تركيا ضد هولندا ـ صدام ثقافي - مقالات
أحدث المقالات

تركيا ضد هولندا ـ صدام ثقافي

تركيا ضد هولندا ـ صدام ثقافي

اريئيل بولشتاين

الصراع بين تركيا وهولندا يكشف التغيرات التي حدثت في الجانبين. فمن جهة تركيا اردوغان هي دولة تسير منذ عقدين في الاتجاه الذي يبرز هويتها الإسلامية واهدافها الامبريالية. في فترة قصيرة نسبيا نجح اردوغان في شطب إرث اتاتورك، وبدل الجمهورية العلمانية التي تؤيد الغرب، هو يريد قوة عظمى اقليمية بعيدة عن القيم الليبرالية سنوات ضوئية، تستمد الهامها من عهد السلاطين. صحيح أن اردوغان سيستمر في تسميته «رئيس» وستبقى العاصمة أنقرة، لكن باقي مميزات الدولة تذكر بالايام السابقة. سلطة شخص وحيد قوي يعتمد على الإسلام ويفرض مواقفه على مواطنيه وعلى الدول المحيطة، والآن على الدول البعيدة ايضا.
من جهة اخرى، هولندا التي اكتسبت خبرة في الديمقراطية الليبرالية والتعدد الثقافي المتطرف، وبدأت في ادراك أنه في ظل وجود خطر ما لا يمكن لهذه المواقف أن تساعد. أقلية إسلامية كبيرة تجذرت في بعض الدول الأوروبية، ليس فقط أنها لم تتبن قيم الغرب، بل هي لم تتردد في الدخول في صراع مع المحيط الذي تعيش فيه من اجل فرض نمط الحياة التي تم جلبه من الدول الإسلامية. والمسؤول عن ذلك هو التسامح الأوروبي، وهناك ايضا مسؤولون آخرون مثل السعودية وتركيا وإيران اللواتي ينبشن في مدن غرب اوروبا وتقوم بتمويل وتحريض وتوجيه المسلمين هناك. في ضواحي كثيرة في المدن الكبرى، فان السيطرة عمليا هي للأئمة الذين يعينون من قبل جهات خارجية وليس من قبل السلطات المحلية. والجديد هو استعداد الأوروبيين المحافظين لاستعادة السيادة على البيت.
السخرية هي أن حكومة هولندا وحكومة المانيا وحكومة سويسرا (وفي اعقابها ستكون دول من القارة القديمة) تتحدث بشكل مفاجيء عن أهمية السيادة وعن رفض محاولة الديكتاتور في أنقرة التدخل في شؤونها الداخلية. إن افعال الأوروبيين تجاه إسرائيل لا تختلف عن افعال اردوغان.
فهو يحاول التأثير على الحياة الداخلية في اوروبا ويقوم بتمويل تنظيمات وجاليات تتوافق مع قناعته، وهذا بالضبط ما يحاول أن يفعله الاتحاد الأوروبي لدينا. لدى اردوغان على الاقل يوجد مبرر، وهو يتعلق بمواطنين في تلك القارة. ولكن اوروبا تقوم بارسال الاذرع إلى إسرائيل وتتدخل في شؤونها لتغيير طريقة الانتخابات الديمقراطية لديها، دون أن يكون لهم أي مبرر، حتى لو ضعيف.
إن الازمة الحالية بين تركيا واوروبا ستهدأ بهذه الطريقة أو تلك، لكن حل الصدام الذي يلوح الآن بين الثقافتين غير موجود في الأفق. اضافة إلى ذلك، نقاط الاحتكاك ستزداد. اردوغان الذي سار حتى الآن إلى الأمام وداس جميع معارضين داخليا وخارجيا، لم يتعود على التراجع إلا أمام من هو مصمم أكثر منه. أما في اوروبا فانهم شبعوا من تنازلات الماضي التي زادت شهوة المهاجرين المسلمين في تغيير وجه القارة، وهم يطلبون استخدام السيادة. من هنا لن يكون هناك هدوء.

إسرائيل اليوم

القدس العربى

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث