سناء العاجي:
"الغرب يكره الإسلام والمسلمين".
"الإرهاب مؤامرة غربية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين".
"الغرب يخاف من انتشار الإسلام".
بهذا المنطق، وكما كتب صديق صحفي مغربي، يفترض أن الغرب لا يَدْرس، لا يُنجز أبحاثا، لا يَصنع ولا يُصَنِّع. لا ينتج. يفترض أن كل أخبار الاختراعات العلمية ملفقة، إذ ليس للغرب وقت للاختراع أو الدراسة... هو فقط مهووس بنا مشغول بعدائه لنا.
الغرب لا يخاف الصين، وهي القوة العظمى القادمة. لا يحاربها ولا يسعى لتشويه معتقداتها ولا يصنع الإرهاب باسمها.
الغرب لا يكره اليابان التي دمرتها أميركا سابقا بقنبلتين ذريتين، ولا اليابان تتحجج بهذا الماضي الأليم وتتوقف عنده لكي تبرر تخلفا ممكنا... بل أنها، حكومة وشعبا، بنت بلدها مجددا وجعلته من أقوى الاقتصادات العالمية ومن أكبر الدول المصنعة والمبتكرة عالميا.
سنغافورة التي كانت إلى حدود الخمسينيات دولة جد فقيرة، لتصبح، بفضل التعليم ومحاربة الفساد، دولة قوية متقدمة آمنة... لا يتآمر الغربيون ضدها حسدا أو خوفا منها.
الهند، التي أنهكها الاستعمار البريطاني وقسّمها فعليا. حتى هي، لا يتآمر الغرب ضدها.
وحدها مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يستهدفها الغرب الكافر ويتآمر ضدها. يستيقظ الرؤساء وتستيقظ الشعوب وهي مشغولة كيف تتآمر ضد المسلمين وتغضب مشاعرهم وتساهم في تخلفهم.
رجاء... متى سنتوقف عن هذه النرجسية المرضية وعن نظرية المؤامرة؟
ما الذي نملكه والذي يجعل العالم يتآمر ضدنا؟
معظم اقتصادات الدول المتطورة في أوروبا وآسيا اعتمدت على التعليم الجيد، البحث العلمي والتصنيع.
هل هناك بلد واحد في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط يصنف تعلميه ضمن أحسن بلدان في العالم، على مستوى التعليم؟
هل هناك بلد واحد في المنطقة يضاهي مستوى التصنيع فيه، الدولَ الآسيوية التي انطلق معظمها من الفقر والحرب؟ (الحديث هنا عن التصنيع، وليس عن اقتصادات استثنائية في المنطقة تطورت بفضل تطوير الخدمات). هل يوجد بلد واحد من المنطقة يملك مستوى تصنيعٍ ينافس ألمانيا أو اليابان؟
لماذا سيتآمرون ضدنا؟
بالفعل، للغرب مصالحه الاقتصادية والجيوسياسية التي يدافع عنها، وأحيانا بأحقر الطرق. لكن، علينا أيضا أن نمتلك شجاعة الاعتراف أن كل مشاكلنا، من تطرف وإرهاب وتخلف وفقر، هي أساسا ناتجة عن تراكمات داخلية، قد يستغلها الغرب... لكنَّ أصل الداء فينا.
حتى حديثنا عن "العلماء المسلمين" الذين أناروا الطريق للغرب، هو مجرد وهم نتعلق به لعلّنا نجد بعض نور في طريقنا.
هؤلاء العلماء، في معظمهم، تعرضوا للتكفير والاتهام بالزندقة وحتى القتل أحيانا من طرف مجايليهم أو حكام تلك الفترات. كذلك، فهم يشكلون حالات فردية منعزلة. عباقرة تميزوا في زمانهم كما تميز غاليلي في زمن كانت فيه الشعوب المسيحية متخلفة رافضة للعلم.
لكن، هل سمعنا يوما في تاريخ دول المنطقة، منذ خمسة عشر قرنا وإلى غاية اليوم، اللهم بعض الاستثناءات القليلة، عن مأسسة التعليم والبحث العلمي وتطوير الصناعة؟ هل هناك دولة اهتمت بالإنسان المواطن وصممت نظاما اجتماعيا يحارب الفقر والمهانة، خارج نظام الصدقة والإحسان؟
في زمننا الحالي، هل هناك دولة في المنطقة قررت مثلا أن هدفها، بعد عشرين سنة، هو التطوير الفعلي للصناعة، أو التطوير الجدي (وليس عبر الشعارات) للتعليم والبحث العلمي؟ كم هي ميزانيات دولنا في البحث العلمي؟
فكيف، بكل هذا، نتخيل أن الغرب يترك التعليم والصناعة وكورونا... ويتآمر ضدنا؟ ما الذي سيخيفه عندنا حتى يرغب في تدميرنا وتشويه صورتنا دونا عن العالم؟
حتى الإرهاب الذي نتبجح أنه صناعة غربية. حين ضربت الكعبة بالمنجنيق عقودا قليلة بعد وفاة الرسول، هل كان ذلك مؤامرة من الغرب؟ حين قتل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب باسم الإسلام، وهم خلفاء الرسول وأقرب أقربائه، هل كان ذلك مؤامرة من الغرب؟ تفاصيل قتل عثمان بن عفان والتمثيل بجثته ورفض دفنه في مقبرة إسلامية بحجة أنه كفر (وهذا كله موثق في أمهات الكتب السنية) وهو ثالث الخلفاء... كل هذا يفترض أن تجعلنا نستفيق من وهم مفاده أن الإرهاب كصناعة غربية.
نحتاج اليوم لأن نستفيق من أوهامنا المتعددة لكي نبني ولكي نطور مجتمعاتنا. نحتاج لأن نواجه ذواتنا بأشكال الخلل الساكنة فينا.
ما دمنا نصر أن الخلل في الآخر، فسنبقى نتخبط في أمراضنا إلى ما لا نهاية!
الحرة