تستخدم الصين أبناء الأقليات المسلمة المحتجزين في معسكرات اعتقال كبنك للأعضاء. تنتزع منهم بالقوة أعضاء تصفهم بـ’الحلال’ لتبيعها بسعر الذهب في دول الخليج".
هذه خلاصة تقرير أعدّته الصحافية الفرنسية جوستين ريكس، ونشرته شبكة "فايس" الأمريكية في 19 حزيران/ يونيو، على موقعها باللغة الفرنسية. يجري ذلك في وقت يتهم ناشطون أويغور دول الخليج بتجنّب انتقاد سياسة بكين للحصول على هذه الأعضاء.
نزع الأعضاء
ليس من الجيّد أن تكون صينياً من عرق آخر غير "الهان" الذي يمثل أغلبية السكان في الصين، تقول ريكس، وإلا ستكون مضطهداً، خاصةً إذا كنت مسلماً أو كاثوليكياً أو من أقلية أبناء التيبت أو من أتباع عقيدة "فالون غونغ" الروحانية التي يؤمن أتباعها بالرحمة والصبر، بما يخالف عقائد الحزب الشيوعي الحاكم.
عام 2014، شُيّدت معسكرات اعتقال في مقاطعة شينجيانغ التي تحظى بحكم ذاتي، وتقع في شمال غرب الصين. وكان الهدف منها حبس مئات الآلاف من مسلمي أقليات الأويغور والقيرغيز والهوي والقازاق (الكازاخ). والهدف: القضاء على خصوصياتهم الثقافية بالقوة.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن مليوناً من الأويغور محتجزون حالياً بدون محاكمة.
وإضافة إلى فرض العمل قسراً عليهم في معسكرات الاعتقال، تُنتزع أعضاء منهم بهدف بيعها.
وبعد إنكار الصين وجود هذه المعسكرات لفترة طويلة، اعترفت بها رسمياً في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 تحت اسم "معسكرات الإصلاح من خلال التعليم".
وأشارت ريكس إلى أن بعض المعتقلين في هذه المعسكرات لم يتركوها أبداً، وأرجعت ذلك إلى أن العديد من المحققين عرفوا أن سبب اختفائهم بسيط: "قُتلوا للحصول على أعضائهم".
منذ عام 2016، أطلقت الحكومة الصينية حملة فحوصات طبية شاملة في منطقة شينجيانغ، وكانت الاختبارات إلزامية فقط للسكان الذين ينتمون إلى أقلية الأويغور والذين تتراوح أعمارهم بين 12 و65 عاماً. وتتضمن الاختبارات، أخذ عينة من دمهم وأحياناً إجراء فحوصات عبر "الموجات فوق الصوتية".
وتذكر ريكس أن كثيرين ليس لديهم شك في أن هذه الاختبارات هدفها جمع قاعدة بيانات للذين يمكن أخذ أعضائهم في المستقبل.
وتشير إلى شهادة الصحافي الاستقصائي الأمريكي إيثان غوتمان الذي عمل لعدة سنوات على رصد قضية انتزاع الأعضاء في الصين، وتوصّل إلى أنه من الواضح أن الصين تجمع بيانات طبية لأبناء الأقليات من خلال هذه الفحوصات الطبية.
وقال: "جميع الناجين من المخيمات الذين تمكنت من مقابلتهم، سواء كانوا من الأويغور أو القازاق أو القيرغيز أو الهوي، كانت تؤخد عينات دم منهم كل شهر".
وأضاف أنه لا يمكن القول إن هذه العيّنات تؤخذ لغرض تجنب الأمراض المعدية أو لهدف إيجابي، لأن الصينيين "الهان" الذين يمثلون أكثر من نصف السكان في "شينجيانغ" لم تجرِ عليهم اختبارات، مستنتجاً أن الغرض مما يجري، ويسمح بمعرفة فئات دم المفحوصين وحالة أعضائهم، هو تحديد الأشخاص الذين ستُنتزع أعضاؤهم.
وقال الصحافي الأمريكي إن 25 ألفاً من الأويغور تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاماً يُقتلون كل عام لأخذ أعضائهم.
وكشف أن المصادر تؤكد أن الجثث تُحرق لتجنب أي دليل يدين السلطة، وإلى أن الأخيرة وظفت 50 حارساً على مدار 24 ساعة لحراسة إحدى المحارق براتب 1200 دولار سنوياً لكل منهم، وهو مبلغ كبير لفت الأنظار في الصين.
وأشارت الصحافية الفرنسية إلى أنه لا يمكن القول إن ما يجري هو تبرعات طبيعية، فالصين واحدة من الدول التي لديها أقصر قائمة انتظار للحصول على عضو بشري وزراعته، على الرغم أن ثقافة الشعب الصيني تؤمن بأنه من المهم الحفاظ على الجسم سليماً بعد الموت، وبالتالي لا يحبّون التبرع بأعضائهم.
ففي الصين، تستغرق عملية زراعة العضو حوالي 12 يوماً فحسب، بينما تستغرق أشهراً في دول أخرى، وفي الولايات المتحدة يصل المتوسط إلى 3.6 سنوات.
حتى أن بعض الذين أجروا عمليات زراعة عضو كانوا يعرفون مسبقاً التاريخ المحدد للعملية، وبعبارة أخرى، كانت المستشفيات تعرف تواريخ وفاة المرضى المتبرعين مسبقاً.
تعذيب المحكومين بالإعدام
قضية أخرى تتحدث عنها الصحافية الفرنسية هي أن الصين كانت تأخذ عيّنات من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، وإذا كانت النتائج إيجابية، لا يتم قتلهم في الحال، إنما يطلقون عليهم النار في موضع في جسدهم لا يجعلهم يموتون سريعاً فيبقون على قيد الحياة في حالة حرجة للغاية حتى تؤخذ أعضاؤهم.
الصينيون ينتزعون أعضاء مسلمين، ثم يبيعونها إلى أثرياء خليجيين، بعد وضع شعار"حلال" عليها... تقرير فرنسي يرصد إتجار السلطة الصينية بأعضاء أبناء الأقليات
وكانت الصين قد تعهّدت عام 2015 بالتوقف عن جعل المحكوم عليهم بالإعدام بنكاً للأعضاء. ولكن حتى الآن لا يوجد دليل على أنها التزمت بتعهدها.
في شهادة على هذه الطريقة البشعة، كشف إنفر توهتي، وهو طبيب سابق من الأويغور، أنه شارك في نزع أعضاء من سجناء محكوم عليهم بالإعدام، عام 1995، قبل أن يهرب من الصين.
وقال الطبيب إنهم أمروه في ذلك الوقت بنزع أعضاء من سجين بعد تنفيذ حكم الإعدام فيه إلا أن الرجل المدان كان لا يزال على قيد الحياة.
وأضاف: "عندما بدأت بالعمل كان الدم يتدفق، وهذا دليل على أن قلبه كان لا يزال ينبض، لم يكن ميتاً حينما انتزعت منه كبده وكليته وطلب مني مديري في ذلك الوقت أن أنسى كل شيء".
كذلك، يتعرّض أعضاء جماعة "فالون غونغ"، وفقاً للصحافية الفرنسية، لهذه الممارسات، وهو ما أكّده هاتفياً وزير الصحة الصيني السابق باي شو تشونغ.
وأشار التقرير إلى أن محكمة صينية جمعت عدة شهادات منها شهادة فتاة تُدعى غولباهار جليلوفا، وهي شابة قازاقية هربت من معسكرات الاعتقال بعدما ظلت محتجزة لمدة عام وثلاثة أشهر.
وشهدت أسرة شخص يُدعى هي ليفيانغ من أتباع "فالون غونغ" أنه توفي بعد اعتقاله بشهرين في الاحتجاز، وتمكنوا من رؤية جسده فوجدوا آثار شق مخيّط على صدره وشق لا يزال مفتوحاً في ظهره، في مناطق إزالة أعضاء مثل الرئة والكلى.
وحينما سألوا عن هذه الآثار، قالت الشرطة إنها بسبب تشريح الجثة بعد الوفاة.
وفي بعض الحالات كانوا يحرقون جثث المعتقلين دون السماح لعائلاتهم برؤيتهم، وبدون إذن منهم، لطمس الآثار.
روت هذه الفتاة أنها سُجنت مع نساء الأويغور، وسمعت كثيراً عن عمليات إزالة الأعضاء ولاحظت اختفاء السجناء.
وكشفت أنه كان عليها أن تخضع لفحوصات الموجات فوق الصوتية بشكل منتظم وكذلك كانت تؤخذ عيّنات من دمها، ولكنها تمكّنت من الفرار عام 2018.
بيع الأعضاء في الخليج
يقول إركين صديق، مستشار المؤتمر العالمي للأويغور، وهو واحد من أوائل الناس الذين نبّهوا إلى وجود تجارة لأعضاء تُسمّى "حلال"، إن الحزب الشيوعي الصيني بدأ مؤخراً في نقل كمية كبيرة من أعضاء الأويغور من شنغهاي إلى السعودية.
في الآونة الأخيرة، بدأ الحزب الشيوعي الصيني بنقل كمية كبيرة من أعضاء الأويغور المسلمين من شنغهاي إلى السعودية، لبيعها للأثرياء بأسعار مضاعفة… اتهامات لدول الخليج بالصمت على سياسة الصين للحصول على أعضاء "حلال"
ويكشف أن الحكومة الصينية تقوم بالترويج لهذه الأعضاء على أنها "حلال"، لأن أصحابها مسلمون لا يتناولون الكحول ولحم الخنزير، في السعودية لجذب المسلمين.
ووفقاً له، عندما وقّعت كل من الكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات على خطاب دعم للسياسة الصينية في أزمة الأويغور، كان أحد الأهداف الحصول على الأعضاء "الحلال".
لكل عضو سعره. عام 2006، حدد موقع أحد المستشفيات الصينية سعر الكبد بمئة ألف دولار. وبحسب مصادر عدة، فإن سجيناً في الثلاثينات من عمره يدرّ أرباحاً تُقدّر بنصف مليون دولار.
وقالت الصحافية الفرنسية إنه من السهل جداً العثور على عروض جذابة للمسلمين على الإنترنت للحصول على أعضاء، إذ تخاطب المستشفيات المرضى في دول أخرى بهذا الخصوص، وتستهدف الأشخاص المسلمين بشكل خاص.
فمستشفى Tongshantang في بكين يعرض، على عدة مواقع إلكترونية، إجراء عمليات زرع الكلى، ويغري المسلمين على قناته على يوتيوب بوجود مكان للصلاة فيه، بالإضافة إلى مطعم حلال.
وبحسب إيثان غوتمان، تُباع الأعضاء الحلال بأسعار مرتفعة للمسلمين، إذ يُضاعَف سعر العضو "الحلال" أحياناً إلى ثلاث مرات.
وذكر الصحافي الأمريكي أن مستشفى تيانجين المركزي، والذي يُعَدّ أحد المستشفيات التي رصدتها المنظمات التي تكافح الإتجار بالأعضاء، يعرض على موقعه عروضاً بالنسختين الإنكليزية والعربية.
وكشف غوتمان أن هذا المستشفى يجري حوالي خمسة آلاف عملية زرع أعضاء سنوياً، وتشير الأدلة التي جمعها إلى أن عدداً متزايداً من المرضى قدموا إليه من دول الخليج لهذا الغرض.
في منطقة الأويغور، في شينجيانغ، في مطار كاشغار، يتبيّن علناً أنه يُسمح بنقل الأعضاء إلى الخارج، إذ تظهر على الأرض علامات باللغتين الصينية والإنكليزية تشير إلى المسار المخصص لنقل الأعضاء إلى الطائرة.
اللافت وفقاً للصحافية الفرنسية أن "هذا المطار يقع في منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة، ما يعني متبرعين أقل، وقد يكون منطقياً لو كان ذلك في مقاطعة هونان ولكن شينجيانغ لا يتجاوز عدد سكانها 25 مليون نسمة".
وفرضت عدة دول مثل المملكة المتحدة وبلجيكا والنرويج وإيطاليا وتايوان وإسبانيا وحتى إسرائيل ضريبة على مَن يرغبون في التوجه إلى الخارج، ولا سيما الصين، لإجراء عمليات زراعة أعضاء، بهدف ثنيهم عن ذلك.