ما هي مصلحة الأزهر في نشر مشاعر الغضب - مقالات
أحدث المقالات

ما هي مصلحة الأزهر في نشر مشاعر الغضب

ما هي مصلحة الأزهر في نشر مشاعر الغضب

د. عماد بوظو:

 

تأسست في فرنسا قبل نصف قرن صحيفة يسارية ساخرة اعتمدت على الرسوم الهزلية والكاريكاتيرية في انتقاد الطبقة السياسية والمؤسسات الدينية اليهودية والمسيحية بما فيها البابوية ولم تستثن من عبثها حتى الأنبياء. عندما انتشر إرهاب التطرف الإسلامي قبل عقدين مع جرائمه التي أوقعت آلاف الضحايا، كان من الطبيعي أن يرتبط الإسلام عند الكثيرين بالتفجيرات التي تستهدف قتل المدنيين، وبقطع الرؤوس وعقوبات متوحشة أخرى تنفذ أمام الحشود في الساحات العامة مثل الحرق والإغراق والرمي من أماكن مرتفعة والرجم يقوم بها رجال ملتحون، فانعكست هذه الممارسات في مواد هذه الصحيفة وظهر المسلم في رسومها على شكل رجل ملتحي يضع قنبلة في عمامته أو يقطع رأس إحدى ضحاياه وخلفه عدة نساء منقبات.

عدم احترام هذه المجلة لمعتقدات الآخرين عرّضها لعدة محاكمات، وقال "شارب" رئيس تحرير الصحيفة عام 2012 إن منظمات كاثوليكية رفعت 13 دعوى قضائية ضدها مقابل دعوى واحدة من أحد المسلمين. على ما يبدو أن المتطرّفين الإسلاميين وأفكارهم التي تهيمن على جزء لا بأس به من الشارع الإسلامي لا تعتقد أن القضاء الغربي سيحقّق لها هدفها، وبالتالي لا بد من انتقام حقيقي يشفي قلوب الإرهابيين، ولذلك تم استهداف صحيفة شارلي إيبدو ومتجر يبيع أطعمة يهودية عام 2015 في عملية إرهابية أدت إلى مقتل 17 شخصا بينهم شارب نفسه، وعندما بدأت محاكمة المتهمين في هذه الجريمة قبل أسابيع قامت الصحيفة بإعادة نشر الرسوم التي تسببت في مقتل صحفييها.

فكرّر تنظيم "القاعدة" تهديده لفرنسا واستنكر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزارة الخارجية التركية والمرشد الإيراني علي خامنئي إعادة نشر الرسوم، وبعض هذه الجهات تعتبرها مصر منظمات إرهابية فيما تتهم الباقين بأنهم يتلاعبون بمشاعر البسطاء عبر الاتجار بالدين، بينما كان موقف شيخ الأزهر أحمد الطيب كما يلي: "نبينا أغلى علينا من أنفسنا والإساءة لجنابه الأعظم ليست حرية رأي بل دعوة صريحة للكراهية والعنف... وهناك فرق بين الحق الإنساني في الحرية، والجريمة في حق الإنسانية باسم حماية الحريات".

وبهذا اعتبر شيخ الأزهر جريمة قتل الصحفيين مبرّرة لأنها لم تكن سوى استجابة لدعوة العنف التي صدرت من الصحيفة نفسها عندما نشرت تلك الرسوم، كما صنّف تلك الرسوم كجريمة وبالتالي أصبح من الواجب معاقبة مرتكبها، وفعلا أقدم بعد أيام شاب باكستاني بالتعاون مع آخرين على طعن اثنين من المشاة أمام المقر السابق للمجلة، وعلّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هذه الحوادث، بالقول إن الإسلام دين يمر بأزمة عميقة في جميع أنحاء العالم، ووعد بمكافحة نزعته لبناء مجتمع موازي منعزل عن المجتمع الفرنسي، فاستنكر الأزهر ما قاله ماكرون واتّهمه بالعنصرية.

وفي نفس الوقت قدّم أحد المحامين المصريين بلاغا للنائب العام للتحقيق مع المطربة أصالة نصري بسبب اقتباسها جزءا من حديث نبوي في أغنية قدمتها، وعلّق مجمّع البحوث الإسلامية في الأزهر "الاقتباس من الحديث النبوي ليصبح جزءا من أغنية أمر لا يليق بمقام النبوة ولا يجوز شرعا، وليعلم المسلمون أنهم مأمورون بتوقير النبي والبعد بأحاديثه الشريفة عن ساحات التسلية واللهو". وأوضح الأزهر بذلك أن رؤيته للفن لا تختلف عن رؤية تنظيمي "القاعدة" و"داعش". وفي ذات التوجه ينهمك الأزهر بالتعاون مع القضاء المصري في ملاحقة ملابس وتصرفات النساء والفتيات في مصر.

ترافق جو الغضب وخطاب الكراهية والحياة الجافة التي يروج لها الكثير من رجال الدين في مصر مع ارتفاع غير مسبوق في جرائم القتل، والتي كان كثير منها بالغ التوحش وغريبا عن الطبيعة المصرية، مثل أم تذبح أبناءها وأب يقتل طفلته الرضيعة ومعلّم يذبح زوجته وأولاده الأربعة، أو ابن يقتل أباه، في سلسلة متواصلة من الجرائم يصعب حصرها، وقال المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في مصر إن جرائم القتل الأسري تشكل من ربع إلى ثلث جرائم القتل، و92 في المئة منها بدافع العرض وسوء الظن والشائعات.

ورغم صعوبة معرفة النسب الحقيقية لارتفاع أعداد هذه الجرائم ولكن بيانات رسمية ذكرت في إحصائيات 2017 أن جرائم القتل العمد قد ارتفعت بنسبة 130 في المئة وجرائم السرقة بالإكراه ارتفعت بنسبة 350 في المئة، ووصل عدد المسجّلين خطر إلى 92 ألفا بارتفاع 52 في المئة. بدوره، أرجع الدكتور محمد عبد العاطي عميد إحدى كليات الأزهر ارتفاع هذه الجرائم إلى الفن الذي أصبح وسيلة للترويج للفواحش بالإثارة وانتشار العري، ولكن الفنون والأفلام في القرن الماضي كانت أكثر جرأة وانفتاحا وتحرّرا بما يتم عرضه اليوم ولم يكن هناك مثل هذه الجرائم.

بينما قال الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة إن سبب هذه الجرائم دخول ثقافات بدوية غريبة على مصر مثل الوهابية التي تؤيد انتهاك حقوق المرأة وسفك الدماء، بينما دول الخليج اليوم أكثر انفتاحا وأقل تطرّفا من مصر بكثير. أما حسن حجاج الأخصائي في مكافحة الإدمان، فاعتبر أن المخدرات والكحول هي سبب 69 في المئة من الجرائم، مع أن الكحول والمخدرات ليست مشكلة حديثة في مصر كما أنها نتيجة وليست سببا.

ولكن الأمر الأكيد الذي رافق انتشار التطرف هو انخفاض مستوى المعيشة وانتشار الفقر بشكل واسع خلال الفترة الأخيرة، وهناك دراسات عديدة أوضحت درجة انخفاض مستوى المعيشة عبر مقارنة القيمة الشرائية لراتب الموظف المصري أثناء عهد الملكيّة وحكم جمال عبد الناصر وفترة الثمانينيات مع الأيام الحالية والتي يظهر فيها الانحدار المستمر في مستوى المعيشة وغلاء الأسعار والخدمات، ويحاول الإعلام المصري وضع اللوم في ذلك على ارتفاع عدد السكان، ولكن خلال العقود الأخيرة ارتفع بشكل كبير مستوى دخل الفرد في الصين والهند وإندونيسيا، وهي دول كانت تشهد قبل بضعة عقود مجاعات سنوية تودي بحياة مئات الآلاف من سكانها.

وإندونيسيا هي أفضل وأقرب هذه الأمثلة لأنها قدمت بإسلامها المعتدل وفي إصرارها على الديمقراطية وفي نهضتها الاقتصادية النموذج المعاكس تماما للتجربة المصرية، فهي تحقق نمو ثابت بحدود خمسة في المئة سنويا ومستوى معيشة سكانها في ارتفاع مستمر ونسبة من يعيشون فيها تحت خط الفقر انخفض من قريب نصف السكان عام 2004 إلى 9.7 في المئة، ومتوسط دخل الفرد فيها بلغ 4136 دولار عام 2019، مع أن عدد سكان إندونيسيا وصل إلى 270 مليون، في حين ارتفعت نسبة الفقر في مصر إلى 32.5 في المئة، ويتم تبرير كبت الحريات في مصر بأن الأولوية حاليا هي تأمين حاجات الشعب الأساسية.

الأزهر مؤسسة إسلامية ليس لها طابع سياسي ومتزاوجة مع النظام السياسي المصري، ولكن خطاب الكراهية الذي تروّجه لا يخدم سوى تنظيمات الإسلام السياسي المعادية للأزهر ونظام الحكم والتي تجد في شباب الأزهر هدفا سهلا لدعايتها بعد أن مهّد لها الأزهر نفسه هذا الطريق في تخريج عشرات آلاف الشباب الغاضبين، وهذا ما لا يريده أحد.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث