الأقباط والتمييز الإيجابى دراسة عن آليات التمييز الإيجابى للأقليات - مقالات
أحدث المقالات

الأقباط والتمييز الإيجابى دراسة عن آليات التمييز الإيجابى للأقليات

الأقباط والتمييز الإيجابى دراسة عن آليات التمييز الإيجابى للأقليات

مجدي خليل:

 

"لدي حلم بأن يعيش أطفالي الأربعة الصغار يوما في دولة لا يحكم فيها عليهم بسبب لون بشرتهم بل بمضمون شخصيتهم"

الدكتور مارتن لوثر كنج زعيم الحقوق المدنية في أمريكا،

خطاب مسيرة واشنطن أغسطس 1963.

 

تتناول هذه الورقة سبل معالجة تهميش الأقليات الوطنية بمعالجة المظالم التاريخية التى وقعت عليها وباستعمال آليات تعويضية تسهل الفعل الإيجابى بإدماجها بشكل سريع على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهناك بعض الأقليات تعاني من مظالم سياسية وهناك من يعاني من مظالم اقتصادية وهناك من يعاني من عزل وفرز اجتماعي وهناك من يعاني من الثلاثة مجتمعين وآلية التمييز الإيجابي تحاول التعامل مع كل هذه المظالم أو بعضها. وتشمل الورقة مفهوم التمثيل النسبي على مستوى الجدل التاريخي فى مصر والفرق بينه وبين التمثيل الطائفى ،وثانيا أساليب معالجة الدول المختلفة ،عبر آليات متغيرة ،لتطبيق التمييز الايجابي ويشمل الجزء الثالث  ا الكثير من التساؤلات التي أثيرت حول التمييز الإيجابي والرد عليها.

(1) التمثيل النسبي والتمثيل الطائفي

التمثيل النسبي تاريخيا

 الديمقراطية تعد تعبيرا واستجابة لمصالح الجماعات المكونة للمجتمع، وكلما كانت الديمقراطية صحيحة، اقتربت من تمثيل كافة تيارات وفئات ومكونات هذا المجتمع والعكس صحيح.

ولكن كلما تحدثنا عن إزالة المظالم التاريخية التي وقعت على الأقباط وهمشتهم سياسيا وباعدت بينهم وبين التواجد العادل في المجالس والنيابة والمناصب السياسية  يصرخون في وجوهنا بأن الأقباط رفضوا التمثيل النسبي في دستور 1923 فكيف يقبلها أقباط اليوم؟ فهل فعلا رفض الأقباط في دستور 23 التمثيل النسبي؟. الإجابة بالنفي وإليكم تفاصيل القصة.

تكونت لجنة دستور 1923 من ثلاثين شخصا كان من بينهم ست شخصيات يمثلون الأقليات أربعة أقباط هم توفيق دوس، والأنبا يؤنس مطران الإسكندرية، وإلياس عوض، وقليني فهمي وشخصية تمثل اليهود وهو يوسف أصلان قطاوي وشخص يمثل الشوام وهو يوسف سابا، وعند مناقشة موضوع وضع نظام يضمن التمثيل العادل للأقليات تحمس له من الأقباط أعضاء اللجنة توفيق دوس والأنبا يؤنس وإلياس عوض وعارضه قليني فهمي. ومن الأقليات الأخرى تحمس له يوسف أصلان قطاوي ولم تذكر محاضر اللجنة رأي يوسف سابا، وهذا يعني أن المؤيدين للتمثيل النسبي كانوا أغلبية من الأقباط أعضاء اللجنة أو من الممثلين للأقليات.

وفي النهاية كان هناك فريقان في اللجنة، الفريق المؤيد للتمثيل النسبي ويضم توفيق دوس والأنبا يؤنس وإلياس عوض ويوسف قطاوي ومن المسلمين حسين رشدي، عبد الله المكباتي، وعلي المنزلاوي، ومحمد علي باشا، وفريق يعارض التمثيل النسبي ويضم عبد العزيز فهمي، عبد الحميد بدوي، محمود أبو النصر، إبراهيم الهلباوي، عبد الحميد مصطفي، علي ماهر، أحمد طلعت، وقليني فهمي باشا.

لاحظ أن الفريق المعارض كان أغلبية من المسلمين ولم يضم سوي قبطي واحد هو قليني فهمي، وهذا الفريق يضم ثلاثة من أعمدة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في 29 أبريل 1911 لرفض مطالب المؤتمر القبطي الذي عقد في6 مارس 1911 وهؤلاء الثلاثة هم إبراهيم الهلباوي، وعبد العزيز فهمي، ومحمود أبو النصر.

وعند التصويت انتصر الفريق المعارض للتمثيل النسبي وهذا طبيعى لوجود أغلبية مسلمة فى اللجنة، ولكن الكنيسة والشارع القبطي في معظمه كما تقول المؤشرات كان مع التمثيل النسبي عام 1923 وعلى رأسهم البطريرك البابا كيرلس الخامس، والمجلس القبطي الإنجيلي العام، والمجلس الملي للأقباط الأرثوذكس ومطران كل من أسنا والدير المحرق والمنيا وصنبو والجمعية الخيرية القبطية بالمنيا وصحيفة مصر وأعيان أسيوط[1].

وعلى مستوى الصحافة كان هناك جدل واسع بين كل من المؤيدين  والمعارضين، ولعل أبرزه ذلك السجال الذي دار بين محمود عزمي والذي مثل مصر لاحقا لدي هيئة الأمم المتحدة وكان من أشد المؤيدين للتمثيل النسبي وعزيز ميرهم وكان من المعارضين لذلك التمثيل.

 ومما هو جدير بالذكر أن المعارضين للتمثيل النسبي وأبرزهم عبد الحميد بدوي باشا كان يري "أن الفارق الديني يضعف في مصر الآن ولن يطول الزمن حتى يمحي في علاقاتنا الاجتماعية وتعفي منه تماما جميع أثاره"[2].

ويقول سعد الدين إبراهيم "لقد كان إحساس الأقباط في ذلك الزمن هو الاطمئنان والأمان والحرية التي تمكنهم من التنافس المتكافئ في أي انتخابات بصرف النظر عن ديانة المرشح.. وتبدل المناخ من الحرية والانفتاح إلى الاستبداد السياسي والانغلاق الفكري والتشوه الثقافي والتزمت الديني، فقد أصبح الأقباط يشعرون بغربة متزايدة في وطنهم.  وزاد من وطأة هذه الغربة مظاهر التعصب في التعامل حتى من المواطنين العاديين، وذلك تحت ما يسمون بالدعاة الإسلاميين الذين أفسحت لهم وسائل الأعلام المرئية والمسموعة مساحات واسعة خلال العقدين الآخرين – مثل الشيخ متولي الشعراوي، ود. عمر عبد الكافي، ود. زغلول النجار وغيرهم"[3]. ويقول رفعت السعيد: "هل أخطأ الأقباط الذين عارضوا التمثيل النسبي بشدة عام 1922؟ وأكاد أجيب : لا لم يخطئوا، فلم يكن لأحد مهما كان متشائما أن يتصور أن تتردى أمور مصر إلى هذا الحد الذي وصلنا إليه"[4].

ولقد كان د. محمود عزمي محقا وبعيد النظر عندما دافع عن التمثيل النسبي معتبرا إنه يتماشى مع كمال التمثيل القومي، وأن الواقع المصري ليس بهذه الرومانسية فجماعة من خيرة مفكري مصر لم تستطيع أن تعارض في لجنة الدستور اقتراح النص على دين الدولة الرسمي.. وإلى أن يتم معالجة الهوة بين الطوائف يجب احترام الواقع وحذار من إهمال اعتباراته[5]. وأختتم د. عزمي كلامه مخاطبا صديقه عزيز ميرهم قائلا " إنكم لا تدرون ما الذي ستأتي به الأيام"[6].

إن الأقباط الذين رفضوا مبدأ التمثيل النسبي عام 1923 بعضهم كان حسن النية متفائلا بالمستقبل والبعض الآخر كان مزايدا يسعي لتحقيق مصالحه على حساب الأقباط، ونفس المشهد يتكرر اليوم بعض الأقباط مازال حسن النية ولم يستفيد ولم يقرأ التاريخ جيدا والبعض الآخر يسعي لمصالحه ويتاجر حتى بالآم الأقباط. وقد تدهور المناخ العام في مصر بالمقارنة بعام 1923 ولكن مما يؤسف له تراجع الصوت القبطي بعد أن تم إرهاق الأقباط سياسيا خلال نصف القرن الأخير وضعفت مكانتهم في الحياة السياسية العامة وكثر المزايدون والنفعيون فيما بينهم، وقد ذكر لي صديق ،يشغل عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو رئيس مركز حقوق إنسان، إنه عندما طرح فكرة التمثيل النسبي للأقباط في المجلس عارضه الثلاثة الأقباط المعينون بالمجلس وهم منير فخري عبد النور وفهمي ناشد وجورجيت قليني بالإضافة طبعا إلى د. بطرس غالي الذي لم يطرح الموضوع أصلا للمناقشة. هل رأيتم إلى أي مدي تدهورت أحوال مصر وأحوال الأقباط؟

يكفي أن نشير إلى أن أقوي الأصوات التي تدافع عن التمثيل النسبي للأقباط والمرأة في مصر حاليا هم من المسلمين العلمانيين وعلى رأسهم رفعت السعيد وسعد الدين إبراهيم وبهي الدين حسن مدير مركز القاهرة وحزب مصر الليبرالي العلماني تحت التأسيس وبعض المثقفين المسلمين الليبراليين.

لماذا نطالب بالتمثيل النسبي؟

تعرض الأقباط لمظالم تاريخية وتهميش قسري خلال نصف القرن الأخير، وفيما يتعلق بالتعيينات السياسية هناك ظلم متعمد واستبعاد رسمي من هذه التعيينات، وفيما يتعلق بالتمثيل النيابي هناك ما سماها رفعت السعيد "بالأوضاع المانعة". فمنذ خمسين عاما والأقباط يحاولون دخول المجلس النيابي بنسب عادلة ولكنهم فشلوا أو بمعني أوضح أفشلوا من قبل النظام السياسي والقوى السياسية ولا يستقيم هذا التمييز السافر وفلسفة المواطنة والديمقراطية التي يرفعها الرئيس حاليا، فالتمييز كما يقول البروفيسور تينسلي ياربرو المتخصص فى أوضاع الأقليات "إهانة لمجتمع ديمقراطي" Discrimination an affront to a democratic society. ونحن سعداء بالمطالبة بتمكين المرأة وما ينطبق على المرأة ينطبق على الأقباط فكلاهما تعرض لتهميش وتمييز متعمد، وآليات المعالجة واحدة في الحالتين. فالكلام النظري عديم الجدوى ونحن ننتظر تقنيين العمل دستوريا بما يعزز المواطنة بشكل واضح وعملي.

ما هو الحل؟ وما هو العلاج؟

هناك تجارب لدول تعاملت مع قضية انتهاك حقوق الأقليات ويمكن الاسترشاد بها ونحن أمام ثلاثة مستويات من الحلول: حلول تتعلق بالمظالم التاريخية: وهي تسمي في القانون بالإجراءات الخاصة special measures  وقد اتخذت هذه الإجراءات أكثر من مسمي وآلية ففي أمريكا تسمي "الإجراء التوكيدي" Affirmative Action وفي أوربا تسمي "التمييز الإيجابي" Positive Discrimination  ، وفي بعض الدول تسمي بالإنعاش الملائم للأقليات عن طريق المعاملات التفضيلية Preferential Treatment، وهي إجراءات لمساندة الجماعات المضطهدة والمهمشة حتى انتهاء الاضطهاد والتهميش والارتقاء بوضعها ليماثل وضع الأغلبية، إذن هي إجراءات مؤقتة لضمان المعاملة المنصفة لأعضاء مجموعات تعرضت تاريخيا إلى تمييز مقصود، كما أنها لتسريع قيام مجتمع مندمج بالفعل.

ويسميها فتحي رجب "بالمساواة الرافعة" لرفع مستوي الضعفاء إلى مستوي الأقوياء أو خفض مستوي الأقوياء إلى مستوي الضعفاء (المساواة الخافضة).. وعلى ذلك كما يقول فتحي رجب فإن الأمر لا يدور في فلك المساواة بين متساوين بل يتمحور حول مبدأ التمييز بين غير متساوين[7].

أما الآليات فتتمثل في قوانين وقرارات سلبية، بمعني إنزال العقاب بمن يمارس الاضطهاد والتمييز ضد هذه الجماعة أو تلك، وإيجابية، بمعنى إجراءات تفضيلية تعطي الأولوية لأفراد الجماعات المضطهدة والمهمشة في التعليم والوظائف والمناصب السياسية، وإفساح المجال أمامها للتمثيل في المجالس التشريعية.

حلول تتعلق بالوضع المستقبلي: وهي تتعلق بحقوق الأقباط في ظل نظام ديمقراطي، بمعني أن الديمقراطية الحقيقة هي الحل الأمثل للأقليات في المدى الطويل الدائم، وهذا بدوره يتمثل في شقين.

الشق الأول أهمية أن يشارك الأقباط بدفع مصر إلى طريق الديمقراطية والتحديث وأن يتاح لهم المجال لذلك. والشق الثاني التأكيد على حقوقهم في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، فممارسة الديمقراطية ترتبط أساسا بالمواطنة، فالمواطنة تعني "المشاركة" و "المساواة" ومن ثم فالديمقراطية الكاملة تعني المساواة الكاملة والحقوق المتكافئة.

والديمقراطية تعزز حقوق المواطن من خلال سيادة القانون، والفصل التام بين الدين والدولة، والفصل الحقيقي بين السلطات ومباشرة الفرد لحقوقه السياسية، وممارسة حق الانتخاب في المؤسسات الوسيطة، واحترام الحريات الفردية وصونها وحمايتها.

على أن هناك مفهومين يرتبطان بالديمقراطية الحديثة.

الأول: هو "الديمقراطية التمثيلية" Representative Democracy ويعني أن أى نظام ديمقراطي لا يشتمل على تمثيل برلمانى مناسب لكافة شرائح المجتمع والجماعات المكونة له يكون  نظاما ديمقراطيا ناقصا ومشوها.

الثانى: البيروقراطية التمثيلية Representative Bureaucracy وتعنى أن أي نظام سياسي ديمقراطي حقيقي لابد أن يعبر هيكله السياسي من قاعه إلى قمته عن تواجد مناسب لكافة شرائح المجتمع والجماعات المكونة له. وفي حالة عدم وجود هذا التمثيل نكون إزاء نظام ديمقراطي بيروقراطي ناقص ومشوه.

وفي حالة غياب أي من "الديمقراطية التمثيلية" أو "البيروقراطية التمثيلية " يحتاج النظام السياسي في هذه الحالة إلى آلية من آليات "الإجراء التوكيدي" حتى يصحح النظام الديمقراطي نفسه مستقبليا.

وبناء على ذلك يجب تحديد نسبة في حدود 15% للأقباط في المجالس التشريعية وكذلك في المناصب السياسية والوظائف الإدارية للدولة ونسبة في حدود 30% للمرأة المصرية حتى يستقيم النظام السياسي ويصحح ذاته مستقبليا ليقترب من الأنظمة الديمقراطية الحديثة[8].

وكما يقول رفعت السعيد هناك 92 دولة قد أقرت مبدأ تخصيص مقاعد للنساء سواء بتحديد حصة أو مطالبة الأحزاب بتوفير هذه الحصة أو بوضع تشريعات في هذا الاتجاه. ولهذا يقترح أن تكون الانتخابات بالقائمة النسبية على أن يكون رقمي 3 و6 في ترتيب القائمة مخصصين للنساء ورقم 4 مخصصا للأقباط.. أو أي شيء مماثل، المهم أن نكفل نظاما انتخابيا يحقق لنا مجلسا تشريعيا يمثل الشعب المصري حقا.. أقصد الشعب المصري دون إقصاء لأحد فذلك الإقصاء مخالف للدستور وللعقل وللوحدة الوطنية[9].. ويقول سعد الدين إبراهيم "لابد من تعدل الدستور لينص على حد أدني من مقاعد المجالس المنتخبة تخصص للأقباط، ولتكن 10 في المائة وهناك مطالبات مماثلة للمرأة. إن تخصيص حصة لهاتين الفئتين لهو خير وأبقي من النصوص والممارسات العقيمة بتخصيص نسبة 50 في المائة للعمال والفلاحين التي هي بدعة لا يأخذ بها أي دستور في العالم في الوقت الحاضر. بينما تخصيص حصص مئوية للنساء والأقليات هو ممارسة مستقرة في العديد من البلدان الديمقراطية مثل بلجيكا وهولندا وسويسرا وأسبانيا وغيرها.. فضمان المشاركة الحقيقية لكل المواطنين أهم من الإدعاءات الكاذبة بعدم وجود التفرقة الطائفية"[10]

ولكن السؤال هل يكفي نظام القائمة النسبية لإزالة التشوهات في تمثيل الأقباط والمرأة؟

الإجابة بالنفي. لابد من وجود ضمانات دستورية تنص صراحة على نسبة معينة كحد أدني لتمثيل الأقباط والمرأة، وهذه النسبة ستكون معيارا إجباريا مرشدا لكل الأحزاب لوضع الأقباط والمرأة في صدارة القوائم النسبية لضمان فوزهم.. وهناك العديد من الحلول الأخرى في النظم الانتخابية لتنفيذ التوجهات الدستورية بتمثيل الفئات المهمشة.

التمثيل النسبي والتمثيل الطائفي

يخلط الكثيرون بين التمثيل النسبي والتمثيل الطائفي ويلوحون في وجوهنا ويتهموننا بالطائفية كلما تحدثنا عن التمثيل النسبي للأقباط فما هو الفرق بين التمثيل النسبي والتمثيل الطائفي؟

أولا: التمثيل الطائفي جامد ودائم طالما ظل الوضع الطائفي كما هو، والتمثيل النسبي مرن ومؤقت ويتعلق باستخدام آليات ديمقراطية من أجل الاندماج الوطني وينتهي بانتهاء هذه المهمة.

ثانيا: التمثيل الطائفي ضد الديمقراطية ولهذا يمكن أن يطلق عليه "النظام الطائفى التوافقى"، والتمثيل النسبي مبدأ ديمقراطي متعارف عليه دوليا وتأخذ به الكثير من الديمقراطيات العريقة في العالم.

ثالثا: التمثيل الطائفي يحول الأقليات إلى كتل سياسية واحدة في مواجهة كتل طائفية أخرى، أما التمثيل النسبي فهو ضمانة دستورية لتواجد الأقليات في مختلف ألوان الطيف السياسي.

رابعا: التمثيل الطائفي يؤدي إلى العزلة والتقوقع بينما التمثيل النسبى آلية للاندماج.

خامسا: التمثيل الطائفي يضع معايير صارمة لتوزيع المناصب والحصص واللجان والتمثيل النسبي مؤشر إرشادي لتحقيق الديمقراطية العادلة.

سادسا: التمثيل الطائفي يقسم المجتمعات إلى أقلية وأغلبية طائفية أو إلى مجموعة من الكتل الطائفية في حين أن التمثيل النسبي يتماشي مع مفهوم الأغلبية والأقلية السياسية المتحركة والتي تمثل العمود الفقري للنظام الديمقراطي.

سابعا: في التمثيل الطائفي النائب يمثل طائفته فقط في المجلس التشريعي ولكن في التمثيل النسبي النائب يمثل الأمة كلها ويتوزع على تيارات سياسية مختلفة وربما متعارضة تماما كاليمين واليسار والوسط.. الخ.

ثامنا: في التمثيل الطائفي ينتخب النائب من أبناء طائفته فقط أو من منطقة جغرافية تتركز فيها طائفته، أما التمثيل النسبي فينتخب النائب في أي منطقة، بل ويجبر التمثيل النسبي المواطن العادي على اختيار الآخر المختلف معه دينيا أو عرقيا انصياعا للديمقراطية الحقيقة ومتطلباتها.

تاسعا: التمثيل الطائفي يأتي من آجل العدالة الطائفية، أما التمثيل النسبي فهو من آجل تحقيق العدالة السياسية والتى هى متطلب أساسي للدولة الديمقراطية الحديثة..

عاشرا: المدخل إلى التمثيل النسبي رؤية طائفية ولكن المدخل إلى التمثيل النسبي رؤية سياسية ديمقراطية.

حادي عشر: التمثيل الطائفي يشجع على المنازعات بل حتى الاقتتال، أما التمثيل النسبي فيؤدي إلى التوافق المرتكز على العدالة في شمول الديمقراطية لكل ألوان الطيف السياسى والمجتمعى.

ثاني عشر: التمثيل الطائفي يعبر عن المصالح الخاصة للطائفة كطائفة، أما التمثيل النسبي فيعبر عن مصالح الأمة وإن كان يعزز وضع الأقلية ومصالحها إلا أن المصلحة العليا في النهاية هي مصلحة الوطن.. ففي ظل النظم الديمقراطية المستقرة لا يوجد تعارض بين مصالح الأقليات ومصالح الدولة ككل بل العكس كلها تصب في شق واحد لصالح دولة حديثة مترابطة مندمجة.

ثالث عشر: في التمثيل الطائفي تحتكر الأغلبيات الطائفية جل المنافع وتسيطر هذه الأغلبيات على مقدرات الدولة ولا تتزحزح إلا بالاقتتال للتنازل عن بعض هذا الاحتكار، أما في التمثيل النسبي فلا يوجد هذا الاحتكار لأنه آلية مؤقتة تعمل لإزالة الاحتكار ولصالح سيولة وحيوية النظام السياسي.

رابع عشر: التمثيل الطائفي يعبر عن الهروب من الالتزامات الحقيقية والكسل السياسي، أما التمثيل النسبي فهو اجتهاد متواصل لتحقيق أعلى معدلات الانسجام لمجتمع تعددي ديمقراطي.

خامس عشر: التمثيل الطائفي يتعارض مع مبدأ الجدارة السياسية أما التمثيل النسبي فيحقق مع مرور الوقت مبدأي الجدارة السياسية والعدالة السياسية معا.

لعل أبرز الأمثلة على التمثيل الطائفي هو في لبنان والعراق حديثا إذا استمر على نهجه الحالى، ولهذا تتواجد كل عيوب النظم الطائفية في هذين النموذجين. والذي لا أعتقد أنهما يمثلان أنظمة ديمقراطية وإنما أنظمة طائفية توافقية تتسم باستمرار المنازعات وتعميق الانشقاقات وسيادة نمط  التعصب للطائفة.

أما التمثيل النسبي في الديمقراطيات الحديثة فمسألة مختلفة، فلا يمكن تصنيف سويسرا مثلا على أنها نظام طائفي. وفي أمريكا عملت آليات التوكيد الإيجابي على رفع مستوى الأقليات إلى مستوى الجدارة السياسة المطلوبة، ويكفي أن نقول إن عدد السود في أمريكا يمثل 13% من تعداد السكان وكان نصيبهم في انتخابات الكونجرس الأخيرة 8ر9% من عدد النواب وهي نسبة معقولة جدا بالنسبة لكفاءتهم السياسية ويتواجدون كحكام ولايات وعمد للمدن وفي المناصب السياسية الرفيعة والمتنوعة. ونظرا للكفاءة والجدارة السياسية لليهود في أمريكا والذين يمثلون أقل من2% من تعداد السكان إلا أن نصيبهم في مجلس النواب الأخير 8ر6% وفي مجلس الشيوخ 13%.

وهكذا يعمل النظام السياسي بكفاءة لإدماج وإنصاف الأقليات المهمشة تاريخيا، وفي نفس الوقت إعلاء مبدأ الجدارة السياسية حيث تمثل الأقليات الأكفأ بنسب أعلى من نسبتها العددية. ونظرا لكفاءة الأقباط فقد وصلوا مثلا في البرلمان المصري عام 1942 إلى 24 نائبا من 250 نائبا في مجلس النواب بنسبة 9.7% وإلى 18 عضوا من عدد الكلي 100عضو في مجلس الشيوخ نسبة 18% ولكن نظام التهميش والظلم الذي فرضه عليهم نظام يوليو العسكري أوصلهم إلى هذا الوضع المأسوي والذي يضطر النظام إلى تعيين عدد أقل من أصابع اليد الواحدة على أساس ولاء المرشح للنظام الحاكم وبناء على تقارير أمنية ومخابراتية في معظمها تقول إنه لا يري ولا يسمع ولا يتكلم وعلى استعداد لبيع الطائفة التي من المفروض إنه يمثلها،أو من شخصيات تكنوقراطية مسالمة لا تصلح لممارسة لعبة السياسة لصالح الأقلية التى تنتمى إليها. ولهذا يرفض الأقباط نظام التعيين لأنه غير دستوري ويخلط بين السلطات ولا يعطي الأقباط حقهم العادل الذى يعكس جدارتهم السياسية، علاوة على أن المعينين لا يمثلون الأقباط لا من قريب ولا من بعيد.

 (2) التجارب الدولية فى تمثيل الأقليات والفئات المهمشة

السؤال المطروح والهام بالنسبة للشرق الأوسط المتعدد الأديان والأعراق واللغات، كيف يمكن إدماج هذا الموزاييك الرائع فى العملية السياسة لخلق دول حديثة منسجمة بدلا من هذا التطاحن الطائفى والمذهبى.

في هذه المقالة سوف أتناول المبادئ الحاكمة لتمثيل الأقليات في المواثيق الدولية والفقه الحقوقى الدولى، وكيفية تحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع، وأخيرا بعض النماذج المطبقة في عدد من الدول لمعالجة مسألة تهميش الأقليات.

أولا: المبادئ الحاكمة لحقوق الأقليات السياسية

يوجد الآن تراث دولي متراكم فيما يتعلق بحقوق الأقليات سواء في مواثيق الأمم المتحدة أو في الفقه الدولي لحقوق الإنسان وهنا سوف أركز فقط على ما يتعلق بالمشاركة السياسية للأقليات. فمنذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في مادته (21) على حق كل شخص في المشاركة في الشئون العامة لبلده، إلى إعلان الأمم المتحدة لحماية الأقليات الذي صدر في عام 1992 والذي أشار في مادته الثانية على "حق الأقليات في المشاركة الفعالة على الصعيد الوطني"، مرورا بالمادة (5) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والتي تتضمن الحقوق المتساوية للجميع في الانتخاب والترشيح والإسهام في الحكم وفي إدارة الشئون العامة على جميع المستويات وتولي الوظائف العامة على قدم المساواة…تراكم تراث دولى ضخم يعزز حقوق الأقليات السياسية، فالمشاركة الفعالة والنشطة والعادلة هي حق أساسي للأقليات فيما يتعلق بإدارة شئون بلدهم.

وقد توصل الفقه الدولي لحقوق الإنسان إلى مبادئ عامة حاكمة لإطار مشاركة الأقليات في العملية السياسية منها:

  • أفضل سبيل لضمان وتأكيد حقوق الأقليات هو تمثيلها العادل في المجالس التشريعية، وتواجدها بشكل عادل في كافة أجهزة الدولة على أساس مبدأي "المساواة في الفرص"، "والجدارة السياسية والوظيفية".
  • حكم الأغلبية ومبدأ حماية الأقلية هما عمادان متلازمان لأي بناء ديمقراطي، ويأتي في صلب مبدأ حماية حقوق الأقليات حقهم في معارضة ونقض أي تشريع أو قانون يمس وضعهم وحقوقهم الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أو يتناقض مع مقررات ومواثيق حقوق الأقليات في المواثيق الدولية، وبدون توفر هذا الحق نكون إزاء أغلبية مسيطرة ومستبدة تعتدي على حقوق الأقلية ويتنافي ذلك بالأساس مع جوهر الديمقراطية.
  • ليس من حق أية أغلبية في ظل نظام الحكم الديمقراطي أن تسلب الحقوق والحريات الأساسية للفرد أو للأقليات.
  • الأقليات بحاجة إلى ضمان بأن الحكومة ستحمي حقوقها ومصالحها المشروعة وهويتها الذاتية ويتحقق ذلك فقط من خلال نصوص دستورية واضحة وقوانين تنص على حماية الأقليات وتحترم الالتزامات الدولية، وعمليا من خلال مشاركة عادلة وكاملة للأقلية في الحكم والحياة العامة للمجتمع.
  • اتخاذ الدول إجراءات خاصة تصب في حماية حقوق الأقليات، مع حظر استخدام مصطلح الأقلية للحد من حقوق الأفراد أو من وضعهم كمواطنين، بل بالعكس كما جاء في تفسير لجنة حقوق الإنسان بجامعة منيسوتا فإن نص المادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الخاصة بالأقليات هو حق متميز وزائد على جميع الحقوق الأخرى التي يحق لهم كأفراد مثل سائر الناس التمتع بها بموجب هذا العهد.
  • أن ممارسة الضغوط على أقلية لإنكار وضعها كأقلية لا ينتقص من حقوقها كأقلية أو يخفف من التزامات الدولة تجاه هذه الأقلية بل يفسر كوجه من أوجه اضطهاد هذه الأقلية لإنكار وضعها وتوصيفها.
  • إن النظام الديمقراطي الحقيقي هو الذي يحترم التزامات الدول فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وهو النظام الذي يشجع ويساند جميع فئات المجتمع للمساهمة في صنع القرارات ويحرر مجتمعه من التمييز.

ثانيا: الآليات المتعددة لتمثيل الأقليات

إذا صدقت النوايا فيما يتعلق بإزالة التهميش المتعلق بمشاركة الأقليات في المجالس النيابية، فإن التراث الدولي ترك لنا مجالا واسعا سواء من ناحية الآليات المتبعة لتمثيل هذه الأقليات أو من ناحية النماذج المتعددة التي تطبقها الدول فعليا من أجل إيجاد تمثيلا عادلا لأقلياتها، وعلى كل دولة أن تختار من هذه الآليات ما يناسب وضعها أو تسترشد بالدول التي تراها حققت نجاحا في هذا المضمار وتتشابه مع حالتها، أو تتبع أكثر من آلية في وقت واحد... المهم في النهاية أن تجد الطريقة المناسبة لإدماج أقلياتها بشكل فعال وعادل في العملية السياسية وفي التمثيل النيابي.

وهناك العديد من الآليات في هذا الإطار نذكر منها:

1- نظام تخصيص المقاعد Allocation of Seats

وهذا النظام يتعلق بحجز عدد معين من مقاعد المجالس النيابية لكل أقلية على حدة، هذا النظام مطبق في دول مثل الأردن والهند وباكستان وكولومبيا وكرواتيا وسلوفاكيا وفنلندا وإقليم كردستان والسلطة الفلسطينية.

ممثلو الأقليات حسب هذا النظام يتم انتخابهم من قبل ناخبي الأقلية أنفسهم ويتم تسجيل هؤلاء الناخبين في سجلات خاصة بهم بحيث يتم التنافس على المقاعد المخصصة لهذه الأقلية من قبل الكيانات السياسية التابعة لهذه الأقلية.

  • في فنلندا تقوم الأقلية الناطقة باللغة السويدية في جزيرة آلاند بانتخاب ممثليها من قائمة مفتوحة خاصة بهذه الأقليات بحيث يستطيع الناخب اختيار أسم مرشح معين داخل القائمة وليس القائمة ككل.
  • في الهند تضمن المادة 332 من الدستور الهندي عدد محدد من المقاعد لبعض القبائل والطبقات المضطهدة.
  • في باكستان يتم تخصيص 5% من المقاعد النيابية للأقليات المسيحية والهندوسية والسيخية.
  • في الأردن تم تخصيص 12 مقعدا من أصل 110 مقاعد في البرلمان الأردني للأقليات المسيحية والشركسية منها 9 مقاعد للأقلية المسيحية وثلاثة للشراكسة(أنظر، كمال سيد قادر: نحو تمثيل عادل للأقليات فى العراق 30 أكتوبر 2004)[11].

نلاحظ في هذا النظام أن المقاعد المحجوزة قد تزيد عن نسبة الأقلية العددية كما في الأردن أو تقل عنها كما في باكستان المهم لا تحجز هذه المقاعد المحددة سلفا بناء على نسبة عددية مجحفة أو تمثيل مطابق تماما للنسبة العددية.

2- نظام الحد الأدنى كنسبة مئوية للتمثيل

في هذا النظام يحدد الدستور حد أدني كنسبة مئوية لتمثيل الأقليات لا يجب أن تقل عنها على أن يظل الحد الأعلى كسقف مفتوح، لضمان تواجدهم كحد أدني في المجالس التشريعية وفي نفس الوقت فتح سقف تمثيلهم ليتجاوز أو يقل عن نسبتهم العددية وفقا لجدارتهم السياسية، وهذا هو النظام الذي أحبذه بالنسبة للأقباط والمرأة في مصر بوضع حد أدني 10% لتمثيل الأقباط و20% لتمثيل المرأة على أن يظل الحد الأعلى مفتوحا وفي ظل نظام ديمقراطي حقيقي وانتخابات نزيهة يمكن أن يتجاوز الأقباط نسبتهم العددية في المجتمع نظرا لارتفاع مستوي جدارتهم السياسية في المشاركة والتفاعل السياسي كما كان يحدث فى الماضى.

3- نظام التمثيل النسبي Proportional Representation   

    وفي هذا النظام تخصص نسبة للأقليات في المجالس التشريعية تعادل نسبتهم العددية، ومما هو جدير بالذكر أن هذا النظام متحرك وفقا لتحرك نسبة الأقليات صعودا وهبوطا في تعداد السكان.

    وهذا النظام يواجه صعوبات جمة فيما يتعلق بإنكار بعض الدول للنسب الحقيقية لأعداد أقلياتها وفي مقدمتها مصر التي تزور التعداد للحد من طموح الأقلية القبطية السياسي ومطالبتها بحقوقها العادلة فى التمثيل والتواجد السياسى.

4- التصويت التفضيلي Preference Voting

    وذلك بوضع أسماء الأقليات في صدارة ترتيب القوائم الانتخابية لضمان اختيارهم عند التصويت، وتوزيع ذلك التفضيل على كافة القوائم بحيث تكون المحصلة النهائية هي اختيار مؤكد لنسبة معقولة تمثل هذه الأقلية[12].

5- إعادة تقسيم الدوائر Re-Districting

    وفي هذا النظام يعاد تقسيم الدوائر لصالح تكثيف تواجد الأقليات في دوائر محددة تضمن نجاح ممثليهم في هذه الدوائر، أو لرفع غبن قائم بالفعل كما هو الحال في تركيا التي تقسم دوائرها الانتخابية بشكل منحاز بشدة ضد الأكراد هناك.

6- غلق دوائر على أعضاء الأقليات أو يسميها البعض بالمناطق الجغرافية الخاصة

Special Districts or Creation a Districts

    وقد أخذت بهذا النظام على سبيل المثال الولايات المتحدة حيث أدخلت الحكومة تعديلات على قانون حق التصويت لعام 1965 وفقا للإحصاء السكاني لعام 1990 بحيث أغلقت عدة ولايات مناطق يشكل فيها الأمريكيون السود والأسبانيين أغلبية انتخابية.

وقد نصت هذه التعديلات على أن الانتخابات على مستوي الولاية تصبح باطلة ليس فقط إذا كان لها قصد تمييزي بل وأيضا إذا كان مضمونها يؤدي إلى تقليل فرص الناخبين من الأقليات بانتخاب مرشحين يختارونهم، وقد أيدت المحكمة الأمريكية إنشاء مثل هذه الدوائر المغلقة[13].

7- استخدام آليات التمثيل الفوقي لمجاميع الأقليات

في هذا النظام تمثل الأقليات في البرلمان بنسب تفوق نسبهم العديدة من آجل المحافظة على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والاندماج الوطنى، وتطبق بريطانيا هذا النظام حيث أن لاسكتلندا وويلز ممثلون في مجلس العموم أكثر من المستحقين والمؤهلين لهذا المجلس، ويطبق هذا النظام أيضا في الأردن حيث يمثل المسيحيون هناك تسعة مقاعد بنسبة 2ر8% من مجموع المقاعد في حين أن نسبتهم العددية تمثل 6% من تعداد السكان[14].

8- القوائم الموحدة للأقليات

وفي هذا النظام تطرح الأقليات قوائم موحدة لها ويصوت لانتخاب هذه القوائم كل الناخبين في الدولة أغلبية وأقلية، فعلي سبيل المثال إذا تم الاتفاق على حد أدني خمسين مقعدا لأقلية معينة، يسمح للأقلية بالتنافس على مستوي الدولة لاختيار خمسين نائبا منهم يختارها مواطنو الدولة ككل.. أي تتنافس الأقليات فيما بينها ويكون الحكم في الاختيار هو المجتمع كله وميزة هذا النظام أن الشعب كله يختار ممثليه سواء من الأغلبية أو الأقلية وفقا لإرادته الحرة.

9- عضو يمثل الأقلية عن كل مقاطعة

وهناك نظام يتمثل فى تخصيص حد أدني أن تختار كل مقاطعة أو محافظة ممثلا عن الأقلية مثلا أن تختار كل محافظة مصرية ممثلا عن الأقباط وممثلا عن المرأة كحد أدني لتمثيلهم وفي هذه الحالة يضمن أن يكون البرلمان ممثلا لكل أقاليمه من الأقليات ،وإذا طبق هذا النظام فى مصر ففى هذه الحالة  يسمح بتواجد حد أدني وهو 26 شخصا قبطيا منتخبا في كل من مجلسي الشعب والشورى ومثلهم من النساء، وميزة هذا النظام هو وجود تمثيل للأقليات فى كافة المحافظات.

10- تحديد رقم محدد في القوائم النسبية مخصص للأقليات

 وهو الاقتراح الذي تقدم به رفعت السعيد رئيس حزب التجمع فى مصر بحيث يكون هناك معيار إجباري بأن يخصص رقمى 3 و 6 في القوائم النسبية للنساء ورقم 4 للأقباط وهو نظام يضمن تواجد حد أدني لهذه الفئات المهمشة في العملية الديمقراطية[15].

11-وهناك نظام مناطق العضو الواحد، وهناك آليات المقاعد المحجوزة وغيرها الكثير من الآليات التى تعبر عن توسيع مفهوم المساواةExpanding Concepts of Equality .

بالإضافة إلى ذلك تستطيع الدولة تقديم حوافز خاصة لتشجيع الأقلية عن طريق تقديم دعاية إعلانية مجانية فى وسائل الإعلام الحكومية ،وتقديم دعم مالى لهم، وتشجيع الأقلية فى الحصول على بطاقات انتخابية، وحماية عملية التصويت من العنف والبلطجة وهو غالبا ما يخيف أفراد الأقليات المسالمة كالأقباط والنساء فى مصر[16]

والخلاصة أنه لا يكتمل أي نظام ديمقراطي حقيقي إلا بتمثيل الأقليات بشكل عادل، وعليه يجب وضع ضمانات دستورية وقانونية تضمن هذا التمثيل  ويترك للنظام الانتخابى حرية اختيار الآلية التي تناسب كل بلد لتحقيق هذا التمثيل.

 ولهذا يجب أخذ ذلك في الاعتبار في التعديلات الدستورية الحالية فى مصر وإذا لم يحدث نكون إزاء أغلبية مسيطرة ومستبدة تريد أن تستأثر بالسلطة وتترك الفتات للأقلية وهذا يتناقض مع الديمقراطية ومع متطلبات الدولة الحديثة ويهدد السلام الاجتماعي ويزيد من عزلة الأقلية.

(3) التمييز الإيجابى مرة أخرى

قبل التعديلات الدستورية الأخيرة حضرت من واشنطن إلى القاهرة خصيصاً للمشاركة فى النقاش الوطنى حول هذا الموضوع الهام والحيوى والذى لا يتكرر كثيرا، وكان ما يشغلنى أمرين الأول هو التأكيد فى الدستور على مدنية الدولة بما يعنى حذف المادة الثانية من الدستور أو تعديلها بشكل يجعل منها رمزية وليست ملزمة للمشرع للرجوع إليها ،وقد شاركت مع حملة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لتعديل هذه المادة وجمعنا أكثر من مائتى توقيع من كبار مثقفى مصر ومفكريها وتولى منتدى الشرق الأوسط للحريات تكاليف نشر هذا البيان الهام بكامل أسمائه كإعلان فى جريدتى وطنى والأهالى . والأمر الثانى الذى كان يشغلنى هو وضع آلية للتمييز الإيجابى لكل من الأقباط والمرأة ، وقدمت بحثاً عن هذا الموضوع فى مركز القاهرة أيضا وأرسلته إلى بعض أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان والى كل من يهمه الأمر فى مصر لفتح حوار مجتمعى حوله . وقد أسعدنى فتح الحوار مرة أخرى حول التمييز الإيجابى فى مصر بين زملاءنا فى  ( مصريون ضد التمييز الدينى) وهو نقاش ثرى ووطنى وينطلق من نوايا طيبة نحو البحث عن حل لهذا التمييز السلبى الذى يقع على الأقـبــــــاط والمرأة فى مصر ، ولكن يبدو أن بعض زملاءنا لم يقرءوا  جيدا ًما جاء فى بحثى الذى أرسلته لهم ولهذا وجب على أن أوضح عدد من الملاحظات حول هذا الموضوع .

أولا: يخلط البعض بين المبدأ والآلـــــيات، فالمبدأ هو تحقيق العدالة السياسية أو ما كان يسميها د. محمود عزمى " كمال التمثيل القومى " بإدماج كافة الجماعات الوطنية فى كافة المناصب السياسية وفى التمثيل البرلمانى، المهم الوصول إلى تحقيق المبدأ على أرض الواقع لتحقيق ولتوسيع مفهوم المساواة الحقيقية عملياً . وقد طرحت فى بحثى ثلاثة عشر آلية مختلفة أخذت بها المجتمعات الديمقراطية لإدماج الفئات المهمشة سياسياً ،ومن ضمن ما طرحت آلية القوائم النسبية ، وهى واحدة ضمن بدائل عديدة. قد يقول البعض إنه يرفض الكوتة ويتحمس البعض الآخـــــر لها ... ولكن فى النهاية هو خلاف على الآلية وليس على المبدأ وإذا خلصت النوايا فيمكن الاختيار بين العديد من الآليات وفتح حوار حول ما هو أنسب لكل مجتمع بحيث يمكن تطبيقه بسلاسة على أرض الواقع.

 يختلف البعض أيضا على التسمية وهذا أيضا جدل جانبى لا ينطوى على إخلال  بالمبدأ، ففى أمريكا يسمونها "إجراءات الفعل التوكيدى" وبعض دول أوروبا تسميها "التمييز الإيجابى" ودول أوروبية أخرى تسميها  "المعاملات التفضيلية" ودول أخرى تسميها "آليات  الإنعاش الملائم للأقليات"  ويسميها القانونى المصرى فتحى رجب بـ "المساواة الرافعة"، لرفع مستوى الضعفاء إلى مستوى الأقوياء، ويمكن تسميتها   "آليات الدمج السياسى لكل مكونات الأمة "  أو "تفعيل المواطنة " عن طريق إجراءا خاصة لتعزيز المشاركة والمساواة، أو "آليات  التمثيل والتواجد العادل للأقليات" أو حتى  تعزيز"قانون التنوع"، فالتسمية ليست هى المشكلة وإنما العمل الحقيقى لتحقيق هذه المساواة والمشاركة عن طريق إجراءات خاصة تعويضية للمظالم التاريخية التى أثرت بالفعل على تطبيق أركان المواطنة.

ثانيا : التمييز الإيجابى قد يطبق لصالح الأقلية أو لصالح الأغلبية، ففى أمريكا مثلا طبق لصالح الأقليات أما فى دولة مثل ماليزيا فقد صرح مهاتير محمد رئيس الوزراء السابق إنه يطبق التمييز الإيجابى لصالح الأغلبية المسلمة لأنها الأقل ثراء ومشاركة فى النشاط الاقتصادى ، فالنهضة هناك قائمة على أكتاف الماليزيين من أصول صينية وهم ليسوا بمسلمين. والتمييز الإيجابى قد تستفيد منه أقلية ليست كفء أو أقلية تتمتع بالكفاءة والجدارة السياسية والاقتصادية ولكن هناك أوضاع مانعة تحول دون مشاركتها ، ففى أمريكا مثلاً استفاد اليهود من قوانين "الحقوق المدنية" حيث كانوا يتعرضون لاضطهاد مثلهم مثل السود ،وكانت بعض المطاعم فى أمريكا يكتب عليها (ممنوع الدخول  للسود واليهود والكلاب ) واستمر ذلك حتى ستينات القرن الماضى ، واستفاد اليهود من هذه القوانين مثلهم مثل السود ، فالسود رفع التمييز الإيجابى وقوانين الحقوق المدنية من كفاءتهم ومشاركتهم، وبالنسبة لليهود رفع من مشاركتهم ،فهم يتمتعون بالكفاءة ولكن هذه القوانين الصارمة أزالت عوائق أمام هذه المشاركة و لهذا هم يمثلون فى مجلس الشيوخ الأمريكى الحالى نسبة 13%  رغم  أن نسبتهم العددية أقل من 2 %.

وهنا قد يقول قائل أن التمييز الإيجابى فى مصر يطبق علي المسلمين لأن الأقباط كانوا مستحوذين على أعلى من نسبتهم قبل الثورة ،والحقيقة أن هذا الكلام مغلوط وغير صحيح ،فالأقباط منذ دخول العرب  مصر وكما يقول د. شوقى كراس "غرباء فى وطنهم " وما حدث إبان فترة الليبرالية المصرية هو بدايات التصحيح لخلل مزمن لإدماجهم فى الحياة السياسية بشكل صحيح ولم يكن الأقباط أبداً فى فترة من فترات التاريخ يستحوذون على أعلى من نسبتهم العددية وجدارتهم السياسية...فنحن نتكلم هنا عن السياسة وليس الاقتصاد . ما حدث بعد ثورة يوليو هو نكسة حقيقية للأقباط بعودة التهميش السياسى الواقع عليهم مرة أخرى ، ومن ثم تراكمت المظالم السياسية لمدة تزيد عن نصف قرن ويحتاجون إلى آليات حقيقة لإعادة إدماجهم بشكل عادل مرة أخرى .

ثالثا : التمييز الإيجابى لا يحدث عبر استفتاء شعبي وإنما عبر إرادة سياسية فوقية ، وهذا ما حدث فى أغلب المجتمعات التى أخذت به ، فالأغلبية لن تتخلى طوعيا عن ميزة اكتسبتها إلا بقوة القانون وصرامة تطبيقه .... فنحن هنا إزاء مبدأ إجبار الأغلبية، وهذه أمور لا تتم بالتراضى مع العوام وإنما بالإجبار، ولن يتم التمييز الإيجابى إلا بإرادة شخصيات فذة وقائدة من الأغلبية تجبر شعبها على ذلك ، وأيضا نتيجة لنضال مستمر من الأقليات .فنحن هنا إزاء قيادات من الأغلبية ترى وتعمل على مصلحة الوطن ككل من خلال العدالة السياسية التى ترفع الغبن عن الفئات المهمشة وأيضا نضال مستمر ومتواصل من الأقليات يؤدى إلى خلق حالة وطنية بدورها تخلق قيادات وطنية من الأغلبية تتبنى هذا الدور.

الموضوع ببساطة ليس حربا بين الأغلبية والأقلية وإنما تحالف بين العقلاء لصالح مجتمع ديمقراطى سليم يأخذ بآليات مؤقتة لرفع المظالم التاريخية عن الأقليات ، فهو تحالف من آجل الوطن يقوده مناضلون من آجل الحرية من الطرفين.

رابعاً: التمييز الإيجابى لا ينطبق على البرلمانات المنتخبة فقط وإنما على الوظائف السياسية والإدارية أيضا، فالحوار يدور وكأننا نتحدث عن المجالس التشريعية فقط ، وإنما حقيقة الأمر أننا أيضا نتحدث عن المناصب السياسية والإدارية فى الدولة وبالنسبة للأقباط مثلا هناك العديد من الهيئات والمؤسسات المتعلقة بصنع القرار ومغلقة أمامهم بشكل كامل وهذه لا تحتاج إلى قانون منع التميز وتكافؤ الفرص الذى ينطبق على الوظائف التنافسية ،وإنما قانون للتمييز الإيجابى يسمح بتواجدهم بنسبة معقولة ،وليست كديكور، تعويضاً لهذا الحرمان المستمر منذ عشرات السنين. فأغلب التعيينات في هذه المناصب تتم بإرادة سياسية فوقية ومن ثم تنتفى فكرة التنافس الوظيفى فيها لأنها تعيينات سياسية، وهذا ينطبق على أغلب المؤسسات ومجالس صنع القرار فى مصر والمؤسسات السيادية والمؤسسات الأمنية والمخابراتية بما فى ذلك مجلس الشورى نفسه الذى من سلطة رئيس الجمهورية تعيين ثلث أعضائه فكم عضو من الأقباط عينهم سيادته؟، هذا أبسط مثال... قانون منع التمييز إذا صدر وطبق بصرامة سوف يؤدى إلى تكافؤ الفرص فى الوظائف التنافسية أما بالنسبة للوظائف السياسية  الخاصة بالهيئات والأجهزة السيادية فهذه تعبر عن إرادة سياسية عليا لمن يحكمون ويتحكمون وهذا يتطلب تغيير هذه الإرادة بالنضال والعمل المشترك بين المسلمين والأقباط المستنيرين المحبين لوطنهم . فهناك أمور يكفى فيها إزالة التمييز السلبى وتجريمه وهناك أمور أخرى تحتاج إلى تمييز إيجابى لسببين للتعويض عن مظالم تاريخية وأيضا لأنها ليست متاحة عبر التنافس الوظيفى العادى.

خامسا: هناك ملاحظه أخرى مرتبطة بالسابقة أن إزالة التمييز السلبى عبر تجريمه وإتاحة الفرص المتكافئة للجميع على أرضية الجدارة الوظيفية هو الخطوة الأولى نحو التمييز الإيجابى ،فهو خطوة هامة جدا، ولهذا سيعمل منتدى الشرق الأوسط للحريات مع كافة مؤسسات المجتمع المدنى وكل القوى الوطنية الحية على سرعة إصدار مثل هذا القانون الهام لمستقبل مصر ، ولكن هذه الخطوة الهامة يلزمها أيضا إجراء خاص محدد لإدماج المرأة والأقباط.

سادسا: هناك أمر خطير وهو محاولة البعض الإيحاء بأن السياسة من نصيب الأغلبية والبيزنس من نصيب الأقلية القبطية،وهذا عبث مرفوض معناه تحويل الأقباط إلى جالية تعمل على تنمية مواردها وتأمين حياتها الاقتصادية .فالأقباط  مواطنون، والمواطنة تتعلق أساساً بالمساواة والمشاركة. كما أن إدعاء أن الأقباط يستحوذون على ثروات ونشاط اقتصادي يفوق نسبتهم بكثير ،كما صرحت وزيرة القوى العاملة فى ردها السلبى على منظمة العمل الدولية ،بأن الأقباط يستحوذون على ثلث النشاط الاقتصادي، هذا كلام  علاوةً على سخافته مرفوض وغير صحيح ولا توجد دراسة علمية  واحدة تؤكد أو تنفى هذا الكلام ،وكل ما قرأته من دراسات اقتصادية  تقديرية تقول أن نصيب الأقباط من النشاط الاقتصادى فى حدود 15 % ومن الثروة أقل من 10% ومن الائتمان المحلى أقل من 2% وهى دراسات تقديرية قام بها البعض ومنهم الأستاذ ماجد عطية ولكن لا توجد إحصاءات مؤكدة عن نصيب الأقباط والمسلمين من الثروة والنشاط الاقتصادي.

سابعا : يجادل البعض أن المسألة لن تحل بتعيين نسبة من الأقباط فى المناصب السياسية فقد يكون هؤلاء اشد ظلماً على الأقباط من إخوانهم المسلمين.وهذا المنطق مغلوط لعدة أسباب لأن الفقه الدولى لحقوق الإنسان اتفق على أن أفضل سبيل لضمان حقوق الأقليات هو تمثيلها العادل فى المجالس التشريعية وتواجدها بشكل عادل فى كافة أجهزة الدولة السياسية والأمنية، فهذا أهم ضمانة لعدم التمييز ضدها، ولأنه عند تعيين بعض الأفراد بشكل رمزى تجميلى ديكورى يسهل السيطرة عليهم ولكن عندما تكون نسبة محترمة بين 10 – 15% من الأقباط فى كافة المناصب لا يمكن أن يكون كل هؤلاء خونة لقضيتهم، علاوة على أنه فى المرة الأولى قد يكون الكثيرين موالين لمن عينهم ولكن عندما يتأكد أن هذا حق للأقلية سيكون الولاء للنظام الديمقراطي الذى أفرز تواجدهم فى كافة المناصب السياسية والولاء أولاً للوطن الذى أنصفهم وليس للنظام الذى عين حاشيته وشلته من المسلمين والأقباط ..عجلة الزمن والنظام  الديمقراطي والحيوية السياسية ومشاركة الأقلية كلها عوامل ستفرز ممثلين حقيقيين للأقلية فى كافة الهياكل السياسية والنيابية.

ثامنا: هناك من يطرح أن التمييز الإيجابى لن يوقف العنف ضد الأقباط ،وهذا رأى مردود عليه لأسباب عدة، أن العنف أحد نتائج التمييز ولكن متى وقع فهو جرائم تحتاج إلى سيادة القانون وتطبيقه على هؤلاء المجرمين واضطهاد يحتاج إلى سلطة الردع القانونى على من يعبثون به، وثانياً التمييز الإيجابى أدى بالفعل إلى تقلص العنف ضد السود فى أمريكا، وثالثا التمييز الإيجابى يخلق أقلية ممثلة فى البرلمانات وفى المناصب السيادية والأمنية وهذه الأجهزة الأمنية كانت سبباً فى تفاقم العنف ضد الأقباط، ومن ثم فإن تواجد الأقباط فى الأجهزة الأمنية  السيادية سيقلص العنف ضدهم ، وتواجد الأقباط فى المناصب السياسية والمجالس التشريعية  وفى المناصب الإعلامية سيخلق حالة من التوازن الثقافى والإعلامى تسلط الضوء على انتهاك القانون وتخلق حيوية لدى الأقلية تجعلها تقاوم الاضطهاد والعنف بشكل إيجابى.

تاسعا : هناك وهم آخر بأن الشارع المصرى سيقاوم التمييز الإيجابى للأقباط والمرأة ...فهذا منطق علاوة على انه ربط التغيير بمزاج الشارع المتخلف  فهو أيضا غير صحيح، فالشارع لم يثور على قانون نزع الأراضى الزراعية من صغار المزارعين رغم خطورة هذا القانون وتوقعات البعض وقتها بثورة عارمة..والشارع لم يثور بعد توقيع اتفاقية الكويز رغم التحريض الإعلامى المستمر ضد هذه الاتفاقية. والشارع لا يثار إلا إذا كان صانع القرار يريد تمييع الأمور واستخدام الشارع أو تحريضه، فالمفروض أن القيادة السياسية الواعية ترفع الشارع إلى مستواها عن طريق فرض الأمور الصحيحة فى البداية كما فعل محمد على باشا ومن ثم تغيير ثقافة الشارع تدريجياً  نحو تقبل التغيير والتأقلم معه.فالتحجج بالشارع هو عند الحد الأدنى تعبير عن الكسل السياسى والعقلى وعند الحد الأقصى هو وسيلة تبريرية يستخدمها السياسيون المغرضون للمزايدات وتعطيل الحلول الحقيقية، كما أن الشارع لم يثور عندما تطرقوا إلى التمثيل المناسب للمرأة فى التعديلات الدستورية الأخيرة ،ولن يثور إذا طبقت سياسة تمييزية للمرأة  على أرض الواقع ،ولم يعترض الشارع على لقب سيدة مصر الأولى رغم حداثة هذا الوصف على الثقافة المصرية... وهنا تحضرنى مقولة للباحث جاك تاجر فى كتابه القيم (أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى لمصر )، "لم يتذكر الولاة الشريعة والفقه إلا عندما أرادوا البطش بالأقباط ، سواء برغبتهم أو بتحريض من الرأى العام ".

والكلام عن الموائمة السياسية واستفزاز الشارع أو غيظ المسلمين كلها مصطلحات تعبر عن البدائية السياسية ،فالدولة تفرض العدل والمساواة بسلطة القانون فهذه هى وظيفتها ، ومع الزمن يتأقلم الشارع مع سلطة القانون ويتفاعل مع احترام القانون وهيبته ليفرز فى النهاية سلوكا منضبطا.

عاشرا : هناك مقولة مغلوطة أخرى أن التمييز السلبى الذى يتعرض له الأقباط هو تمييز عرفي، وهذا غير صحيح، فهو تمييز مخطط مقنن منظم ، فلا يمكن أن تغلق عشرات الجهات السيادية أمام الأقباط بدون مخطط واضح لذلك تنطلق منه هذه الفلسفة ، وثانياً هناك العديد من القوانين التمييزية، وهناك القرارات الإدارية ولها أيضا قوة القانون فى الواقع العملى  مثل الشروط العشرة للعزبي باشا الصادرة عام 1934،وهناك الأحكام القضائية التمييزية، وهناك النظام العام والعرف كمحصلة لكل ذلك. فهذه كلها أمور من التبسيط اختزالها فى العرف العام ، وإلا ما هو دور القانون إن لم يكن ضبط العرف العام وتهذيبه  فى إطار مقتضيات الدولة الحديثة. التمييز ضد الأقباط أوسع بكثير من مسألة العرف العام.

وأخيراً: ما أود أن أقوله أن التمييز الإيجابى أداة ديمقراطية إدماجية تتماشى مع المقررات الدولية واتفاقيات حماية الأقليات وفقه القانون الدولى الحديث وأخذت به الديمقراطية العريقة والحديثة على السواء، كما أن التعويل على أن التغيير المجتمعى سوف يؤدى إلى رفع الغبن عن الأقباط مع الزمن فهذا غير صحيح، وقد عول على ذلك من قبل القاضى المعروف عبد الحميد باشا بدوى عام 1923 بقوله" أن الفارق الدينى يضعف فى مصر الآن ولن يطول الزمن حتى يمحى فى علاقتنا الاجتماعية ونعفى تماما من جميع أثاره "، ولكن نبوءة  عبد الحميد باشا بدوى لم تتحقق وما حدث هو تدهور للمجتمع المصرى من الاندماج الوطنى تحت راية الجماعة الوطنية إلى تشتيت الانتماء عبر القومية العربية إلى تشتيت أكثر للانتماء عبر الأممية الإسلامية ،وانتشر التعصب الدينى وهو ما أشار إليه بوضوح قرار البرلمان الأوروبى بتاريخ 19 يناير 2008 بقوله "الإعراب عن القلق البالغ إزاء  تنامى التعصب الدينى فى المنطقة " . ونحن نحتاج إلى نصف قرن فى مصر مع سياسات التمييز الإيجابى لإنصاف المرأة والأقباط، فالتعصب الدينى والفساد دمرا روح مصر الحقيقية والمسألة تحتاج إلى جهد جبار مع آليات التمييز الايجابى .

وأختتم بمقوله رائد حقوق الإنسان فى مصر الدكتور محمود عزمى ،والذى شارك فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948، فى رده على عزيز مرهم  القبطى الذى رفض التمثيل النسبى للأقباط فى دستور 1923، فرد عليه د. عزمى بقوله " إنكم لا تدرون ما الذى ستأتى به الأيام " وتحققت نبوءة د. عزمى ولم تتحقق نبوءة عبد الحميد باشا بدوى .

ونحن ندعوكم أن نعمل معاً من آجل إنصاف المرأة والأقباط  ودعم الحريات الدينية وتعزيز الحريات العامة ونشر الديمقراطية الليبرالية قبل أن نقول بعد سنوات أن رؤيتنا كانت قاصرة برفض التمييز الإيجابى وأننا كنا مقصرون فى حق وطننا وفى حق ذواتنا .......فهل نفعلها الآن وقبل فوات الأوان .

 

بحث تم نشره عام 2007

 

[1]  لقراءة المزيد عن هذا الجدل يمكن الرجوع إلى

  • طارق البشرى، المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية دار الشروق، الطبعة الرابعة 2004.
  • سميرة بحر، الأقباط في الحياة السياسية المصرية، مكتبة الأنجلو المصرية 1979.
  • محاضر نقاش دستور 1923

 

[2] طارق البشري، مرجع ساق ص 208.

[3] سعد الدين إبراهيم: "إما دستور 23.. أو نسبة مقاعد للأقباط" الراية القطرية 20 نوفمبر 2005.

[4] رفعت السعيد، جريدة الأهالي 4 يناير 2006.

[5] - طارق البشري، مرجع سابق ص 215.

[6] ماجد عطية، جريدة الأهالي 21 ديسمبر 2005.

[7] رفعت السعيد، جريدة الأهرام 9 ديسمبر 2006.

[8] للمزيد عن معالجة أوضاع الأقباط في ظل نظام ديمقراطي يمكن الرجوع إلى مجدي خليل، "الديمقراطية وحقوق الأقليات – الأقباط نموذجا" ورقة مقدمة إلى المؤتمر القبطي بواشنطن 16- 19 نوفمبر 2005.

[9] رفعت السعيد، الأهرام 9 ديسمبر 2006 مرجع سابق.

[10] سعد الدين إبراهيم، الراية القطرية، مرجع سابق.

[11] كمال سيد قادر، نحو تمثيل عادل للأقليات في العراق، صوت العراق 30 أكتوبر 2004.

[12] The lund Recommendations on the Effective Participation of National Minorities in Public life & Explanatory Note, September 1999

[13] Tinsley Yarbrough, Protecting Minority rights, East Carolina University.

[14] على المالكي، تجارب عالمية في ثقافة الانتخابات: مساهمة الأقلية القومية في العمليات الانتخابية، جريدة المدى العراقية. 

[15] رفعت السعيد، جريدة الأهرام 9 ديسمبر 2006.

[16] لمزيد من التفصيل حول آليات مشاركة الأقليات في المجالس التشريعية أنظر The Lund Recommendations مرجع سابق

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث