في نيسان/ أبريل 2003، دخل وفد محامين من دارفور القصر الرئاسي السوداني في مهمة إنسانية عاجلة. أفزعت المذبحة المتزايدة للمدنيين المسلمين السود في دارفور القادة المدنيين، حيث وثقوا عشرات الهجمات العنيفة على القرى من قبل الميليشيات الحكومية، ودعوا بإلحاح الرئيس السوداني آنذاك، عمر البشير، لوقف الغارات الإجرامية. مئات الآلاف من أرواح السود كانت على المحك.
وبدلاً من مقابلة محاميي حقوق الإنسان شخصياً، قام البشير بتفويض كبير مساعديه، قطبي المهدي، للتعامل مع الأمر. عمل الرئيس السابق لجهاز المخابرات السوداني اللواء المهدي مستشاراً رئاسياً للشؤون السياسية. استمع المهدي للمناشدات الحماسية من مبعوثي دارفور لمنع حدوث إبادة جماعية، ثم لم يفعل شيئاً. كما وتشير رواية هيومن رايتس ووتش للاجتماع بشكل جاف: "لم تكن هناك متابعة لتوصياتهم إلى الرئيس". 300 ألف مسلم أسود سيُقتلون قريباً و2.5 مليون آخرين سيصبحون لاجئين في إبادة جماعية حديثة.
ما لم يدركه المحامون الدارفوريون على الأرجح، هو أن المهدي لم يكن فقط عاملاً مساعداً في مجازر شعبهم، ولكنه عمل أيضاً كزعيم سابق لمنظمة إسلامية بارزة في أمريكا: الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA). يكشف انتقال المهدي من رئيس للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية إلى مستشار رئاسي سوداني، كيف استخدم الإسلاميون المؤسسات الأمريكية الإسلامية لأجندتهم السياسية في الخارج ولتعزيز العنصرية النظامية. وبذلك، أصبح المدنيون الأبرياء، مثل النساء والأطفال في دارفور، أضراراً جانبية منسية.
بينما اجتمعت ISNA في مؤتمرها السنوي في الخامس من أيلول/ سبتمبر الحالي، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المنظمة ستواجه أخيراً ماضيها السام في ظل الروح التي أطلقها شعار "حياة السود مهمة".
التحريض على ميادين القتل في دارفور
"لن نسمح بوجود السود هنا... هذه الأرض للعرب فقط!"
أفاد نيكولاس كريستوف، الصحفي في نيويورك تايمز، بهذا الاقتباس المخيف، في تحقيق حزيران/ يونيو 2004 بعنوان: "هل نجرؤ على تسميتها إبادة جماعية؟". أثناء التحقيق على الأرض بالقرب من دارفور، استدل بشهادة اللاجئة، مجبولة محمد خطار، البالغة من العمر 24 عاماً، والتي تروي كيف داهمت القوات السودانية قريتها أثناء صلاة الفجر. وبينما كان الجنود يرددون شعارات عنصرية، أطلقوا النار على والديها. وفي الوقت الذي فرت خطار مع أطفالها إلى الغابة، قام المغيرون بإحراق مدرسة القرية والمسجد بالكامل.
التقى كريستوف أرملة أخرى، زهرة عبد الكريم، التي وصفت كيف قام جنود سودانيون بنزع نجلها رشيد البالغ من العمر 4 سنوات من بين ذراعيها وقطعوا رقبته، ثم اغتصبها الرجال بشكل جماعي هي وشقيقاتها. أحد مهاجميها قام بجرح ساقها بسيفه وقال لها: "أنتِ لي، أنتم عبيد للعرب وهذه علامة العبد".
وأثناء تنفيذ هذه الفظائع، جلس قطبي المهدي في القصر الرئاسي بالسودان، كمسؤول حكومي كبير يبيّض صورة القتل الجماعي الذي يحدث في دارفور أمام الصحفيين الدوليين. عندما دمرت قوات النظام أكثر من 180 قرية للسود وأجبرت 18000 لاجئ أسود على الخروج، أخبر المهدي وكالة أسوشيتيد برس ببساطة، أن متمردي دارفور عانوا "الكثير من الخسائر". عندما كشف مشروع جورج كلوني للأقمار الصناعية عن أدلة على مقابر جماعية مدنية حفرتها القوات السودانية، أفادت بي بي سي أن النظام نفى وقوع أي مذابح، وأن المهدي بنفسه هدد بطرد وكالات الإغاثة الإنسانية الدولية رداً على ذلك.
وكان المهدي قد شغل في السابق منصب رئيس جهاز المخابرات السودانية الداخلية ثم الخارجية، قبل دمج الجهازين تحت قيادته. بسبب عمله الدؤوب الوحشي في سحق أي معارضة للنظام، حصل المهدي - على الرغم من كونه مدنياً - على رتبة جنرال. ومع استمرار القوات السودانية في الإبادة الجماعية في دارفور، احتفظ بهذا اللقب لنقله الدعاية إلى المراسلين الأجانب وقمعه المنشقين الداخليين.
في الثلاثين من أيار/ مايو 2010، استقلت ثلاث ناشطات في مجال حقوق المرأة السودانية، طائرة من الخرطوم في طريقها إلى أوغندا لحضور مؤتمر "المبادرات النسائية من أجل عدالة النوع الاجتماعية"، الذي نظمته المحكمة الجنائية الدولية (ICC). دون شك، وقلقاً من الإجراءات التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة النظام السوداني تجاه الإبادة الجماعية، أعلن المهدي أن مشاركة تلكم النساء كانت "استفزازاً لمشاعر السودانيين وتجاهلاً لاحترامهم لذاتهم وكرامتهم واعتزازهم بسيادتهم الوطنية". قبل أن تغادر الرحلة أرض المطار، اقتحم ضباط من جهاز الأمن الوطني السوداني الطائرة وأبعدوا النساء بالقوة.
قبل قرابة عقدين من الإبادة الجماعية في دارفور، تضمنت طبعة تشرين ثاني/ نوفمبر 1985 من نشرة ISNA الإخبارية الإسلامية، رسالة تهنئة غير عادية من المنظمة إلى رئيس وزراء السودان الجديد
قيادة منظمة مدنية إسلامية بارزة في أمريكا
قبل قرابة عقدين من الإبادة الجماعية في دارفور، تضمنت طبعة تشرين ثاني/ نوفمبر 1985 من نشرة ISNA الإخبارية الإسلامية، رسالة تهنئة غير عادية من المنظمة إلى رئيس وزراء السودان الجديد:
إن الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية تهنئكم والمجلس على نجاح السودان حكومة وشعباً في إرساء حكم الشريعة الإسلامية في السودان، وبالتالي تقديم نموذج للعالم الإسلامي. نحن نتابع باهتمام كبير الأسلمة الناتجة عن النظام الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. كمسلمين يعيشون في الولايات المتحدة وكندا، فقد تأكد لنا ونحن على ثقة من أن الوضع في أيد أمينة. نحن على ثقة من أن حكومة السودان ستتغلب على جميع الصعوبات ولن تتراجع أبداً عن التقدم الذي أحرزته في إرساء حكم الشريعة الإسلامية في السودان.
ووقّع الخطاب رئيس الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية "جُطبي المهدي أحمد". (العديد من الاختلافات في اسمه تشمل جُطبي، قطبي، مهدي والمهدي). كان المتحدث باسم ملايين المسلمين الأمريكيين هو نفس الرجل الذي سيشجع يوماً ما على ارتكاب إبادة جماعية.
يكشف تتبع خطى المهدي من السودان إلى أمريكا والعودة، عن المسار الذي سلكه العديد من الإسلاميين من العالم العربي في السبعينيات. وكما يلاحظ البروفيسور ستيف أ. جونسون، فإن قيادة الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية تقع "بشكل أساسي في أيدي الأفراد ذوي الخلفيات الحركية الإسلامية، أي الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، والذين كانوا عموماً أكثر اهتماماً بالحركات الإسلامية في البلدان التي هاجروا منها". وبشكل أكثر تحديداً، يشير جونسون إلى أن المجموعة الأولية لـ ISNA، رابطة الطلاب المسلمين (MSA)، "غالباً ما كانت جهداً تعاونياً لأعضاء الإخوان من مصر، العراق، سوريا والسودان".
كشف المهدي، الذي أعلن نفسه "داعماً مدى الحياة وعضواً" في الحركة السياسية الإسلامية في السودان، في مقابلة مع تليفزيون أم درمان، أن والده كان من أنصار الإخوان المسلمين. درس المهدي القانون في جامعة الخرطوم، حيث كان من قيادات الجبهة الإسلامية في الحرم الجامعي واعتقل بتهمة التحريض السياسي. فر إلى المنفى في عام 1968 واستقر في نهاية المطاف في مونتريال، حيث حصل على درجات علمية متقدمة في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة ماكجيل. بمرور الوقت، حصل على الجنسية الكندية ودمج الجالية المسلمة في كيبيك كرئيس مؤسس لها.
في ماكجيل، عمل المهدي كقائد في رابطة الطلاب المسلمين بالحرم الجامعي MSA. خدم زميله السوداني، المنفي ربيع أحمد، كرئيس لاتحاد الطلاب المسلمين في أمريكا الشمالية، وهو الدور الذي كان يشغله سابقاً إسلامي سوداني آخر، التيجاني أبو جديري، رئيس اتحاد الطلاب المسلمين في 1972-1973. عندما توفي أبو جديري في حادث سيارة عام 1984، نشرت مجلة آفاق إسلامية نعياً أشارت فيه إلى أن رئيس اتحاد الطلاب المسلمين السابق "استجاب سريعاً لدعوة من الحركة الإسلامية في السودان وغادر الولايات المتحدة في عام 1978. كعضو بارز في البرلمان السوداني، شغل أيضاً منصب مدير الشؤون الخارجية للحركة".
مثل أبو جديري، نجح المهدي في الاستفادة من منصة MSA-ISNA في أمريكا الشمالية للارتقاء بملفه السياسي. أشارت نسخة نيسان/ أبريل 1978 من مجلة آفاق إسلامية، التابعة لاتحاد الطلاب المسلمين، إلى أن المهدي ساعد في تنظيم مهرجان تورنتو للشباب للمراهقين جنباً إلى جنب مع زعيم الإخوان المسلمين البارز، جمال بدوي. من المحتمل أن يكون المهدي قد حضر مؤتمر اتحاد الطلاب المسلمين السنوي لعام 1981 في جامعة إنديانا، حيث كان بدوي هو المتحدث الرئيسي إلى جانب محمد قطب، الأخ الشاب لقدوة جماعة الإخوان المسلمين، سيد قطب. في المؤتمر، صوَّت المندوبون لإنشاء منظمة شاملة تسمى الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، لتلبية احتياجات مجتمع متزايد من البالغين الذين لم يعودوا طلاباً.
في عام 1982، كان المهدي متحدثاً في مؤتمر اتحاد الطلاب المسلمين الصيفي بكندا في جامعة ماكماستر، مرة أخرى إلى جانب بدوي. وبحسب تقرير عن المؤتمر نشر في آفاق إسلامية، ألقى بدوي محاضرة لقادة الشباب حول كيفية التزام الزوجات بـ "طاعة أزواجهن". نصح المهدي ورفيقه السوداني ربيع أحمد الآباء بضرورة مساعدة أطفالهم على "مقاومة إغراءات التوافق والاندماج".
مختبر أمريكا الشمالية للنشاط الإسلامي العالمي
استضاف المؤتمر السنوي لـ ISNA عام 1982 متحدثاً رئيسياً غير عادي: الدكتور حسن الترابي، عراب جماعة الإخوان المسلمين السودانية. نشرت مجلة آفاق إسلامية عنوان حديث الترابي بأن "الدولة الإسلامية بديل للقمع". مخاطباً مئات المسلمين الأمريكيين، ناقش الترابي، خريج القانون الدستوري من جامعة السوربون، أن "الحركات الإسلامية يجب أن تتصرف في البداية بطريقة إيجابية مع النظام الحالي" و"فقط كملاذ أخير يجب إعلان الجهاد. ومع ذلك، بمجرد إصدار هذه الدعوة، لا ينبغي ادخار أي جهد لتثقيف الجماهير في دينهم ومبادئه، لكي يعرفوا بالضبط لماذا وماذا يقاتلون".
في عام 1984، قدم المهدي - نائب رئيس ISNA آنذاك - الترحيب الافتتاحي في المؤتمر السنوي للمجموعة. تنحى زميله السوداني المنفي ربيع أحمد عن منصبه كأمين عام لـ ISNA للعودة إلى السودان، ولكن ليس قبل إرسال تهنئة ISNA الرسمية إلى الحكومة السودانية لإقرار الشريعة الإسلامية. قاد هذا الاختراق وزير العدل السوداني الجديد، حسن الترابي، كجزء من التحالف مع الديكتاتور السوداني آنذاك، جعفر النميري، الذي أراد تأمين دعم الجبهة الإسلامية.
كوزير للعدل في ظل نظام جعفر النميري، كان الترابي ينفذ بجدية خطة إقامة الدولة الإسلامية التي حددها في خطابه في مؤتمر الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. في استعراض للقوة في يناير من عام 1985، اعتقل الترابي مفكر الإصلاح الديني البارز، محمود محمد طه، البالغ من العمر 76 عاماً، لتوزيعه منشورات تعارض الشريعة. في غضون أيام، تم إعدام طه شنقاً بتهمة الردة.
سرعان ما عاد الترابي إلى المؤتمر السنوي لـ ISNA في إنديانا بوليس كضيف شرف. رحب به المهدي، الذي يشغل الآن منصب رئيس ISNA، في الافتتاح الرسمي للمؤتمر. في ضوء إعدام طه، اتخذت رسالة المهدي في نوفمبر 1985 نيابة عن ISNA إلى قادة السودان، لهجة أكثر أيديولوجية، حيث أشادت بهم "لتأسيسهم حكم الشريعة الإسلامية في السودان وبالتالي تقديم مثال للعالم الإسلامي". تحت قيادة المهدي، أصبحت ISNA دعماً أيديولوجياً علنياً للنظام الإسلامي في السودان، حيث شجعت سياساته القمعية وكانت بمثابة منصة انطلاق لطليعته الأيديولوجية.
يبدو أن الإسلاميين غير السودانيين داخل ISNA يشعرون بالغيرة، كما يلاحظ البروفيسور جونسون: "ظهرت الانقسامات بين فصائل الإخوان التي تشكل ISNA خلال انتخابات 1986. حاول السودانيون حشد عدة مجموعات، بما في ذلك المسلمون الأمريكيون، خلف قطبي المهدي، لكنهم انتظروا طويلاً في الوقت الذي أطلق فيه الفصيل الآخر من الإخوان بالفعل حملة عبر الهاتف والرسائل لإعلام أعضاء الإخوان المسلمين بكيفية التصويت"، كما صرح الأستاذ جونسون خلال تواصله مع رصيف22.
مع التصويت على خروج المهدي من منصبه، فقد سودانيون آخرون السلطة داخل التنظيم على الفور. يقرر جونسون: "محمد نور، الذي ورد أنه عضو في الجبهة الوطنية الإسلامية (INF) في السودان تحت حكم حسن الترابي، تم استبداله كرئيس للجنة الفقهية في ISNA. عبد العزيز عبد العزيز، الذي يُزعم أيضاً أنه عضو في القوات المسلحة، تم إعفاؤه من مسؤولياته في مقر ISNA".
لم يعد المهدي من أفضل الشخصيات في ISNA، فقد أصبح مديراً لرابطة العالم الإسلامي في أمريكا الشمالية، أدار مكتب المنظمة في الأمم المتحدة في نيويورك، وقدَّم دراسات أكاديمية عن الجالية المسلمة الأمريكية. في فصل له تعاون فيه مع مطبعة جامعة أكسفورد حول "المسلمين في أمريكا"، انتقد المهدي الموجات المبكرة من المهاجرين المسلمين إلى أمريكا على اندماجهم، وعلى النقيض أشاد بجماعات مثل MSA و ISNA الذين كانوا "ينظرون إلى الإسلام على أنه أيديولوجية، طريقة حياة ورسالة، ولم تكن المنظمة بالنسبة إليهم مجرد طريقة لخدمة المجتمع، ولكنها كانت وسيلة لخلق مجتمع مثالي لخدمة الإسلام. الفرق الحقيقي الذي أحدثته ISNA في طبيعة العمل الإسلامي هو افتراض بنية أيديولوجية راسخة والتزام إسلامي".
العنصرية كأداة يستخدمها إسلاميون سودانيون
سرعان ما تغير كل شيء بالنسبة للمهدي، حيث صعد الترابي وجبهته الإسلامية إلى السلطة في السودان، بعد انقلاب 1989 الذي أطلق عليه اسم "حكومة الإنقاذ". بدأ الترسيخ المتزايد لنظام إسلامي في السودان بقيادة الترابي، معلم المهدي، في جعل وطنه يبدو أكثر إغراء من أمريكا الشمالية. يتذكر المهدي في مقابلة تلفزيونية ليشرح كيف عاد من المنفى قائلًا: "كنت في الخرطوم بالصدفة، ودعاني الدكتور الترابي إلى اجتماع في مجلس الشورى".
كما قاد الترابي إنشاء دولة بوليسية وقوات ميليشية مؤلفة حصرياً من أعضاء الجبهة الإسلامية لسحق أي معارضة شعبية وإقامة تفوق أيديولوجي للجبهة الإسلامية، كان لهذه العملية اسم "التمكين" أو التوحيد. انضم المهدي إلى النظام الحاكم، حيث خدم في البداية كسفير في إيران، واستوعب رؤى حول كيفية دعم نظام الملالي لحكمه عبر الميليشيات الإسلامية الموالية. عاد بعدها إلى الخرطوم ليعزز سيطرته كرئيس لقوى الأمن الداخلية والخارجية، بما في ذلك الإشراف على ضيف من كبار الشخصيات للنظام السوداني: زعيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي كان مقره في السودان من 1991 إلى 1996.
الآن رسمياً "اللواء المهدي" بحكم منصبه على رأس جهاز المخابرات السوداني القوي، ساعد رئيس ISNA السابق في تأمين دولة بوليسية كاملة، حيث تم احتجاز السجناء وتعذيبهم في سجن سري يدعى "بيوت الأشباح"، وكان آلاف المدنيين قد تم تجنيدهم قسراً باسم الجهاد للقتال في جنوب السودان ومنطقة جبال النوبة. استمر عنف النظام على هذا المنوال، حيث أنه بحلول عام 1998 قُدِّر أن أكثر من 1.9 مليون شخص ماتوا في الحرب المستمرة في الجنوب.
كرئيس لجهاز المخابرات المسؤول عن سحق المعارضة، لم يستطع المهدي أن ينأى بنفسه عن فظائع السودان. في عام 1998 ذكرت صحيفة ناشيونال بوست أن المهدي خضع للتحقيق من قبل وحدة الهجرة الكندية وجرائم الحرب الكندية، لدوره في الفظائع التي ارتكبها النظام. في ذلك الوقت، تصدرت قوات النظام السوداني عناوين الصحف لشن غاراتها الوحشية على القرى في جنوب السودان، وذلك لصد تمرد القبائل المسيحية والوثنية، وكذلك لتطهير الأرض للتنقيب عن النفط.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ المسلمون السود في دارفور في التحريض ضد التهميش الذي يمارسه النظام منذ فترة طويلة لمنطقتهم، في الوقت الذي استند نظام الجبهة الإسلامية في السودان ظاهرياً إلى روابط "الأخوة" التي توحد المسلمين، كافح مشروعهم الأيديولوجي الشمولي لمراعاة التنوع في السودان. أي شخص نُظر إليه على أنه عقبة أمام تحققه - حتى رفقاءه المسلمين - اعتُبر متوسعاً. باستحضار التعصب العنصري المنهجي في المجتمع السوداني، تم تعبئة رجال الميليشيات لمهاجمة قرى دارفور. وقد ساعدت الدونية المفترضة لغير العرب في السودان على تبرير سبب عودة سكان دارفور "المتعصبين" إلى مكانهم. ومن هنا جاءت هتافات الميليشيات التي نقلها نيكولاس كريستوف: "لن نسمح بوجود السود هنا.. هذه الأرض للعرب فقط!".
المفارقة المأساوية هي أن الجبهة الإسلامية السودانية كان لديها ذات يوم العديد من الدارفوريين في صفوفها، الذين أدركوا في نهاية المطاف أن الخطاب حول المساواة والأخوة كان سطحياً. في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، رشحت الجبهة الإسلامية القومية الإسلامية مواطناً دارفورياً اسمه داود بولاد، ليكون رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم، وهو أول شخص غير عربي يشغل هذا المنصب. لكن سرعان ما أدرك بولاد أن طريقه إلى القيادة الوطنية محصور داخل جماعة الإخوان المسلمين بسبب التحيز العنصري، ملاحظاً: "حتى عندما أذهب إلى المسجد للصلاة، حتى هناك في حضرة الله، بالنسبة لهم ما زلت عبداً وسيخصصون لي مكاناً متعلقاً بعِرقي".
لقد استغل المهدي والعصبة الحاكمة في السودان مثل هذا التعصب المتأصل لتحقيق نتائج مريعة. القمع الوحشي لمئات الآلاف من سكان دارفور السود - بما في ذلك الاغتصاب الجماعي - لم يكن ممكناً لولا تحريضهم وتشجيعهم.
قادة الحرس القديم في ISNA يحبون "التماثيل الكونفدرالية"
بفضل تقرير نيكولاس كريستوف جزئياً، أصبحت الإبادة الجماعية في دارفور سبباً رئيسياً في تجمع حاشد في أمريكا من أجل دارفور عام 2006 في ناشيونال مول في العاصمة واشنطن، حيث تحدث السناتور باراك أوباما إلى جانب جورج كلوني، وهتف حشد من الآلاف "ليس أمام أعيننا!". شكلت الحركة المتنامية لوقف الإبادة الجماعية في دارفور معضلةً لـ ISNA، التي كانت منذ سنوات تشجع الجبهة الإسلامية الوطنية في السودان. لم يكن الصمت خياراً.
لكن بدلاً من التنصل من تشجيعهم السابق للنظام السوداني، عرض قادة ISNA المساعدة في "التوسط" في الصراع. حيث أصدروا بياناً مشتركاً حول دارفور إلى جانب مجموعات بارزة، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) ومجلس الشئون العامة الإسلامية (MPAC). لم يتطرق البيان المُصاغ بعناية بشكل مباشر إلى العنصرية ضد المسلمين السود من قبل النظام، وبدلاً من ذلك وازن بين الانتقادات لأفعال الحكومة ومتمردي دارفور. وأشار إلى أن النتيجة الرسمية للحكومة الأمريكية بشأن "الإبادة الجماعية" محل خلاف وحذر من "تسييس" نزاع دارفور. مع محاولة رئيسهم السابق قطبي المهدي مغازلة الصحفيين في الخرطوم، بذل قادة ISNA في الولايات المتحدة قصارى جهدهم للمساعدة دون الإضرار بسمعتهم في أمريكا.
العديد من كبار قادة ISNA اليوم هم نفس القادة الذين أداروا المنظمة في الثمانينيات إلى جانب قطبي المهدي: سيد م. سعيد، الرئيس السابق لاتحاد الطلاب المسلمين وعضو مجلس إدارة مؤسسة ISNA، هو الرئيس الحالي لـ ISNA. أحد مؤسسي ISNA والرئيس السابق، مزمل صديقي، هو رئيس مجلس الفقه التابع لـ ISNA. المؤسس المشارك الثالث، إقبال أونوس، الذي شغل منصب الأمين العام لـ ISNA عندما شغل المهدي منصب الرئيس، لا يزال يعمل في مجلس إدارة ISNA. تواصلت رصيف22 مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، لكنها لم تتلق رداً.
بعد أربعة عقود، لا يزال شركاء المهدي القدامى يديرون العرض في ISNA. جيل مؤسس تشكل من خلال أجندة إسلامية دولية، يرفضون التخلي عن السلطة أو تحمل المسؤولية عن أخطاء ليس أقلها مناصرة نظام الإبادة الجماعية في السودان. من المؤكد أن استمرار سيطرتهم هو بمثابة هدية لأنصار الإسلاموفوبيا، الذين يسعدون بكشف علاقات قادة المجتمع المسلم بالتطرف.
ولكن في عصر "حياة السود مهمة"، يبدو استمرار قبضتهم على وكالة أنباء الطلاب المسلمين أكثر ضرراً، لأن أي ارتباط بالعنصرية ضد السود يعتبر شديد السمية للقادة المسلمين. أشار تقرير حديث لـ NBC News حول العنصرية داخل المجتمع المسلم إلى أن "مجلس الإدارة المنتخب الحالي المكون من 10 مديرين، لا يضم أميركيين من أصل أفريقي". العديد منهم هم نفس الحرس القديم منذ 40 عاماً، مثل تماثيل قادة الكونفدرالية: ما زالوا على قيد الحياة وما زالوا مسيطرين.
التمييز العنصري أعمق من مجرد الحكم في ISNA. هند مكي، وهي متحدثة أمريكية مسلمة بارزة، أصولها من السودان، أخبرت وكالة أسوشيتيد برس مؤخراً أنها عندما كانت طالبة شابة، كانت تصرخ في آخرين في المدرسة الإسلامية التي التحقت بها، حيث استخدم بعضهم كلمة "عبيد" للإشارة إلى السود.
تجتمع ISNA في مؤتمرها السنوي في الخامس من سبتمبر، تحت عنوان "النضال من أجل العدالة الاجتماعية والعرقية". لكن بينما انتفض الشعب السوداني في نهاية المطاف العام الماضي للتخلص من نظام الجبهة الإسلامية الوطنية عبر الاحتجاجات السلمية، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان أعضاء ISNA سيقضون أخيراً على القادة الملوثين، الرجال الذين تربطهم صلات مباشرة بعنصريي الإبادة الجماعية، أم لا؟
قد يكون قد فات الوقت لإنقاذ مئات الآلاف من سكان دارفور السود المدفونين في مقابر جماعية. لكن الوقت لم يفُت بعد لمساءلة المهدي وحلفائه المسلمين الأمريكيين عن مسؤوليتهم في حدوث ذلك.
رصيف 22