عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد... صراع رجال الدولة في بدايات التاريخ الإسلامي - مقالات
أحدث المقالات

عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد... صراع رجال الدولة في بدايات التاريخ الإسلامي

عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد... صراع رجال الدولة في بدايات التاريخ الإسلامي

خالد يوسف

مثل جميع الإمبراطوريات الناشئة، قامت الدولة الإسلامية على أيدي رجال أقوياء، كان بين أبرزهم الخليفة عمر بن الخطاب الذي استقر الحكم في عهده واتسعت رقعة الدولة لتصبح إمبراطورية شاسعة، والقائد العسكري الفذّ خالد بن الوليد الذي حافظ عليها من خطر الانهيار بعد وفاة النبي محمد، وقاد معارك ضم العراق والشام.

ولكن يبدو أن الصدام بين ابن الخطاب وابن الوليد كان حتمياً.

صراع الصبية

منذ مرحلة الصبا، حين بدت علامات القوة على خالد وابن بنت عمه عمر، بدأ الصراع بينهما. اصطرع الصبيان فصرع خالد عمر وتغلب عليه وكسر ساقه حتى عرجت، كما أورد علي بن الحسن بن عساكر في كتابه "مختصر تاريخ دمشق".

وكانت "أم عمر" حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم خالد بن الوليد بن المغيرة، فهاشم شقيق الوليد، وفق ما ذكره المصعب بن عبد الله الزبيري في كتابه "نسب قريش".

صراع الصبية كان مقدمة لصراع ممتد بين رجلين أصبحا عمودين رئيسيين في قريش. تولى خالد بن الوليد الأعنة والقبة، والأعنة هي مسؤولية خيل قريش في الحروب، والقبة عبارة عن خيمة يُجمع فيها ما يحتاجه الجيش من عتاد وتجهيزات، كما جاء في "مختصر تاريخ دمشق".

أما عمر، فقد كانت "السفارة" من نصيبه، فإن دخلت قريش حرباً أرسلوه سفيراً ومفاوضاً لأعدائهم، وإذا تفاخر عليهم غيرهم بعثوه مفاخراً باسمهم، كما أورد ابن الجوزي في كتابه "مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب".

سيف مع النبي وآخر عليه

دخل عمر إلى الإسلام مبكراً، في السنة الخامسة بعد ظهور دعوة النبي محمد، حسبما ذكر محمد ابن اسحق في "السيرة النبوية"، وكان إسلامه بمثابة روح بُثت في المسلمين المستضعفين آنذاك، إذ تمكنوا للمرة الأولى من الصلاة في مجموعة عند الكعبة، تحت سمع ونظر قريش، دون أن يستطع كبراؤها التصدي لهم، خشية الصدام مع عمر صاحب المنعة والهيبة، وفق ما ذكره محمد بن سعد بن منيع الزهري في كتابه "الطبقات الكبير".

وعلى الجانب الآخر، جانب قريش، كان لخالد نفس المكانة القيادية. فحين بدأت المعارك بين قريش والملسمين بعد الهجرة إلى المدينة، أثبت قدراته العسكرية كرجل حرب وحوّل هزيمة مكة في غزوة أحد إلى نصر على المسلمين بعد أن التف بقطعة من الجيش خلف جبل أحد وحاصر المسلمين مستغلاً نزول الرماة لجمع الغنائم. وأصيب النبي في أسنانه وشُقت شفته بعد حصار جيش مكة له، كما أورد محمد بن جرير الطبري في "تاريخ الرسل والملوك".

الفارس "المشاغب"

تأخر إسلام خالد إلى ما بعد صلح الحديبية، في العام الثامن من الهجرة، وفق "البداية والنهاية" للحافظ بن كثير، ولكن قدراته العسكرية حجزت له مكانة متميزة في دولة الإسلام.

وحصل خالد على الفرصة المناسبة لإظهار قدراته في العام الثامن من الهجرة، حين وقعت غزوة مؤتة وكان على الجيش المسلم المكون من ثلاثة آلاف مقاتل أن يواجه جيش الغساسنة الذي قُدّر بمئتي ألف.

سقط حينها قادة جيش المسلمين واحداً تلو الآخر... زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فاختار كبار الصحابة خالداً لتولى القيادة، لينجح في تحقيق انسحاب ناجح لجيش المسلمين دون أن يسحقهم الروم.

إلا أن مسيرة خالد العسكرية في عهد النبي شابتها عدة تجاوزات، منها حين بعثه داعياً لقبيلة بني جذيمة من بني كنانة. فلما أقبل عليهم قالوا "صبأنا"، يقصدون بها "أسلمنا" وهو ما لم يدركه خالد، فقتل منهم وأسر كثيرين، وعندما وصل الخبر إلى النبي رفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين، كما روى البخاري في صحيحه. وأثارت تلك الواقعة غضب عدد من الصحابة على خالد، ومنهم عمر.

كما وقع خلاف بين خالد وبين عمار بن ياسر، ووجّه إليه خالد كلاماً قاسياً، فشكاه عمار للنبي، فقال الأخير: "من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله". ورد الحديث في مسند أحمد بن حنبل.

واختصمه الصاحبي عوف بن مالك الأشجعي عند النبي بسبب خلاف في سرية كان خالد قائدها، فانتصر النبي للأشجعي، ولما وجد منه تشفياً في خالد غضب وقال: "هل أنتم تاركوا لي أمرائي؟"، كما ورد في صحيح مسلم.

ومن أقوال النبي دفاعاً عنه: "لا تؤذوا خالداً فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار" (رواه مسلم).

إذاً، كان الرجل كثير الخلافات والمناوشات لكن مهاراته العسكرية التي لم يكن لها مثيل بين أقرانه حفظت له مكانة تماثل قدامى الصحابة وأوئل المسلمين، وجعلت النبي يثبته على رأس الجيوش، وهو ما سار عليه أبو بكر من بعده.

حروب الردة... عمر يحرّض على خالد

بعد وفاة النبي محمد، شن أبو بكر حرباً ضد القبائل التي منعت الزكاة، وكان عمر بن الخطاب، الرجل الثاني في الدول،- معارضاً لها، ورفض قتال كل من "قال لا إله إلا الله" حتى لو منعوا الزكاة.

لكن أبا بكر أصر رافعاً شعار "والله لو منعوني عناقاً، يقصد ماعزاً صغيراً، كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها"، كما رود في صحيح البخاري. واختار لتلك المهمة الفارس الأول خالد بن الوليد.

انتقل اعتراض عمر على حروب الردة إلى اعتراض على أداء خالد بن الوليد في قيادتها، وتعامله مع القبائل "المرتدة". فحين وصلت حملة خالد إلى قبيلة "بني سليم"، قاتلهم حتى انتصر عليهم وأسر منهم وقتل عدداً من الأسرى وأحرق بعضهم بالنار حتى الموت.

غضب عمر عندما وصلت الأخبار إلى المدينة، وقال لأبي بكر: "بعثت رجلاً يعذّب بعذاب الله". وحين وصل قطار حروب الردة بقيادة خالد إلى بني تميم أرسل أمراؤهم يعلنون الطاعة عدا أحدهم يدعى مالك بن نويرة، فأسره خالد وعاتبه على منعه الزكاه قائلاً: "ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟!" فأجابه ابن نويرة: "إن صاحبكم (يقصد النبي) كان يزعم ذلك"، وهنا غضب خالد وأمر بقطع رأسه قائلاً: "أهو صاحبنا وليس صاحبك؟!".

وبعد ضرب عنقه، وضع رأسه في قدر على النار وأكل منها، "ليرهب الأعراب من المرتدة وغيرهم"، كما جاء في المصادر التاريخية، وتزوج خالد بعد ذلك أرملة مالك، كما يروي إسماعيل بن كثير في "البداية والنهاية".

حين وصل الخبر إلى المدينة كان غضب عمر شديداً، وطالب الخليفة بأن يعزل خالد قائلاً: "إنَّ سيفه فيه رهق". ودافع أبو بكر عن خالد، وأصر على عدم عزله وقال: "لا أشيم (أغمد) سيفاً سلّه الله على الكفار"، وفق ابن كثير.

المواجهة... "عدو الله"

ذكر ابن كثير أن عمراً استمر في التحريض على خالد، وقال بالنص: "لم يزل عمر بن الخطاب يحرض الصديق ويزمره على عزل خالد عن الأمرة حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة".

وكان هذا الاستدعاء فرصة عمر كي يضع حداً لـ"تجاوزات" خالد التي لم يعد يحتملها، وكان يقول: "عدا عدو الله على امرئ مسلم فقتله، ونزا على امرأته"، كما ذكر ابن عساكر.

وصل خالد إلى المدينة، ودخل المسجد معتمراً عمامة غرز فيها أسهماً، متفاخراً بانتصاراته، فقام إليه عمر ونزع الأسهم عن عمامته، وقال له: "قتلت مسلماً، ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك"، فلم يرد عليه خالد أو يمنعه اعتقاداً منه أن الخليفة أبي بكر على نفس موقف عمر.

إلا أنه عندما التقى الخليفة واعتذر إليه، عذره وسامحه، فخرج ابن الوليد وقابل عمر وقال له: "هلم إليّ يا ابن أم سلمة"، فأدرك عمر أن خالد نال رضا أبي بكر فلم يرد عليه، كما ورد في "الكامل في التاريخ" لعلي بن محمد الشيباني المعروف بـ"ابن الأثير".

لم تتوقف المشاحنات بين الرجلين. يذكر الطبري في "تاريخ الرسل والملوك" أن خالد عقد صلحاً مع أحد قادة تمرد الردة في اليمامة (بلدة في نجد) ويُدعى مجاعة بن مرارة، ثم تزوج ابنته، وبلغ الخبر أبا بكر فكتب إليه يعنفه: "لعمري بابن أم خالد إنك لفارغ، تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومئتين من المسلمين لم يجفف بعد". فلما نظر خالد إلى رسالة أبي بكر قال: "هذا عمل الأعيسر"، يقصد عمر بن الخطاب، وكان عمر أعسراً أي يكتب ويعمل بيده اليسرى.

حرمان خالد من نصر العراق

بعد إخضاع القبائل "المرتدة"، اتجهت أنظار أبي بكر إلى العراق، فتحوّل جيش خالد إليها وحقق انتصارات كبيرة على الفرس المسيطرين عليها، في معارك عدة منها ذات السلاسل، دومة الجندل، عين التمر، أليس، والولجة.

وقبل أن يفرض خالد سيطرته الكاملة على العراق وينتزعها من أيدي الفرس، أرسل إليه أبو بكر بالمسير إلى الشام لنجدة جيوش المسلمين التي تعاني الأمرّين في قتال الروم، فما كاد خالد يقرأ خطاب الخليفة حتى ظن أن عمراً وراء هذا الأمر، وقال: "هذا عمل عمر بن الخطاب، حسدني أن يكون فتح العراق على يدي"، كما ذكر ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى".

ولكن خالد كان على موعد مع قمة مجده العسكري في الشام، حيث كانت أشهر معاركه وأعظمها أثراً في تاريخ الدولة الإسلامية، ألا وهي "اليرموك"، والتي تولى القيادة فيها في آخر عام 13 هجرية على نحو 40 ألف مقاتل مسلم في مواجهة 240 ألفاً من الروم، كما يذكر ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ".

نجح ابن الوليد في هزيمة جيش الروم الجرار بفضل عبقريته العسكرية ليفتح الطريق أمام سيطرة المسلمين على الشام ثم التوجه نحو شمال إفريقيا.

ولا تغيب سيرة العداوة بين خالد وعمر عن روايات المؤرخين حتى في أحلك الأوقات، فحين استشهد عكرمة بن أبي جهل وولده عمرو في اليرموك، وهما أبناء عمومة خالد من بني مخزوم، قال: "زعم ابن حنتمة (يعني عمراً) أنّا لا نستشهد"، كما يروي ابن الأثير.

الاستجواب والعزل

اختلف الرواة حول موعد وفاة الخليفة أبي بكر، هل كان بعد نهاية معارك اليرموك، أم قبل أن تضع أوزارها، ولكن الرواية التي أوردها أغلبهم أنها جاءت بعد نهاية تلك المعارك، ليستخلف من بعده عمر بن الخطاب.

ولم يمر كثير من الوقت حتى وقع الصدام شبه الحتمي بين الخليفة الجديد وخالد بن الوليد.

ففي أيام خلافته الأولى، بلغ عمر أن خالداً منح رجلاً يُدعى الأشعث بن قيس 10 آلاف درهم، فكتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح، أحد كبار الصحابة وأحد القادة في الشام تحت إمرة خالد، يطلب إليه أن يستدعي خالداً، ويقيده بعمامته وينزع عنه قلنسوته "غطاء رأس"، ويستجوبه عن مصدر المال الذي منحه للأشعث، أمِن ماله أم من غارة أغارها على الروم دون علم الخليفة؟

وذكر عمر في رسالته أنه إن كان من ماله فقد "أسرف" خالد، وإن كانت من غارة قام بها على الروم في الشام دون علم الخليفة "فقد اعترف بخيانته"، وأمر أبي عبيدة أن يعزل خالد في الحالتين ويقاسمه ماله، كما يروي ابن عساكر في "مختصر تاريخ دمشق".

وكانت مكانة أبي عبيدة في الإسلام كصحابي كبير لقّبه النبي بـ"أمين الأمة" تتيح له أن يقوم بذلك مع خالد.

وجاءت أقوال خالد في تلك "المحاكمة" أن المال الذي منحه للأشعث كان من ماله. وبالفعل عزله أبي عبيدة وقاسمه ماله حتى لم يبقَ إلا نعليه، فأعطاه خالد أحدهما، امتثالاً لأوامر الخليفة بحذافيرها.

الفتنة تموت في مهدها

لم يكن عزل رجل كخالد بعد المجد والشهرة اللذين حققهما في كل الأمصار الإسلامية ليمر مرور الكرام، ولكن عمر احتاط لذلك، فسارع بمراسلة ولاته يعلمهم بأسباب عزل خالد: "إني لم أعزل خالداً عن سخطة أو جناية ولكن الناس فتنوا به... فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع (صانع الانتصارات) وأن لا يكونوا بعرض فتنة".

توجه خالد بعد عزله إلى مدينة قنسرين في الشام وخطب في أهلها مودعاً: "إنَّ أمير المؤمنين استعملني على الشام حتى إذا كانت بثنية وعسلاً عزلني وآثر بها غيري"، فنهض أحد الحاضرين واعترض حديث خالد: "اصبر أيها الأمير، فإنها الفتنة"، فرد عليه خالد: "أما وابن الخطاب حي فلا"، كما أورد أبو بكر بن أبي شيبة في كتابه "المصنف".

عتاب أخير

بعد أن ودع خالد أهل قنسرين ثم أهل حمص في الشام توجه إلى المدينة ليلتقي عمر، وكان العتاب الأخير بينهما: "لقد شكوتك إلى المسلمين، وتالله إنك في أمري غير مجمل يا عمر"، فباغته الخليفة: "من أين هذا الثراء؟" فقال خالد: "من الأنفال والسهمان، ما زاد على الستين ألفاً فلك".

فزادت ثروة خالد بعشرين ألفاً ضمها عمر إلى بيت المال، ثم حاول استرضاءه: "يا خالد، ولله إنك عليَّ لكريم، وإنك إليَّ لحبيب، ولن تعاتبني بعد على شيء".

غادر بعدها خالد ليستقر في الشام حتى مرضه ثم وفاته.

مراجعة النفس على فراش الموت

تدبّر خالد في أيامه الأخيرة على فراش الموت علاقته بعمر وصداماته معه. ندم على ما كان يحمله في نفسه تجاهه وقال: "قد كنت وجَدْتُ عليه في نفسي في أمور لمَّا تدبرتها في مرضي هذا عرفت أنَّ عمراً كان يريد لله بكل ما فعل، كنت وجدت عليه في نفسي حين بعث إليَّ مَن يقاسمني مالي حتى أخذ فرد نعل وأخذت فرد نعل، فرأيته فعل ذلك بغيري من أهل السابقة ومن شهد بدراً، وكان يغلظ عليَّ وكانت غلظته على غيري نحواً من غلظته عليَّ، وكنت أدل عليه بقرابة فرأيته لا يبالي قريباً ولا لوم لائم في غير الله".

وأضاف: "فذلك الذي أذهب ما كنت أجِد عليه، وكان يكثر غِلِّيِ عنده وما كان ذلك إلا على النظير، كنت في حرب ومكابدة وكنت شاهداً وكان غائباً فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك من أمري، وقد جعلت وصيتي وتركتي وإنفاذ عهدي إلى عمر بن الخطاب". وقبل عمر وصية خالد ونفّذ ما جاء فيها، كما يروي ابن عساكر في "مختصر تاريخ دمشق".

عمر نادماً

ذكر ابن سعد في "الطبقات الكبرى" أنه لما توفي خالد بن الوليد قال عمر بن الخطاب: "يرحم الله أبا سليمان (كنية خالد) كان على غير ما ظننا به".

كما أعلن عمر عن ندمه صراحة على ما كان بينه وبين خالد، وأثنى على إسهاماته، فلما استغرب أحد مجالسيه ذلك وقال له: "يا أمير المؤمنين، لم يكن رأيك فيه في حياته على هذا"، قال عمر: "ندمت على ما كان مني إليه"، كما أورد ابن عساكر في "مختصر تاريخ دمشق".

وروى ابن سعد أنه لما وصل خبر وفاة خالد إلى عمر، حزن وترحم عليه، وقال: "كان والله سداداً لنحور العدو"، فقال له علي بن أبي طالب: "فلم عزلته؟"، قال: "عزلته لبذله المال لأهل الشرف وذوي اللسان"، قال علي: "فكنت عزلته عن التبذير في المال وتركته على جنده" فأجابه عمر: "لم يكن ليرضى".

بين الإسراف وخشية الفتنة و"تجاوزات" خالد خلال حروب الردة تعددت أسباب عزله، إلا أن ابن عساكر يعتبر أن صراعهما صبيين وكسر خالد لساق عمر سبّب ضغينة بينهما في ما بعد.

ويرى الدكتور عبد الرحمن سالم، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة القاهرة، أن حديث بعض المؤرخين عن بغضاء منذ مرحلة الطفولة بسبب صراع الصبية مجرد "هراء لا يصح ذكره".

ويضيف لرصيف22: "عمر عزل خالداً لكنّه لم ينكل به، ولم يَكُن في نفس خالد شيئاً من ناحية الخليفة، لأنه لو كان كذلك لما استمر مقاتلاً في الشام تحت امرة أبي عبيدة بن الجراح، وبنفس التفاني والإخلاص اللذين كان يقاتل بهما حين كان قائداً".

ويشير الدكتور عبد الفتاح فتحي، أستاذ التاريخ الإسلامي، إلى أن طبيعة شخصية خالد المعتد بنفسه، والذي كان مستقلاً بعض الشيء، يوزع الغنائم ويعطي المنح دون الرجوع للخليفة أبي بكر، لم تكن تروق لعمر بن الخطاب ولم يكن لتلك الأمور أن تستمر في عهده، الذي اتسم بالشدة والمحاسبة الدقيقة مع ولاته وأمرائه.

ويضيف لرصيف22 أن خشية عمر من افتتان الناس بخالد نتيجة الانتصارات الكاسحة التي حققها في زمن قياسي، كانت سبباً آخر للعزل.

ويتفق مع ذلك الكاتب المصري عباس محمود العقاد في كتابه "عبقرية خالد" ويقول: "وللزهو مكان من طباع خالد يحسب حسابه ولا ينساه الخليفة المسؤول عن عواقب الأمور في دولة الإسلام... فبعد غلبته على الأكاسرة والقياصرة وشيوع ذكره في الأمصار، ماذا يجرى لو وهن الحكم يوماً بعد ابن الخطاب؟".

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث