عبدالله بن بجاد العتيبي:
لا حديث للعالم اليوم من أقصاه إلى أقصاه، يعلو على الحديث عن فيروس كورونا، الذي أصبح بكل جدارة مالئ الدنيا وشاغل الناس، دولاً ومجتمعاتٍ وأفراداً، وهو موضوع لم يزل يتصاعد وينتشر ويزداد خطراً، في ظل عجز العالم ومراكز أبحاثه ومنظمة الصحة العالمية عن إيجاد علاجٍ له، أو اختراع لقاح يحمي من شروره.
المجد للعلماء العظام، حماة البشرية، وأُساة الآلام، العاكفين في مختبراتهم على أبحاثهم الدقيقة والمضنية يفتشون عن دواء لكل داء، وعن شفاء لكل مرضٍ وعن تخفيفٍ لكل ألم، مثلهم مثل الأطباء العظام وموظفو القطاعات الصحية، الذين يمثلون بالفعل خط الدفاع الأول أمام البشر جميعاً، وبخاصة في مواجهة الفيروسات التي تفتك ببني البشر.
وصلت الحضارة البشرية إلى مستوى من التقدم والرقي؛ بحيث أصبحت ثمة مشتركات إنسانية كبرى ومفاهيم معولمة، تتفق عليها الأديان والثقافات والبشر المتحضرون، ولا يخالفها إلا بعض بقايا الماضي من الأصوليين والإرهابيين، الذين تعميهم الأيديولوجيا عن رؤية الإنسان أو إقامة أي اعتبار له ولحياته ولقيمته.
أقبح هؤلاء المتخلفين من البشر، من يربط مصائب الناس بما لا يد لهم فيه، بأديانهم ومذاهبهم أو بأعراقهم أو ألوانهم، هؤلاء محسوبون على البشر، ولكنهم ليسوا منهم، والرجاء في برئهم وتعافيهم قليلٌ ونادرٌ للأسف.
هاجمت فئات قليلة الصين بعد تفشي فيروس كورونا انطلاقاً منها، ومع أن هذا الفيروس لم يعرف الكثير عنه علمياً، ولكن مفهوم أن بعض العلماء يعزون مثل هذا الفيروس على بيئات غير صحية لأسواق الأغذية أو على أنواع من الحيوانات بعينها، ولكن الذي لا يمكن فهمه ولا استساغته هو الهجوم بعنصرية مقيتة على شعب أو دين أو عرقٍ لمجرد العنصرية بلا إثارةٍ من علمٍ أو فهمٍ.
كان مثل هذا الطرح مقتصراً في سنواتٍ، مضت على بعض متطرفي المسلمين من جماعات ورموز الإسلام السياسي، الذين كانوا ينسبون كل مصيبةٍ تصيب البشر إلى أنها عقابٌ من الله لغير المسلمين، وإن كانت على مسلمين قالوا إنهم مسلمون عصاةٌ يعاقبهم الله على معاصيهم، فإن كانت فيمن يؤيدون قالوا إنها ابتلاء من الله للمؤمنين، وهذا التحكم البشع في تفسير ما يصيب البشر أمرٌ لا علاقة له بالإنسانية، ولا بالعصر الحديث، ولا بالإسلام الدين السماوي المتسامح.
ولا يقل قبحاً عن هؤلاء، من يزعم أن هذا الفيروس الخطير إنما أصاب إيران وحلفاءها؛ لأنهم ينتمون إلى المذهب الشيعي الكريم، وعلى الرغم من الخلاف الحادّ سياسياً مع النظام الإيراني، إلا أن الشعب الإيراني الذي يفتك به هذا الداء لا علاقة له بالخلافات السياسية، وكم هو قبيح أن يفقد الإنسان إنسانيته، ويخرج أقبح ما في نفسه عند أول مصيبة.
الشماتة خلق الأراذل من البشر، وهي نقيض الأخلاق التي تجمع على مبادئها الكبرى غالب الأمم والأديان، والشماتة تعود على صاحبها فتصيبه بمثل ما شمت به، وهي على العموم وصمة عارٍ في أخلاق الإنسان وتربيته وشخصيته، هي أقرب إلى العار الذي لا يغسل ولا يمحى.
يحفظ تاريخ المنطقة والعالم بأسره، ذكريات أليمة عن مراحل معينة من التاريخ، غزت فيها الأوبئة البلدان والشعوب، وقتلت الآلاف المؤلفة في فترات متباعدة، ولم تسلم أمةٌ من الأمم من لحظاتٍ سوداء فتكت فيها الأدواء والأوبئة والمصائب ببني البشر.
أخيراً، فإن الشماتة بمصائب الآخرين المختلفين بأسباب عنصرية محضة، أمر لا يجيزه دين، ولا يشرعه مذهب، ولا يبرره عرقٌ، إنها عيبٌ مقيمٌ وسبة الدهر لمن ينخرط فيها ويروج لها، مهما حاول اختلاق الأعذار.