لماذا أهاجم العربان بلغتهم!؟ - مقالات
أحدث المقالات

لماذا أهاجم العربان بلغتهم!؟

لماذا أهاجم العربان بلغتهم!؟

ياسين المصري:

 

كثير من القراء الأعزاء أثاروا فضولي بالتساؤل عن الأسباب التي تحملني على الكتابة بهذا الشكل المهين والمذل للعربان والمتأسلمين! أليست لديهم عندي أو عند غيري من فضيلة أو مكرمة كي أتكلم عنها، ولا أتغنى بها؟ وذهب البعض منهم إلى أن من تلك الأسباب قد تكون كراهيتي لهم أو يكون الانتقام منهم كنتيجة حتمية لمعاناة أو إساءة شخصية صدرت بحقي! بل وتساءل بعض المتزلفين لهم قائلًا إذا كان العربان أغبياء كما تزعم، فلماذا تكتب بلغتهم، أليس هذا من الغباء أيضًا؟
صحيح لماذا أهاجم العربان والمتأسلمين، مع أنه من المفترض أنني منهم؟ ولماذا لم أتنكر للغتهم كما تنكرت لهم، وأكتب بها!؟
البدايات تحدد دائمًا النهايات، وفي البداية لم يكن هناك تلفاز ولا أقمار صناعية ولا شبكة عنكبوتية (إنترنت) ولا تواصل اجتماعي، لم تكن سوى الكلمة المقروءة التي لا يقرأها أحد، والكلمة المسموعة المفروض على الجميع سماعها شاء أم أبى، تتردد على مسامع الجميع في المساجد وأجهزة الراديو، وفي مجالس العلم الديني. لم تكن الكلمات المسموعة صادمة بقدر ما كانت غير مقنعة!. دخلت المسجد لأول مرة وأنا في الرابعة عشرة من عمري لعلني أجد الهدوء والسكينة التي بدأتا في الزوال تدريجيًّا باحتلال الغباء المدجج بالسلاح لمصر قبل ذلك بعامين، فانتاب المجتمع رجرجات وهزات عنيفة وغير محسوبة العواقب من داخله.
لم أجد في المسجد سوى الإمام والخطيب (الشيخ قدح)، وحوله مجموعة صغيرة من الناس يلقي عليهم درسًا بعد صلاة المغرب، عن عذاب القبر والثعبان الأقرع ومنكر ونكير ونار جهنم التي وقودها الناس والحجارة …. إستمعت إليه قليلًا من الوقت، ثم هممت بالمغادرة، وما كدت أتراجع خطوتين من مكاني، حتى سمعته ينادي: أنت؟ إلتفت إليه: نعم، قال بتهكم: لماذا تتركنا، ”نار ياحبيبي نار“ أحسن مِنَّا؟ (أغنية كانت شائعة أنذاك لمغني مصري مشهور)، قلت بلا تردد: نعم! قال: أنظروا هذه هي الأجيال الجديدة مصيرها جهنم وبئس المصير!
وضعتني هذه الواقعة البسيطة جدًّا أمام تساؤل: هل الله بهذه الوحشية، فيجعلني ضمن وقود جهنم لأنني لا أود سماع هراء الشيخ مهما كان السبب؟ وهل أنا بحاجة إلى التهديد بنار جهنم كي أكون أخلاقيًّا وإنسانيًّا؟
لم أدخل بعدها مسجدًا ولم أستمع بعدها لشيخ.
المحطة الثانية كانت تواجدي في مملكة آل سعود بناء على دعوة للعمل من أحد الأمراء، أصحاب السمو الملكي الكبار، كنت قد قابلته في أوروبا وساعدته في إبرام صفقة تجارية. قلت في نفسي: لما لا؟ إنها فرصة سانحة لتحسين وضعي المالي والتعرف على أحفاد النبي الكريم، الذين يحظون بمكانة رفيعة وسمعة عالية لدي المتأسلمين في كافة بقاع الأرض. إنهم عنوان الكرم والعدل والشجاعة … إلخ. لا بد وأنني سوف أجد لديهم الديانة الإسلاموية الصحيحة.
لا أريد الإطالة في هذه النقطة فقد ذكرت الكثير عنها بالتفصيل في كتاب « الخديعة الكبرى، العرب بين الوهم والحقيقة»، يجده القارئ المهتم في ”مكتبة الحوار المتمدن“ أو على الرابط التالي:
https://www.4shared.com/s/fz7-pWI4hce
الخلاصة هي أنني لم أجد عندهم أي كرم مزعوم أو شجاعة أو عدل أو دين، فالمرء بينهم لا يجب عليه أن يعمل بقدر ما يجب عليه أن ينافق ويكذب بمعسول الكلام، حتى يفلت بنفسك من شرورهم!، وجدت - مثلًا - (الأستاذ سند من مصر) في وجودهم ينافس أكبر المنافقين من اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم، ويحظى بمكانة كبيرة لديهم، وفي عدم وجودهم يصب السباب واللعنات عليهم وعلى اليوم الذي عرفهم فيه. وجدت أيضًا (مستر جون) الأمريكي ضخم الجسد، وقد جاء حديثًا ليعمل ”بودي جارد“ وخادمًا للأمير الصغير، وعلى الفور ارتدي الزي الوطني (الغترة والعقال والجلباب الطويل) ودخل إلى المسجد يصلي معهم، فيراه الأمير الكبير، ويقول له: أنت بتكذب علينا وساكتين، وتبي (تبغي) تكذب كمان على ربنا، أخرج من هنا، لن أراك في المسجد مرة أخرى!
أمَّا تعاملهم مع الدين وبه، لا يتسع هذا المقال للحديث عنه، وقد جاء شرح له باستفاضة في الكتاب المذكور.
لا أخفي على أحد أنني بغريزة حب الاستقرار، بحثت عن منطلق للنفاق والكذب في أعماقي، فلم أجده من طبعي، ورأيت أنني حتى وإن مارستهما، فلن أفلح فيهما، إنهما موهبة لها نفوس خاصة وطباع مميَّزة، إستعصت على نفسي. وبعد عام ونصف من الصداع والصراع والكلام والهراء في المجالس والهواء الطلق، وجدت من الصعب علي الاندماج في مسرحية هزلية غير محددة المعالم، فحملت نفسي كما جئت وعدت من حيث أتيت.
من هم هؤلاء البشر؟ وما هي عقيدتهم الحقيقية؟ ولماذا هم هكذا على ما هم عليه، مختلفون عن غيرهم، مخالفون لغيرهم؟ ولماذا يُطلَق عليهم ”العالم العربي“ على غير البشر أجمعين؟ هل لأن لهم عالمهم الخاص بهم وحدهم؟
بدأت أبحث عن الحقائق الغارقة في بطون الكتب، وجاءت الثورة الإلكترونية لتظهر عوراتهم، وتصيب الجميع بدوار الصدمة. وهالني ما في عقيدتهم، وتاريخهم الديني - السياسي من تناقض وتضارب، يدمغان بعنف سلوكياتهم وعلاقاتهم بأنفسهم وبغيرهم، ولكن لم يخطر ببالي قط فكرة الانتقام من أي منهم، خاصة وأنَّ أحدًا منهم لم يستطع توجيه إساء ما إليَّ شخصيًا، مع أن إساءاتهم كانت ولازالت متفشية بينهم، موجهة إلى أنفسهم وإلى غيرهم.
حقيقة لا أدري من أين يأتي الانتقام؟ فهو سمة الضعف والخنوع وقلة الحيلة؟، التي تؤدي إلى طريق النفاق والكذب وعدم الصدق مع الذات. إنَّ أبسط أنواع الانتقام هي النفاق والكذب وعدم الصدق مع الذات!، فهل كشْفُ الحقائق وتعرية المنافقين والكذبة ونقد التضارب في السلوكيات والفصام في الشخصية يعد من الانتقام؟ وإذا كان الأمر هكذا، فكيف لأمة ما أن ترقى وتتقدم في يوم ما؟
نأتي إلى تعليق الأستاذ عبد الحكيم، وهو شخص أكن له كل احترام، مع أنه يقفز على الحقائق في جميع تعليقاته شأنه في ذلك شأن جميع العربان والمتأسلمين ( القفز على الحقائق سيكون موضوع المقال القادم ).
يقول الأستاذ: « اذا كانت امة العرب امة غبية فمن الغباء ان تكتب بلغة هذه الامة الغبية حتى لاينسب الغباء اليك ايضا فمن عاشر القوم الاغبياء وتكلم بلغتهم وتعلم لغتهم وكتب بها سيصبح منهم ومثلهم غبيا، أنظر التعليق رقم 1، على المقال في الرابط التالي:
http://m.ahewar.org/s.asp?aid=646872&r=0&cid=0&u=&i=6753&q=
ومع أن السؤال غير منطقي بالمرة، أقول وأأكد مرارًا للأستاذ وغيره أنه لا توجد أمة على وجه الأرض غبية بالمطلق، فكل مجتمع فيه الأذكياء والأغبياء، وفيه الطيبين والأشرار وفيه المتعلم والجاهل جنبًا إلى جنب، وقد يكون في مجتمع العربان والمتأسلمين من هو أذكي بكثير من غيره في المجتمعات الأخرى، والدليل على ذلك هو ان الكثيرين منهم يظهر ذكاؤه ويبرع، عندما يخرج من منظومة الغباء في بلده إلى بلد آخر من البلدان المتحضرة والتي تحترم الأذكياء وترعاهم. العبرة إذن بمن يسيطر ويتحكم، ويرعى منظومة الغباء، ومن ثم يتبعه طيف واسع من المجتمع. المقصود بالغباء الجمعي الشامل هو سيطرة الأغبياء على الأذكياء في دولة ما، ومن ثم تكون أفكارهم غبية وسلوكياتها غبية، وقراراتهم السياسية غبية، ويبقى الطيف الواسع من المجتمع ملتزمًا بنمط المسيطرين الأغبياء، وما على الأذكياء في نفس المجتمع سوى الصمت والانتظار وراء أسوار الخوف.
أما أنني نشأت بينهم وتكلمت بلغتهم وتعلمت بها، فلا دخل لي في هذا، ومع ذلك خلعت عني هذا الثوب البالي. أمَّا أن أكتب بلغتهم فهذا أمر طبيعي (لعل) الأذكياء منهم يفهمون، وأقول (لعل) لأننا شعوب وقبائل لا تقرأ وإن قرأت لا تفهم … إلخ. نعرف - مثلًا - أن القرآن وهو الدستور المعمول به بيننا، لم ينزل بلغته الأصلية التي كانت سائدة آنذاك وهي السريانية، ونزل بلسان عربي مبين، أي بلهجة عربية محدودة إشتقت من السريانية ولذلك لم يكن مبين، خاصة عند كتابته كأول كتاب يُكْتب بتلك اللهجة، ولم يتمكن أحد من فهمه منذ عهد النبي وحتى الآن، ممَّا يتطلب دائمًا من يفسره ويشرحه تبعًا لهواه وبمقدار فهمه واجتهاده.
من الأحرى لأي إنسان غيور على أمته ودينه أن يستعمل عقله ويبحث ويرد بموضوعية ومنطق عقلاني على ما يسميه اتهامات أو تجني أو كراهية أو انتقام أو غباء أو غير ذلك من الاتهامات العبثية، والشتائم الحقيرة، عليه أن يثبت أنه ذكي بالفعل، ولديه عقل وحس إنساني بحيث يقلع عن القفز على الحقائق ومقارعة الحجة بالحجة قدر استطاعته.
ومن الأحرى بالعربان والمتأسلمين وقد ظهرت عوراتهم، أن يستتروا بالعقل والحكمة ويساعدوا الأذكياء منهم على التخلص من غباء الأغبياء وعدم التمترس خلف جدران الخوف، والعمل الجاد لوقف نزيف الدم الذي طال أمده، والكف عن تدمير الذات وتدمير ذوات الآخرين، وإعادة النظر في عقيدتهم وتراثهم وتاريخهم بكامله، وتنقيتها من الخرافات والهلوسات والبذاءات والاعتراف بما فيها من جرائم في حق الإنسانية، عندئذ فقط سوف يدخلون إلى طريق الإنسانية الشاق، حيث الحضارة والتنوير والتقدم والرقي. هذه جميعها أمور سبقتهم فيها أمم أخرى، وليست بجديدة على البشر.

الحوار المتمدن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث