رصيف22:
كرّس المؤرخون قدراً هائلاً من الجهد في التحقيق في الحروب الصليبية منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر، وعلى الرغم من الدراسات القيمة التي تناولتها، فإن الستار لم يرفع بعد عن العديد من جوانب الحملة الصليبية. ولعل أكثر هذه الجوانب إهمالاً هي البعثات التبشيرية لاعتناق المسيحية.
تكشف الحملتان الصليبيتان اللتان تم التخطيط لهما في عهد الملك الفرنسي لويس التاسع (الذي حكم من عام 1226 إلى 1270)، عن برنامجه لتبشير المسلمين واعتناقهم المسيحية. وبرغم اعتبار حملتي الملك لويس السادس عشر في عامي 1248-1254 و1270 من قبل معاصريه من المسيحيين، من أكثر الحملات الصليبية تخييباً للآمال، إلا أن برنامجه التبشيري جعلها جزءاً أساسياً من إرثه التاريخي.
في كتابه "قرة عينه: المرتدون من الإسلام في عهد لويس التاسع" (2019) يركز بروفيسور التاريخ في جامعة برنستون ويليام جوردان، على برنامج الملك لتبشير المسلمين بالمسيحية، لأن تبشير المسلمين (وإلى حد أقل، الوثنيين) كان من بين الأهداف الرئيسية لحملات لويس التاسع الصليبية في القرن الثالث عشر.
هذا الهدف هو جزء من مزاج عام راج في القرن الثالث عشر لتبشير المسلمين واليهود وتحويل العالم كله إلى المسيحية. وفي هذه الفترة، أُنشئت مدارس الأديرة للرهبان الدومينيكانيان والفرنسيسكان لتعليم الإخوة والأخوات اللغة العربية والعبرية، ليعظوا اليهود والمسلمين في أوروبا وخارجها دون الحاجة إلى مترجم، وليطلعوا على كتب العقيدة اليهودية والإسلامية بلغاتها الأصلية، حتى يتمكن الرهبان من التأثير في هؤلاء وإثبات تفوق المسيحية وجذبهم إليها.
المسيحية لنقاء العالم
لقد فهم الكاثوليك المعاصرون أن تبشير العالم بالمسيحية يعني الانتقال به إلى النقاء والخلاص، وإلى الحياة الأخلاقية. ولهذا كان مجلس لاتيران الرابع لعام 1215 عرضاً لاستخلاص عبرة من كتابات آباء الكنيسة القدامى، وخاصة البابا غريغوريوس الكبير، والتعاليم الحاكمة للباحث الباريسي من أواخر القرن الثاني عشر بيتر تشانتر ودائرته التي تصورت شرائعها تطهيراً شاملاً لأتباع الكاثوليكية وتجديداً للمؤسسة الدينية من قمتها إلى قاعدتها عبر إعادة التأكيد على الرعاية البابوية التي يقوم بها جيش مجازي من الأساقفة النشطين.
قبل وقت طويل من مجلس لاتيران الرابع، ربط البابا إنوسنت الثالث رؤيته لإصلاح العالم بالحملات الصليبية، ومثله مثل العديد من المسيحيين في أوربا، رغب لويس التاسع أن يكون جزءاً من هذه الحروب المقدسة.
وبالعموم، فإن السياسات التي وضعها لويس التاسع لتشجيع اعتناق المسيحية تضمنت شروطاً حادة وصارمة- لا سيما تلك التي تستهدف هؤلاء الذين انحرفوا عن تعاليم المسيح من المسيحيين، ومن عرفوا بسيئي السمعة، وفقاً للفكر الأخلاقي السائد في العصور الوسطى، كالبغايا والمرابين، إضافة لليهود. فكان شرط الملك لعقد صلح مع تلك الفئات من المعتنقين الجدد للدين المسيحي هو التخلي الكامل عن المعتقدات والممارسات التي تصنفهم كـ"ساقطين أخلاقياً".
كان تحوّل المنحرفين عن تعاليم المسيح إلى كاثوليك مؤمنين، مهمة أساسية للسلطات الكنسية، وازدادت هذه الرغبة إلحاحاً في أواخر القرنين الثاني عشر والثالث عشر. يرجع ذلك إلى أن النخب الدينية ادعت أن البدعة كانت تنتشر منذ فترة طويلة وستستمر في ذلك ما لم يتم استخدام وسائل صارمة لوقف امتدادها، ولاستئصالها ككل.
لاحظ المتشددون الدينيون أن أولئك المتمسكين بعصيانهم لا يعرّضون خلاصهم للخطر فحسب، بل قد يضللون مسيحيين آخرين ويهددون فرصتهم في دخول الجنة. وفي حالات العصيان الشديد، لجأ رجال الدين إلى السلطات العلمانية للمساعدة. إذ لا يمكن لرجال الدين أن يفرضوا عقوبة الإعدام في مثل هذه الحالات لأن الكنيسة تكره إراقة الدم . وبدلاً من ذلك، "أراحوا" هؤلاء الزنادقة بإلقائهم في أيدي السلطات لإعدامهم، عادةً بالحرق.
أما بالنسبة للبغايا، فقد صاغ لويس التاسع سياسات الفصل الاجتماعي الجزئي قبل عام 1254، وطردهن إلى أطراف المدن وبعيدًا عن الطرق الرئيسية والأماكن المقدسة، وهددهن، وجرّم كل من أجّرهن مساكن قريبة من الأماكن المحظورة.
كما شكل اليهود المحور الرئيسي لحملة الملك المناهضة للربا بسبب بروزهم كمقرضين للطبقات الدنيا من العامة. قللت الحملة أرباحهم بشكل كبير، مما تسبب في انتشار الفقر بينهم. نظرًا لأن نشاط اليهود، بخلاف إقراض المال، اقتصر على إنتاج البضائع للسوق الصغيرة لشركائهم في العقيدة. وبناءً على أوامره، أرسل مسؤولوه مئات النسخ من التلمود للتدمير عن طريق الحرق، وكان المبرر احتواءه على فقرات بدت مهينة ليسوع ومريم العذراء وعلمت عقائد انحرفت عن تلك الموجودة في التوراة أو العهد القديم.
تشكل هذه الحملات ونتائجها موضوعاً هاماً في الأبحاث الأكاديمية؛ وقد درسها مؤرخون مثل روبرت مور في كتابه "أصول المعارضة الأوروبية" (1985)، الذي يتتبع من خلاله جذور رفض الكنيسة الغربية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، ويجادل بأن الانحراف عن تعاليم المسيحية لا يتعلق بالإيمان بقدر ارتباطه بالعالم المتغير في ذلك الوقت. وأيضاً، تناول المؤرخ مالكولم لامبرت في كتابه "الهرطقة في القرون الوسطى" (2002)، التاريخ الشامل للحركات الهرطقية الكبرى في العصور الوسطى.
تظهر أول لمحة عن أمل لويس التاسع في بدء مشروع شخصي لتبشير المسلمين إلى العقيدة الكاثوليكية خلال الفترة التي سبقت حملته الصليبية الأولى. ولكن عند مواجهة السؤال حول ما إذا كانت جهود لويس التاسع الإنجيلية بين المسلمين أدت بالفعل إلى اعتناقهم المسيحية، أو عن ماذا حل بهؤلاء المعمدين الجدد في الطائفة الكاثوليكية؟ فإن معظم المؤرخين يترددون في الإجابة؛ نظراً إلى محدودية الوثائق المتوفرة، وهذا ما حاول جوردان استنتاجه من خلال بحثه.
فانتازيا الفارس الغربي
يعود جوردان إلى السجلات التأريخية العربية، ككتاب المقريزي الذي دوّن بعد 150 عاماً من هذه الحملات، لينقل خطاباً يُفترض أن الملك الفرنسي قد أرسله للحاكم المسلم عشية معركة دمياط، يحلل من خلاله كيف تجسدت طموحات الملك لويس بتبشير المسلمين إلى المسيحية على شكل فانتازيا غربية للمجد والقوم. يقول نص الخطاب:
"ستدركون أنني رئيس المجتمع المسيحي. كما تعلمون أن سكان الأندلس من المسلمين يشيدون بنا ويقدمون لنا الهدايا، ونسوقهم أمامنا مثل قطيع من الماشية، نقتل الرجال، ونرمّل النساء، ونأسر بناتهم وأطفالهم، لقد قدمنا لكم دليلاً كافياً لقوتنا، ولن يمنعني شيء من مهاجمتك ومحاربتك على أرضك. إذا وقع هذا البلد في يدي، فسيكون هدية لي. وإذا انتصرت عليّ، لك أن تفعل بي ما تشاء. لقد أخبرتكم عن جحافلي، التي تملأ الجبال والسهول مثل حجارة الأرض، وستقف ضدك مثل سيف القدر. وها أنا أضعك على أهبة الاستعداد لمواجهتها".
يتطرق جوردان إلى آثار هذه الفانتازيا في المصطلح الذي ابتكره المؤرخ الفرنسي جوزيف بيدير، وهو chansons de croisade، أي "أغاني الحروب الصليبية" التي تم تأليفها خلال عهد لويس التاسع استعداداً لحملته الصليبية الأولى. تزخر هذه القطع الغنائية بتمجيد النجاحات المتوقعة للفتوحات المسيحية. ويجادل بأن هذه الأغاني استحوذت على المزاج السائد وأججت آمال المحاربين ومشاعر الملك نفسه عشية رحيلهم. فإذا صحّ هذا، فإنه يعني أن الرجال وضعوا هدف تبشير مسلمي "ما وراء البحار" نصب أعينهم قبل خوض الحرب.
أخذ هذا بعداً آخر حين أمر الملك قادة جيشه صراحة أن يتجنبوا قتل زوجات وأطفال أعدائهم، حيث يرى جوردان أن وراء سياسة ضبط النفس النسبي هذه، كانت هناك رغبتان: أراد الملك، أولاً، إظهار فضيلة المسيحيين، ولكن ليس لمجرد إثارة الإعجاب، فقد اعتبر هذه السياسة خطوة أولى في تبشير عائلات مسلمة بأكملها.
حدث شيء مشابه بعد غزو طليطلة في أواخر القرن الحادي عشر، وفي فالنسيا أيضاً كان ارتداد العدو المسلم عنصراً مهماً في عالم الفانتازيا للفارس الغربي. وبالنسبة للنساء سيطرت على الجنود رؤى حالمة اعتقدت أن الأميرات المسلمات سيصبحن بيضاوات بعد اعتناقهن المسيحية. كانت هذه الرؤية متأثرة بالتفاسير القائلة بأن ملكة سبأ، كما يرد في نشيد الأنشاد (1: 5)، فقدت لونها الأسمر بعد خروجها من الوثنية.
بعد انتصار أولي للحملة، بدأت القصص تتردد حول رغبة المسلمين باعتناق الكاثوليكية، حتى أن أحد الشهود روى أن مسلماً يسعى للمعمودية اقترب من الصليبيين المنتصرين، لينال سر المعمودية ثم التحق بالجيش الصليبي. كان من شأن هذا الحادث أن يعزز توقعات الصليبيين بأن المزيد من النجاحات في ساحة المعركة ستؤدي إلى اهتداء عدد أكبر للمسيحية.
أسر لويس التاسع بأيدي المسلمين
أدت جهود لويس التاسع في القرن الثالث عشر إلى نشر المسيحية بين عدد متواضع، ولكن جوهري، من المسلمين من شمال إفريقيا وعكا. كان بعضهم أسرى من حملة لويس التاسع الصليبية الأولى، ما يسمى بالحملة الصليبية السابعة من 1248-1254، والتي غزا فيها الملك دمياط في مصر وتم أسره واحتجازه من قبل الأيوبيين الذين طالبوا بفدية للإفراج عنه.
يشير المؤرشف والكاتب الفرنسي جاك ليفرون في مقاله "لويس التاسع: ملك فرنسا"، أن الجيش الفرنسي كان منهكاً، فقد حمل نهر النيل آلاف الجثث بعيداً عن مدينة المنصورة، وضرب الطاعون الناجين. فكان على الملك أن يصدر الأوامر بالتراجع المؤلم نحو دمياط. وقد جر لويس، المصاب بدوره، أذياله إلى الصف الخلفي لقوته المفككة. قام المصريون بمضايقة فلول جيشه واستولوا عليه أخيراً في 1250.
وبعد مفاوضات طويلة، يذكر ليفرون أنه تم إطلاق سراح الملك وباروناته الرئيسيين مقابل فدية كبيرة، ليعود لويس إلى زوجته في عكا. كان الصليبيون يفضّلون العودة إلى فرنسا، لكن الملك قرر البقاء في عكا بدلاً من ذلك. وفي غضون أربع سنوات، تمكن من تحويل الهزيمة العسكرية إلى نجاح دبلوماسي، فعقد تحالفات مفيدة، وقوّى المدن المسيحية في سوريا، ثم نصب نفسه في عاصمة مملكة القدس اللاتينية، كما يذكر جوردان.
وكان معتنقو المسيحية من سكان عكا، من أولئك الذين تم جذبهم بالهدايا الملكية الفخمة والوعود بالمزيد مستقبلاً، أو من العبيد الذين اشتراهم الملك، ووعدهم بالحرية والمكافآت المادية مقابل المعمودية. كما تذكر سجلات مؤرخ القرن الثاني عشر جيفري بوليو، التي يعود لها جوردان، أن لويس التاسع لم يشرف فقط على تبشير العديد من المسلمين أثناء إقامته في عكا، بل وعدهم بالدعم المالي وأعاد توطينهم في فرنسا.
وعلى الرغم من أن هذا الادعاء يبدو للوهلة الأولى موضع شك، إلا أن جوردان يؤكد على صحة ما نقله جيفري عن أن لويس التاسع فعلاً استمر في تقديم المال للمهاجرين الذين اعتنقوا المسيحية من أموال الملكية طوال حياتهم، مستدلاً على ذلك من خلال الحسابات المالية، والتي تُظهر النفقات الملكية للحفاظ على ولاء من تم تبشيرهم خارج فرنسا منذ عام 1253.
والعنوان الذي اختاره جوردان لكتابه، والذي استعاره من عبارة توراتية استخدمها مؤرخ القرن الثاني عشر، ويليام شارتر، ليصف اهتمام لويس التاسع بجميع رعاياه، يستخدمه جوردان كجزء رئيسي من فرضيته التي يقول فيها إن لويس لم يكتف بالتخطيط لتبشير هؤلاء الأشخاص، بل كفل أيضاً الدعم المالي والاجتماعي لهم بعد ذلك.
تشير السجلات الإدارية المحلية إلى أن معتنقي المسيحية كانوا متفرقين بين مدن وبلدات شمال فرنسا– ولكن وكلاء التاج في تلك المناطق كانوا يدفعون مبالغ منتظمة للسكن والملبس والمعاشات لـ "المسلمين الذين تحولوا إلى الإيمان المسيحي". وعلى أساس أعداد الأسر التي تحولت إلى الإسلام والمدرجة في السجلات، يقدر جوردان أن لويس التاسع أعاد توطين أكثر من ألف شخص تم تعميدهم من رجال ونساء وأطفال وتوطينهم في فرنسا. بعبارة أخرى، لم تكن هذه مجموعة مهملة بل نتيجة جهود مستمرة من الرعاية الملكية.
لقد تم البحث في سجلات عهد لويس التاسع سابقاً، وجوردان ليس أول من لاحظ دلائل على دخول أفراد في المعمودية في عهده. لكن الباحثين السابقين افترضوا أن الأشخاص المعنيين كانوا إما يهوداً فرنسيين تمت هدايتهم للدين المسيحي، بعد أن عانوا من ضغوط كبيرة لقبول المعمودية في ظل حكم لويس، أو، على أكثر تقدير، بعض اليتامى من أطفال المسلمين.
لكن ما يثبته جوردان بوضوح هو اعتناق مسلمين للمسيحية، ممن جاءوا من "وراء البحار"، وشملوا أناساً من جميع الأعمار. وبهذا لا يسلط الباحث الضوء على إنجازات عهد لويس التاسع للمعتقد الكاثوليكي، بل على هذه المجموعة من المعمدين الجدد في تاريخ فرنسا.
سجلات غير مؤرشفة
يتطلب إعادة بناء التجربة المعيشية للمهاجرين، كتكيفهم مع فصول الشتاء الشمالية وأنماط الحياة التي ربما احتفظوا بها برغم معاشاتهم التقاعدية الملكية، قدراً من الاستنتاج والخيال التاريخي يلجأ إليه جوردان، مع حرصه على التمييز بين الأدلة الوثائقية والاستقراء. ويشرح أسس الاستنتاجات التي يتوصل إليها، والتي لا يمكن تتبعها بوضوح في السجل الأرشيفي.
على سبيل المثال، يغوص الباحث في بعض الدقائق التاريخية في مقاربته لحياة المرتدين. كالقصة التي يوردها عن امرأة عزباء دخلت في المعمودية في عهد لويس تدعى مارغريت، كانت تعيش في مدينة تورز مع والدتها التي يقترح جوردان أنها كانت معاقة جسدياً أو عقلياً، لذلك كانت مارجريت تتقاضى معاشها ومعاش والدتها من الملك. وربما تزوجت مارجريت لاحقاً من شخص اعتنق المسيحية، وعمّد باسم مارتن.
كما يتحدث عن مسلم آخر اعتنق المسيحية، هو درو من باريس، تلقى عشرة جنيهات إسترلينية من الملك لحضور حفل زفافه، وهو مبلغ ضخم نسبياً، لأن معاشات المتعمدين، كما يشير جوردان، تراوحت بين ستة واثني عشر جنيهاً استرلينياً في السنة. فلماذا تم تفضيل درو بشكل خاص؟ يقدم جوردان الأدلة على أن درو أصبح أحد جباة الملك، واهتم بإيصال العطايا الملكية للمتعمدين الآخرين الذين يعيشون في منطقته، وبهذا يعرض الفرص التي كانت متاحة لمعتنقي المسيحية المحبوبين لدى الملك.
لكن الكتاب لا يعتمد على وثائق عائلية خاصة فقط. فهو يقدم وثائق دقيقة للغاية يعتمد فيها على علم الأحياء والتاريخ البيئي والبروتوغرافيا، من بين تخصصات أخرى، لملء الفجوات المرجعية.
واحدة من أكثر الآثار إثارة للفضول هي ما يذكره جوردان عن أن حال المتعمدين الذين وطنهم الملك لم تكن جيدة بالمطلق. فقد عانى بعض أبنائهم اقتصادياً، وندم بعضهم الآخر على ترك أوطانهم. ويشير بالوثائق إلى انخفاض عدد الأسر التي اعتنقت المسيحية، فستة منهم إما ماتوا أو فروا. ويرجح أنهم بفرارهم، إما كانوا يأملون العودة إلى الأراضي الإسلامية واستئناف حياتهم كمسلمين، أو ارتكبوا جرائم سعوا بسببها إلى الإفلات من العدالة.
سؤال الهوية
يبدو أن لويس التاسع بقي يحمل حلمه في التبشير حتى في حملته عام 1270 في مصر، والتي تسمى الحملة الصليبية الثامنة. غير أن العديد من الأسئلة التي تحوم حول الهوية الثقافية والدينية، وظروف الهجرة، والأهداف الأعم للحملة الصليبية والتبشير في العصور الوسطى، لا تزال لا تقدم إجابات عن أثر اختلاف اللهجات والثقافات داخل المملكة الفرنسية على اندماج المتعمدين الجدد مع الفرنسيين في القرن الثالث عشر.
وربما، كما يتكهن جوردان في خاتمته، أدى تفرق المسيحيين الجدد بين مختلف المدن والمناطق إلى إعاقة اندماجهم في المجتمع المسيحي، ما أدى إلى خيبة أمل بين المسلمين السابقين، فآثروا الفرار من فرنسا للوصول إلى مجتمع مسلم في مكان آخر وإعادة الاندماج فيه.
ومن ناحية أخرى، قد يكون تعثر الجهود الصليبية في أواخر القرن الثالث عشر، عندما كان غزو القدس هدفاً يتعذر تحقيقه، هو ما ساعد في تأجيج الحماسة للتبشير كوسيلة بديلة لبسط سيطرة العالم المسيحي.