منصور الحاج:
في الجزء الأول من هذا المقال، تحدثت عن أهمية أن تستغل الحكومات والمنظمات والأفراد في المجتمعات العربية والإسلامية حالة التدهور التي تمر بها الجماعات الجهادية بفضل الضربات الاستباقية المتوالية التي تتلقاها من قوات التحالف الدولي والجيوش المحلية والعمل المتميز الذي تقوم به أجهزة الأمن والاستخبارات في كل مكان من أجل توجيه ضربة قاضية للفكر الجهادي وهزيمة دعاة الجهاد.
كما اقترحت تأسيس تحالف فكري يتصدى للجهاديين ومن يرجون للفكر المتطرف يهدف إلى تجنيد جميع شرائح المجتمع ليكونوا خط الدفاع الأول ضد التطرف ويعمل على تسليحهم بكل الأفكار والوسائل والأدوات اللازمة لمواجهة كل بوادر التطرف في البيوت ودور التعليم والمساجد وأماكن العمل وعلى جميع المنابر الواقعية والافتراضية.
ومن أجل تحقيق ذلك، يتعين قبل كل شيء أن تدرك المجتمعات الإسلامية حقيقة أن الخطر الذي تشكله الجماعات الجهادية ليس محصورا في فئات معينة أو على أماكن محددة كما يحاول الإرهابيين كذبا الترويج لذلك في رسائلهم التهديدية من أجل التملص من المسؤولية حيث دأبوا على حث المواطنين على الابتعاد عن مناطق معينة وكأنهم يعبؤون بأرواح الأبرياء الذين يسقطون خلال عملياتهم الإرهابية.
إن الحقيقة التي لا يمكن لأحد إنكارها هي أن إرهاب الجماعات الجهادية يطال الأسواق والمساجد والمستشفيات والمطاعم وملاعب كرة القدم والمطارات والطائرات ومحطات النقل والمباني السكنية والمهرجانات ولم يسلم من إرهابهم لا الأطفال ولا النساء ولا كبار السن ولا حتى المقابر والأضرحة.
كما لا يخفى على أحد بأن شعوب الدول العربية والإسلامية هم الأكثر تضررا من الجماعات الإرهابية التي تفاخر بأعداد القتلى والجرحى الذين يسقطون خلال عملياتهم.
وبحسب العدد 269 لصحيفة "النبأ" الأسبوعية التي يصدرها تنظيم "داعش" فقد نفذ الدواعش 64 عملية في كل من سوريا والعراق وسيناء ونيجيريا وباكستان وأفغانستان والكونغو وبلغت أعداد القتلى والجرحى أكثر من 182.
كما نشرت وكالة "ثبات" الإخبارية الموالية لتنظيم القاعدة مؤخرا تقريرا ذكرت فيه بأن إرهابيي القاعدة نفذوا قرابة 7000 عملية في عام 2020 في كل من دول شمال أفريقيا، ومصر، وبلوشستان، وجنوب افريقيا، ووسط أفريقيا، وجزيرة العرب، وغرب أفريقيا، والقارة الهندية وبلاد الشام وشرق أفريقيا وأفغانستان سقط خلالها أكثر من 16000 قتيل ومائة ألف جريح.
وهكذا يتحول الأبرياء الذين يسقطون في العمليات الإرهابية إلى أرقام تفاخر بها الجماعات الجهادية في إصداراتها ومن المتوقع أن يستمر الحال على ماهو عليه وربما قد يتجه نحو الأسوأ إن لم تتصدى الحكومات والمنظمات والأفراد في المجتمعات العربية والإسلامية للفكر الجهادي وتتعامل معه كخطر وجودي يجب القضاء عليه والضرب بيد من حديد على كل يتبناه أو يروج له أو يتعاطف معه.
إن السبيل الوحيد لهزيمة الفكر الجهادي وتجنيب المجتمعات العربية والإسلامية ويلات الإرهاب وتبعاته يتمثل في فرض عقوبات صارمة على دعاة الجهاد ومموليه وتنظيم حملات توعوية دائمة لتدريب كل أفراد المجتمع من جميع الشرائح على مقارعة كل من يتعاطفون مع المتطرفين ويروجون لأفكارهم.
إن من أهم الأسباب التي ساهمت في تمادي دعاة الجهاد في الترويج لضلالاتهم هي اعتقادهم بأنهم على حق وغيرهم على باطل وقد بلغوا من الجرأة إلى حد وصفهم لكل من يخالفهم الرأي بالجهل وإصدار فتاوى التكفير ضدهم ولذلك فمن النادر أن تجد من يتصدى لهم في المجالس العامة أو مواقع التواصل الاجتماعي أو المجموعات المغلقة بحجة عدم امتلاك القدر الكافي من العلم الشرعي للرد عليهم.
ونتيجة لهذا التساهل ذاقت الشعوب العربية والإسلامية الويلات وسقط الآلاف قتلى وجرحى كما تشتت شمل آلاف الأسر في المنافي والمخيمات.
وخلاصة القول، لا تتردد عن مواجهة أصحاب الفكر الضال في أي مكان وعلى أي منبر من المنابر فاصدح برفضك لتطرفهم وأفضح فساد معتقداتهم وأعلن كفرك بما يروجون له من عنف وكراهية وإن استدلوا بالآيات والأحاديث لأن صمتك عنهم سيزيدهم تماديا في غيهم ويمد في عمر ضلالاتهم.