»نيويورك تايمز»: لماذا يتجه المزيد من المسلمين نحو العلمانية؟ - مقالات
أحدث المقالات

»نيويورك تايمز»: لماذا يتجه المزيد من المسلمين نحو العلمانية؟

»نيويورك تايمز»: لماذا يتجه المزيد من المسلمين نحو العلمانية؟

كاتب: Mustafa Akyol

مصدر: A New Secularism Is Appearing in Islam

 

هل ظهر بالفعل نوع جديد من العلمانية في أوساط المسلمين؟ طرح هذا التساؤل مصطفى أكيول، الصحافي والكاتب التركي، في مقاله الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، والذي تتطرق فيه إلى شعور الكثير من المسلمين في كثير من العالم الإسلامي بخيبة أمل إزاء الأمور البغيضة التي تُرتَكَب باسم دينهم.

واستهل الكاتب حديثه قائلًا: «على مدى عقود، ناقش علماء الاجتماع الذين يدرسون الإسلام قضية ما إذا كان هذا الدين، ثاني أكثر الأديان انتشارا في العالم، سيخضع للتحول الرئيس الذي مرت به الديانة الأكبر، المسيحية، ألا وهو العلمنة. وهل سيفقد الإسلام أيضًا هيمنته على الحياة العامة، ليصبح مجرد صوت بين أصوات مختلفة، وليس الصوت المهيمن، في المجتمعات الإسلامية؟».

ويضيف أكييول أنه في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، قدم العديد من الغربيين إجابة سلبية، معتقدين أن الإسلام دين يتسم بالجمود والاستبداد الشديدين لدرجة تجعل تحوَّله إلى العلمانية أمرًا غير ممكن. فيما قدم العديد من المسلمين أيضًا إجابة سلبية، لكنهم قالوا بفخر: «لن ينحدر إيماننا الحقيقي إلى المسار المنحرف الذي يسلكه الغرب الملحد».

هل الإسلام عَصِيّ على العلمنة؟

وأضاف الكاتب: «يبدو أن ظهور الإسلاموية )الإسلام السياسي)، وهو تفسير مسيَّس إلى حد كبير للإسلام، منذ سبعينات القرن الماضي، لم يؤكِّد إلا على الرأي نفسه الذي يقول: إن «الإسلام عَصِيّ على العلمنة»، كما لاحظ ذلك شادي حميد، المفكر البارز في الدين والسياسة، في كتابه الصادر عام 2016، تحت عنوان «الاستثنائية الإسلامية (Islamic Exceptionalism)».

ومع ذلك لا يوجد شيء في تاريخ البشرية غير قابل للتغيير. وهناك الآن علامات على ظهور موجة علمانية جديدة تولد في العالم الإسلامي، بحسب الكاتب.

بعض هذه العلامات رصدتها شبكة «الباروميتر العربي»، وهي شبكة بحثية تدعهما جامعات أمريكية وعربية، أوضحت استطلاعات الرأي التي أجرتها انحرافًا عن الإسلاموية، وحتى عن الإسلام نفسه. أيضًا توصلت استطلاعات الرأي التي أجرتها الشبكة مؤخرًا إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت تراجعا في «الثقة في الأحزاب الإسلامية» و«الثقة في الزعماء الدينيين»، فضلًا عن تراجع ارتياد المساجد في ست دول عربية محورية.

وهذا التوجه ليس ضخمًا قطعًا. والعرب الذين يصفون أنفسهم بأنهم «غير متدينين» يمثلون 8٪ ممن شملهم الاستطلاع في عام 2013، وارتفعت النسبة إلى 13٪ فقط في عام 2018. ولذلك ينصح بعض الخبراء في المنطقة، مثل الباحث المصري – البريطاني إتش. إيه. هيلر بتوخي الحذر.

بين التجارب المصرية والإيرانية والتركية

واستدرك الكاتب قائلًا: «ومع ذلك يعتقد آخرون مثل كارل شارو، مهندس لبناني عراقي ومعلق وناقد ساخر لشؤون الشرق الأوسط، أن هناك شيئًا ما يحدث بالفعل». وقال عن الموجة العلمانية «هذا صحيح إلى حد ما، ويمكنك أن تشعر به في أماكن كثيرة من بينها الخليج». مضيفا أنها «بداية شيء سيستغرق وقتًا طويلًا».

ما السبب في ذلك؟ أجاب شارو بأن ذلك يرجع «في الأساس إلى السياسة الإسلاموية وبعض المظاهر الاجتماعية والسياسية للصحوة الإسلامية».

مضيفا أن ذلك يشمل «خيبة الأمل في الإخوان المسلمين في مصر، والصدمة في داعش، والملل حد الإرهاق من الأحزاب الطائفية في العراق ولبنان، والغضب من النظام الإسلامي في السودان».

وأشار الكاتب إلى أنه: «عندما تترك العالم العربي وتتجه بالنظر إلى القوتين المهمتين القريبتين – إيران وتركيا – يمكنك أن ترى التوجه ذاته، ولكن على نطاق أوسع. ففي إيران، تحكم الجمهورية الإسلامية منذ 40 عامًا، لكنها فشلت في مساعيها الحماسية لإعادة أسلمة المجتمع. «وبدلًا عن ذلك حدث العكس»، حسبما لاحظ الباحث في الشرق الأوسط نادر هاشمي.

وأضاف: «يطمح معظم الإيرانيين اليوم إلى العيش في جمهورية ديمقراطية وليبرالية وعلمانية، وليس في دولة دينية يحكمها رجال دين». وفي الواقع سئم الكثيرون من رجال الدين هؤلاء، وبدأوا يتحدوهم بشجاعة في الشوارع.

وينتقل الكاتب إلى بلاده، تركيا، حيث جرت تجربة أكثر اعتدالًا، ولكنها مماثلة لذلك في العَقْدين الماضيين؛ فقد أصبح الإسلامويون الذين كانوا مُهمَّشون سابقًا في تركيا، هم النخبة الحاكمة الجديدة تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان. وسمح لهم هذا بالتعبير عن إيمانهم على نحوٍ أكثر وضوحًا وحزمًا، لكنها أيضًا ورقة التوت التي تخفي وراءها شهوة لا تشبع من السلطة.

وهكذا كما لاحظ عالم الاجتماع الإسلامي – الأمريكي المولود في تركيا، موكاهيت بيليسي: «ترتبط الإسلاموية في تركيا اليوم في أذهان الناس بالفساد والظلم». والكثير من الأتراك يكرهونها أكثر من أي وقتٍ مضى.

ليست علمانية أتاتورك أو بهلوي

ويشير الكاتب إلى أنه غالبًا ما يتمثل الشعور بخيبة الأمل في أن الإسلاموية تُستخدَم أداةً سياسيةً، ولكنها يمكن أن تنقلب على الإسلام، أو الدين نفسه.

ففي تركيا يتجلى هذا الأمر الأخير في اتجاه اجتماعي بين شبابها أصبح حديث الساعة: صعود مذهب «الربوبية (الإيمان بالله وحده دون الحاجة إلى وحي أو دين)»، أو الإيمان بالله، ولكن ليس بالدين.

ويشعر الإسلامويون المؤيدون لإردوغان بالقلق من هذا «التهديد الكبير للإسلام»، لكنهم ينظرون إليه على نحو تراجيدي كوميدي، على أنه مؤامرة غربية أخرى، وليس نتيجة ما كسبته أيديهم.

والسؤال الآن: إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه الموجة العلمانية؟ الله وحده يعلم الإجابة على هذا السؤال، وتلك هي الإجابة الدينية. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن هذه الموجة تختلف عن نوع العلمانية الذي فُرِض على العالم الإسلامي منذ حوالي قرن من الزمان؛ تحت حكم المتغربين الاستبداديين مثل أتاتورك التركي أو رضا بهلوي شاه إيران.

وكانت علمانيتهم عبارة عن ثورة فرضتها الدولة من الأعلى إلى الأسفل، وكان يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها زائفة، ولكننا نتحدث هذه المرة عن اتجاه تصاعدي قادم من قاعدة المجتمع، من أناس سئموا كل هذه الأشياء البغيضة التي ترتكب باسم الدين.

يتابع الكاتب: «هذا هو السبب في أن ذلك يذكرني ببدايات حركة التنوير، عندما طوَّر الأوروبيون، بعد أن شاهدوا أهوال الحروب والاضطهاد الديني، فكرة العلمانية السياسية، في الوقت الذي دافعوا فيه أيضًا عن العقل وحرية الفكر والمساواة والتسامح».

نقطة مضيئة

وأكد الكاتب أنه يمكن أن تتوافق هذه المثل العليا مع الإسلام أيضًا بالطبع، كما جادل «الحداثيون الإسلاميون» منذ أواخر القرن التاسع عشر. وعلاوةً على ذلك، تشير الأحوال في تونس، وهي نقطة مضيئة نادرة في العالم العربي، إلى وجود أمل في هذا المسار المعتدل.

لكن إذا احتفظ الإسلاميون والمحافظون بطرقهم القديمة، فقد يواجهون نسخة راديكالية من حركة التنوير، أي من يعادون بشدة لتدخل رجال الدين والمعادون للأديان بلا ريب، على نحو ما يذكرنا بالأسباب التي أثارت فرنسا ضد هيمنة الكنيسة الكاثوليكية.

ولذلك، إذا كان الإسلاميون والمحافظون يهتمون حقًا بمستقبل الإسلام أكثر من اهتمامهم بالاستيلاء على السلطة باسمه، يجب عليهم البدء في التفكير في إنهاء كل الأشياء البغيضة التي ربطوها بهذا الاسم، مثل: الحروب الأهلية، والحكم الاستبدادي، والتعليم المليء بالكراهية.

واختتم الكاتب مقاله مشيرًا إلى أن «الإسلام يحمل، في جوهره، العديد من الفضائل المُلهِمة للبشرية، مثل: التعاطف، والتواضع، والصدق، والإحسان. بيد أن هذه الفضائل ظلت متوارية لفترة طويلة للغاية من أجل عيون السلطة وإملاءات التعصب الأعمى».

ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث