شهدت مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى عام 2013 عدداً من الاستحقاقات الدستورية ما بين انتخابات نيابية واستفتاء على الدستور وانتخابات رئاسية. بعد كل ما مرت به مصر، هل ما يزال الشباب يؤمن بالديمقراطية؟
شخصيات فاعلة في ثورة 25 يناير.. أين انتهى بها المطاف؟
تمر في هذه الأيام الذكرى السابعة لاندلاع ثورة 25 يناير في مصر والتي انطلقت وقتها تزامناً مع الاحتفالات السنوية بعيد الشرطة، حين قرر مجموعة من الشباب تنظيم مظاهرة اعتراضاً على ممارسات الشرطة التي يقولون إنها أودت بحياة العشرات تحت التعذيب، كان آخرهم وقتها خالد سعيد، الشاب الذي توفي وظهرت صورة بشعة له أثارت قلق المصريين بشدة. لم يكن يتخيل أحد أن تتحول تلك المظاهرات إلى ثورة عارمة شملت عشرات المحافظات المصرية لتشهد البلاد واحدة من أكبر الثورات في تاريخها انتهت بعزل الرئيس الأسبق حسني مبارك.
دخلت مصر بعد ذلك في عدد من الاستحقاقات الانتخابية ما بين تعديل الدستور وانتخابات برلمانية ورئاسية انتهت بفوز الرئيس الأسبق محمد مرسي وسيطرة الإخوان المسلمين على البرلمان. لتتصاعد الاتهامات لهم بإقصاء باقي التيارات السياسية ومحاولات "أخونة الدولة".
لم يكمل مرسي عامه الأول حتى اندلعت أحداث 30 يونيو لتنتهي بعزله، بعدها ترشح قائد الجيش المصري ووزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وعقدت انتخابات نافسه فيها حمدين صباحي ليفوز السيسي باكتساح. وتستعد مصر هذه الأيام لانتخابات رئاسية جديدة وسط حالة عامة من التشكك في جدوى المنافسة أمام الرئيس السيسي.
هناك من يرى بأن الأحداث التي مرت بها مصر أفقدتهم الأمل في الديمقراطية وبأن الأمور لن تصلحها في مصر صناديق توضع فيها الأصوات ليتم ازاحتها فيما بعد إن لم تعجب نتائجها فئة معينة، وهناك من يؤكد بأن البلاد تسير بالفعل على طريق بناء ديمقراطية جديدة بعد إنقاذها من مصير دول أخرى تحيط بها.
DW عربية استطلعت آراء بعض من شاركوا في ثورة 25 يناير وما تبعها من أحداث سياسية.
يقول الناشط السياسي محمد عادل: "شاركت بصفتي أحد أعضاء حركة شباب 6 أبريل في ثورة 25 يناير. كنا نؤمن أن هذا اليوم سيأتي قريباً، مع عملنا في التوعية للشباب بضرورة التغيير والإطاحة بسلطة مبارك التي قصمت ظهر الشباب. كنا نؤمن بأن التحول نحو حياة ديمقراطية في البلاد كفيل بأن يضع البلاد علي المسار الصحيح نحو بداية نهضة مصرية جديدة، ولكن مع الأسف في ظل التطورات التي شهدتها مصر منذ 3-7-2013، فإن الوضع آخذ في التراجع".
يضيف عادل: "وجدنا أفراداً يتجهون نحو استخدام العنف، بسبب تعامل من هم في السلطة مع الشباب المعارض. نعم البعض شعر بالإحباط رغم كونه مازال مؤمن بالديمقراطية، لكن هذا يدفعنا من أجل العمل علي توطين أفكار التغيير والتعامل السلمي مع الأحداث كلها في البلاد، وخاصة مع المجموعات الطلابية والشبابية الجديدة". ويختتم محمد عادل بالقول: "رغم اعتقالنا لفترات طويلة تراوحت بين3-7 ، إلا إننا مازلنا مؤمنين بالتحول نحو الديمقراطية، وإيجاد مساحات للتعبير عن الرأي بسلمية في كافة القضايا، لان هذا هو السبيل الوحيد نحو نهضة مصر، أما الانفراد بالرأي فلن يؤدي إلا إلى التراجع في كل المجالات.
أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 ابريل شارك برأيه على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، حيث أكد على ضرورة سلمية الحراك السياسي، وعدم الإنجرار لدعوات العنف.
أما طارق الخولي عضو مجلس النواب الحالي وأحد مؤسسي حركة شباب 6 أبريل فيقول: " قمت بعمل مراجعات فكرية أثناء مرحلة حكم الإخوان الذين أرى أنهم سرقوا ثورتنا" ويتابع " أما قبل مرحلة حكم الإخوان فكنت منكباً على المظاهرات وتنظيمها وعلى فكرة ضرورة استمرار الحشد في الميادين حتى يتم إصلاح الدولة. كانت فكرة حالمة بعض الشيء".
ويضيف الخولي: " كان لابد من مشاركة شباب مصر والاندماج في مؤسسات الدولة حتى تتحقق أهداف ثورة يناير وليتمكنوا بشكل عملي من تطبيق شعارات الثورة: العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لكن اختزال العمل بالاحتشاد في الميادين لن يؤدي إلى تطور وتحقيق أهدافنا". ويتابع عضو البرلمان المصري: "نعم لازال هناك إيمان بالديمقراطية ونحن في مرحلة تحول ديمقراطي، ولا زال هناك غير أمور محسومة لكن العجلة لن تعود للخلف، فلن يقبل أحد أن يظل الرئيس في منصبه للأبد ولن يقبل أن تكون هناك ممارسات قديمة كانت موجودة في عهد ما قبل يناير ولذلك تركت الثورة أثراً حقيقياً". ويضيف " ويوجد حالياً مشاركة في العملية السياسية والانتخابات، لكننا لا نستطيع القول بأننا وصلنا لمرحلة استقرار الديمقراطية فنحن في مرحلة بناء لكننا نسير بسرعة".
أما د. أحمد رامي أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين شاركوا في الثورة فيرى أنه لا نهوض لمصر إلا بترسيخ الديمقراطية لأن الاستبداد هو أصل كل داء تعاني منه مصر، بحسب ما صرح لـ DW عربية: وتابع "ما زلت أؤمن أن الديمقراطية هي الخيار الحر لشعوبنا إذا ما وضعوا في لحظة اختيار حقيقي دون قمع وتسلط، لكنى أؤمن أيضاً ألا مجال للحديث عنها في ظل أنظمة حكم لم تأت عبر آليات ديمقراطية وزادت على ذلك بأنها تعلم يقيناً أن قضية ترسيخ الديمقراطية لا تعنى فقط تخليها عن الحكم بل أيضاً احتمالات أن تخضع لمحاسبة الشعب لها على ما اقترفت بحقه. هي قضية وجود بالمعنى المادي لهؤلاء، قضية حياة أو موت".
محمد عبد الرحمن، أحد الشباب المصري الذين شاركوا في ثورة يناير، استطلعت DW عربية رأيه، فقال إنه يركز حالياً على شركته الخاصة وأنه غير منشغل بالسياسة لأنه مقتنع بأن "الكلام ليس له فائدة" رافضاً الحديث عن أي شيء متعلق بالسياسة.
من جهته يرى الدكتور سعيد صادق استاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في حوار مع DW عربية أن الشباب سواء في مصر او حتى تونس لم يروا تغييراً جذريا بعد ثورات الربيع العربي والمشاركة في العملية الديمقراطية، ففي تونس انتخب السبسي الذي كان نائباً لابن علي وفي مصر انتخب السيسي الذي كان أحد رجال مبارك صحيح هناك تغييرات حدثت بتحديد مدة الرئاسة مثلا لكن على باقي الاصعدة لم تسفر العملية الديمقراطية في راي الشباب عن الكثير مما كانوا يطمحون اليه وربما يرجع ذلك لان الديمقراطية في حد ذاتها عملية تتطور على المدى البعيد يتعلم فيها الناس من الاخطاء.
ويعتقد صادق أن أكثر من نصف السيدات في مصر الذين يحق لهن التصويت سيشاركن في العملية الانتخابية وسينتخبن السيسي مجدداً خصوصاً كبار السن والموظفات، وهو الحال بالنسبة للرجال من الفئة العمرية نفسها أملاً في الاستقرار وهدوء الأوضاع لكن بالنسبة للشباب يرى أن نسبة كبيرة منهم ستقاطع العملية الانتخابية ونسبة صغيرة جداً ستتشتت بين المرشحين وذلك يرجع للإحباط من المرشحين وليس من العملية الديمقراطية نفسها.
أما الدكتور عمار على حسن استاذ الاجتماع السياسي فقال في حديثه لـ DW عربية إن النظرة التفاؤلية التي سيطرت على الشباب خلال ثورة يناير بأن الشعب من الممكن أن يُغير وأنه يمكن أن يصبح هناك تداولاً حقيقياً للسلطة واحترام للحقوق العامة والحريات هي نظرة لم تعد موجودة، وأصبحت هناك حالة من التشاؤم، "لا سيما وأننا لم نتقدم إلى الديمقراطية وإنما انتكست للديكتاتورية بعد أن كنا نعيش في عصر شمولي أثناء حكم مبارك وهو أفضل مما نعيشه الآن من الناحية السياسية".
يضيف الدكتور عمار بأن التطورات بعد الثورة أثرت على نظرة الشباب خاصة مع التدابير والدعاية المنظمة والتي فرغت العمل السياسي الذي قام به الشباب من مضمونه، ليترسخ مكانه بأن ما قام به شباب مصر لم يكن ثورة ولا انتفاضة وإنما كانوا واقعين تحت تأثير مؤامرة خارجية من أجل النيل من الدولة المصرية، مضيفاً أن "هذه الدعاية المغرضة والتي تنافي الحقيقة أدت إلى تخلي الكثيرين عن الإيمان بفكرة التغيير الثوري والحراك الجماهيري، كما أدت إلى مزيد من الإحباط".
عماد حسن/ مصطفى هاشدى
دى بليو