد هروب بني إسرائيل من جنود فرعون في مصر، حيث تم إيداع لوح الوصايا داخل التابوت.

ويذكر الكتاب المقدس أن التابوت كان محفوظاً في معبد الملك سليمان في القدس لعدة قرون، لكنه اختفى بعد نهب المدينة عام 586، أو 587 قبل الميلاد. ووفقاً للمسيحيين الأرثوذكس في إثيوبيا، نقل منليك، ابن ملكة سبأ، وملك إسرائيل سليمان، التابوت إلى مدينة أكسوم في القرن العاشر قبل الميلاد. ويقال إنه تم وضعه على مدار الـ50 عاماً الماضية في كنيسة، أنشأها الإمبراطور هيلا سيلاسي، في المدينة. ولا يسمح لأحد بالوصول إلى الآثار باستثناء راهب وحيد.

وقال ماك إن التقارير التي تتحدث عن تدمير ونهب القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن أثارت مخاوف من استهداف التابوت. وأضاف "كان الجميع قلقاً من أن يتم نقلها إلى إريتريا، أو (العاصمة) أديس أبابا، أو تختفي".

وبحسب "أسوشيتد برس"، يقر متخصصو التراث بأنه يجب إعطاء الأولوية لحالة الطوارئ الإنسانية المتفاقمة على ثروات إثيوبيا التاريخية. وقال أليساندرو باوسي،المتخصص في النصوص والمخطوطات الإثيوبية بجامعة هامبورغ، إن "الإبادة الثقافية" التي تشن في "تيغراي"يجب أن تثير قلق العالم.

وتمثل مدينة أكسوم بآثارها وكنائسها القديمة، أهمية كبيرة للمسيحيين الأرثوذكس الإثيوبيين. وقال وولبرت سميدت، المؤرخ المتخصص في المنطقة "إذا هاجمت أكسوم، فإنك تهاجم أولاً وقبل كل شيء ليس هوية شعب تيغراي فحسب، ولكن أيضاً جميع المسيحيين الأرثوذكس الإثيوبيين"، إذ تعد أكسوم نفسها كنيسة في التقليد المحلي.

وبحسب "التايمز"، شاهد ماك الفوضى في 28 نوفمبر من غرفته في فندق بوسط المدينة، بعد أكثر من أسبوع من وصول القوات الحكومية وحلفائها من إريتريا المجاورة إلى المدينة بعد قصف عنيف. وبعد يوم من العمليات داخل وبالقرب من كنيسة سانت ماري، توغلت القوات الإريترية بين المنازل والآثار القديمة والكنائس بحثاً عن المتعاطفين مع الجبهة. ووفقاً لقول المحاضر الإثيوبي "لم تكن هناك رحمة، لم يهتموا إذا كنت صغيراً أو كبيراً أو أياً كان. لقد قتلوا الناس وأخذوا كل ما في وسعهم.كان هناكعديد من الجثث".

بداية الصراع

وفي الرابع من نوفمبر 2020، شن رئيس الوزراء الإثيوبي هجوماً عسكرياً على قوات "جبهة تحرير شعب تيغراي"، وهي السلطة الحاكمة في الإقليم الواقع في شمال إثيوبيا. فبعد أشهر من التوترات المتصاعدة بين الطرفين، تم التعجيل بالعملية العسكرية رداً على "هجوم مزعوم شنته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على قاعدة رئيسة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية في الإقليم، أسفرت عن مقتل جنود ومحاولة نهب المدفعية الثقيلة والأسلحة".

ومنذ صعوده إلى السلطة في أبريل (نيسان) 2018، تتهم الجبهة حكومة آبي، الذي ينتمي إلى عرقية الأورومو، وهي أكبر جماعة عرقية في البلاد، بممارسة الاضطهاد الممنهج ضد "تيغراي".

في المقابل، لطالما اتهم آبي، الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019، الحرس القديم في "جبهة تحرير تيغراي" بالسعي إلى تخريب حكومته، وإصلاحاته، خصوصاً بعد عقده اتفاق السلام مع إريتريا، العدو اللدود للجبهة.

وقالت الأمم المتحدة، في منتصف نوفمبر الماضي، إنه من المحتمل أن تكون "جرائم حرب" قد ارتكبت ضد سكان الإقليم. وحذرت ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، من احتمال خروج الوضع عن السيطرة. كما ذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية أن أكثر من 25 ألف إثيوبي نزحوا إلى السودان فارين من العنف.

تورط إريتريا

وأدى قطع الإنترنت وشبكات الهاتف المحمول إلى فصل إقليم"تيغراي" عن العالم الخارجي، وسط أخبار عن فظائع مزعومة، ارتكبها الجانبان. ونفت حكومة آبي تورط إريتريا في الصراع المسلح داخل الإقليم، لكن وكالة "أسوشيتد برس" تقول إنه في ظل الشهادات المتوالية لشهود العيان فإن الحكومة باتت مجبرة الآن على التراجع عن نفيها مقتل مدنيين.

واعترفت وزارة الخارجية الإثيوبية هذا الأسبوع بأن "الاغتصاب والنهب والقتل الجماعي القاسي والمتعمد" يمكن أن يحدث في نزاع "يشارك فيه كثير من المسلحين بشكل غير قانوني". وألقت الحكومة باللوم على الجبهةلتركها المنطقة "معرضة للخطر".

وقال الشماس إن السكان يعتقدون أن الجنود الإريتريين كانوا ينتقمون من الحرب الحدودية التي استمرت عقدين بين إثيوبيا وإريتريا، والتي انتهت بعد أن أصبح آبي رئيس الوزراء.

وقال بعض الجنود للسكان إنهم تلقوا تعليمات بقتل أشخاص لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً. وأكد شاهد آخر، يبلغ من العمر 39 عاماً،وهرب قبل أسابيع إلى الولايات المتحدة، أن الشرطة الفيدرالية الإثيوبية لم تفعل شيئاً لكبح جماح الجنود الإريتريين "قالوا: ماذا يمكننا أن نفعل؟ لم يكن يجب أن يحدث هذا منذ البداية. هذا من أعلى"، مشيرين إلى كبار المسؤولين الحكوميين.وأشار إلى أنه نقل الجثث إلى مقبرة جماعية في كنيسة سانت ماري صهيون، ويعتقد أنها بين 300و400 جثة.

وبينما حذرت المنظمات الإنسانية من أزمة جوع تلوح في الأفق مشابهة لتلك التي حدثت في منتصف الثمانينيات، قالت الأمم المتحدة إن 80 في المئة من سكان "تيغراي" البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، ما زالوا معزولين عن المساعدة.

وأرسلت "اندبندنت عربية" طلباً للسفارة الإثيوبية في القاهرة للتعليق على المزاعم الخاصة بالعنف في أكسوم، ولم تتلقَ رداً.

اندبدنيدنت عربية

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث