في السند والمتن... والمنطق! - مقالات
أحدث المقالات

في السند والمتن... والمنطق!

في السند والمتن... والمنطق!

سناء العاجي:

 

لنطالع النماذج التالية من بعض الأحاديث:

"يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود". حديث رواه أبو هريرة، وهو مصنف في صحيح مسلم.

"(...) فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدى له جبريل (...) يا محمد إنك رسول الله حقا"، جزء من الحديث رقم 6581 في صحيح البخاري يفيد بأن الرسول حاول الانتحار حين تأخر عليه الوحي في إحدى الفترات.

حديث إرضاع الكبير، وهو الحديث رقم 4698 في صحيح البخاري، والذي تجادل حوله الفقهاء كثيرا: هل يجب للرجل أن يشرب حليب ثدي المرأة المعنية من كوب، أو مباشرة من الثدي؛ فيما اعتبرت عينة أخرى من الفقهاء أن الواقعة حصرية بسلمى بنت سهيل وليست عامة.

حديث التداوي ببول البعير، وهو الحديث رقم 2855 في صحيح البخاري ورقم 1671 في صحيح مسلم.

♦♦♦

هذ نماذج من أحاديث نبوية مذكورة في الصحيحين أو في أحدهما. أحاديث بعيدة عن العقل والمنطق والعلم واحترام الكرامة الإنسانية، بل ومسيئة للنبي وللإسلام في بعض جزئياتها.

الذي يحدث أنك، إذا ذكرت أحدها لتستدل على لامنطقية بعض المرويات، سيسألك من حولك عن السند والرواة والمصدر... إذا قلت مثلا إن الرسول حاول الانتحار، سيتهمونك بالكفر والضلال. إذا حاولت الرد بأن الأمر وارد في حديث، وأن الحديث في أحد الصحيحين، فسيخبرونك أنه وجب التقصي فيما يتعلق بالسند والرواة ومدى مصداقيتهم (علما أن مجرد وجود شك في مصداقية بعض الرواة والأحاديث، ومجرد وجود "أحاديث ضعيفة"، يجب أن يسائل كل منظومة الأحاديث واعتمادها كمصدر للتشريع).

لكنك، حين تشكك في صحة أحاديث كتابي صحيح البخاري ومسلم، أو في مدى جدية الاعتماد على رواة عاشروا الرسول سنوات قليلة جدا أو مشكوك في صدقهم ومصداقيتهم، أو حين تسائل طريقة تجميع وكتابة الأحاديث، فستتعرض لوابل من الشتائم والتهم بمهاجمة الإسلام لأن "صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد القرآن".

من الذي قرر ذلك؟ وكيف يقبل شخص يعتبر نفسه متدينا، أن يصنف كتاب الله مع كتاب بشري، مهما كانت قيمة الشخص الذي ألفه أو جمع محتواه؟

تخيل مرة أخرى أنك حين تورد أي حديث مزعج علميا أو حقوقيا، سيجعلك هذا الأمر في مواجهة سؤال السند والرواة... حتى لو كان ذلك الحديث في أحد الصحيحين (من قرر أنهما صحيحين؟). لكن المطالبة بمراجعة هذين الكتابين ومضمونهما بسبب منهجية العمل وبسبب المحتوى نفسه ومناقضة جزء كبير من محتواه للعقل والمنطق والعدالة والعلم، فإنك ستواجه بكل تهم التكفير.

بمعنى أن مساءلة هذا العمل الإنساني المحض، هو أمر مرفوض؛ رغم أن البخاري أو مسلم أو أبو هريرة أو غيرهم بشر اجتهدوا مشكورين، لكن عملهم ليس فوق المساءلة والانتقاد...

لكن، بمجرد ما يبدو محتوى بعض هذا العمل الإنساني مزعجا، يطالبونك بالتقصي عن السند والرواة. التقصي عن الجزء حلال... ومساءلة الكل حرام! إذ، كيف يكون الانتقاد والاستفسار عن السند والمتن والرواة وغيره... فقط حين يتعلق الأمر بحديث معين يزعجهم وليس لأن هذا الموروث يجب أن يعاد فيه النظر جديا وكليا؟ موروث إنساني أصبح مقدسا غير قابل للمراجعة، حتى على ضوء تطور العلم!

حتى أن ابن حنبل قال: "الحديث الضعيف أفضل إليّ من الرأي"، وهو، مرة أخرى، رأي إنساني يعمل به عدد من الفقهاء إلى غاية اليوم.

ما لم نتصالح مع فكرة أساسية مفادها أن السلف الصالح لم يكن صالحا تماما، تماما كما الخلف... كان فيهم الصالح والفاسد والمنافق والخدوم ومختلق الأحاديث لمصالح سياسية ومختلق الأحاديث لهوس نفسي والكاذب والسارق والمتصدق والأمين والخائن... ما لم نتصالح مع تاريخنا بكل ما فيه من شوائب وكوارث ونقاط ضوء وعتمة وأخطاء وتطور واندحار، فسنظل نتمايل بين التخلف... والتخلف!

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث