كيف تم اختصار الإسلام بالمظاهر الخارجية؟ - مقالات
أحدث المقالات

كيف تم اختصار الإسلام بالمظاهر الخارجية؟

كيف تم اختصار الإسلام بالمظاهر الخارجية؟

د. عماد بوظو:

 

ذهبت قبل أيام في زيارة لمدينة نيويورك، إحدى أكبر وأجمل مدن العالم والتي تتميز بوجود جاليات كبيرة فيها من مختلف الشعوب والأعراق، مما أضفى عليها جوا من الغنى الحضاري والثقافي، وكان الملاحظ أن أبناءها وزوارها مندمجين ومتناغمين في بوتقة إنسانية واحدة، باستثناء بعض الجماعات الدينية والإثنية ومنهم جزء من المسلمين، الذين كانوا يبدون مختلفين عن الآخرين في شكلهم وملابسهم وسلوكهم، وكأنهم لا يريدون الاندماج في المجتمعات الجديدة.

يرحب الغرب وخاصة الولايات المتحدة بدرجة معينة من التنوع، ولكنه يعتبر الإبراز الزائد للرموز والمظاهر الدينية دعوة للتفرقة، ويعتقدون أن علاقة الإنسان مع الله قضية شخصية مكانها في القلب ولا تخص أحدا سواه، وفي حين يعتبر سؤال الإنسان عن البلد الذي أتى منه طبيعيا ويعكس درجة من الاهتمام، لكن سؤاله عن قناعاته الدينية يعتبر تدخلا في خصوصياته.

وسبب اختلاف المسلمين عن غيرهم ناجم عن فهم رجال الدين للسنّة النبوية، التي قادت إلى رسم شكل خارجي محدد للمسلم. ففي موقع الإسلام سؤال وجواب يعتبر حلق الرجل للحيته من المحرمات. وفي موقع الإمام ابن باز يتم ذكر مجموعة من الأحاديث التي تؤكد على ذلك لتصل إلى الخلاصة: "تربية اللحية وإرخاءها فرض لا يجوز تركه، لأن الرسول أمر به وأمره على الوجوب". وضمن نفس المنطق يقولون بوجوب حلق الشارب أو المبالغة في قصه، ولا تجوز أبدا إطالته لأنه ذنب من الذنوب ومعصية من المعاصي، وتشبّه بالمجوس والمشركين. واتفق رجال الدين على أن هذا المظهر الذي ينتج عن إرخاء اللحية وحلق الشارب هو من "الفطرة" التي جبل الله الناس عليها.

ثم اعتبر بعضهم أن وضع الكحل للرجال سنّة نبوية استنادا إلى عدة أحاديث مثل "... وإن خير أكحالكم الأثمد، يجلو البصر وينبت الشعر"!، وقالوا إنه يجب وضع الكحل ثلاث مرات في كل عين كل ليلة.

ودرجت خلال الفترة الماضية ظاهرة وجود طبعة داكنة على الجبين من أثر السجود، ولكن كثرة الدجالين والنصّابين الذين لجأوا إلى استخدام هذا الأثر لتحقيق منافع دنيوية أدى إلى تراجع نسبي في انتشار هذه "الموضة"، التي حين انتشرت، كانت وجوه رجال المسلمين على شكل نسخة "إيمانية" موحّدة رغم أن كثيرين قد لا يرونها جميلة أو محببة.

واستمرارا على نفس النهج، رأى رجال الدين أن لباس المسلمين من الرجال "يجب ألا يكون شفافا أو ضيقا أو أي ثياب تشهر صاحبها، ويستحب لثياب الرجال اللون الأبيض، ويحرّم على المسلم التشبه بالكفار وأهل الشرك باللبس من ملابسهم، ويجب أن يكون طول الثوب حتى الكعب فحسب أحد الأحاديث من لبس ما تجاوز الكعبين فهو في النار. كذلك، يحرّم لبس الحرير أو النوم عليه بالإضافة إلى تحريم الذهب، وقادهم ذلك إلى نتيجة: أن الثوب العربي "الدشداشة" هو أفضل ما يلبسه الرجال لتحقّق جميع الشروط "الشرعية" فيه، ولأنه كان أحب الملابس إلى الرسول، ولكن بما أنه لم يعد من الواقعي الاستغناء عن الملابس الحديثة العملية والمريحة فقد أفتوا بجواز لبس البنطلون والقميص لأنهما "مما عمّت به البلوى"! أي أنه مصيبة انتشرت ولم يعد تجنّبها سهلا.

وكانت الضوابط على شكل ومظهر وملابس المرأة أكثر تشددا، فلا يجوز للمرأة مثلا تحديد أو إزالة شعر وجهها أو حواجبها، لأن هذا حسب موقع الإسلام سؤال وجواب: "حرام لما فيه من تغيير خلق الله ومتابعة الشيطان في تغريره بالإنسان"، وهناك حديث يتناقلونه: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات لخلق الله" رواه البخاري ومسلم والنسائي، والوشم هو رسم أشكال دائمة على الجلد، والنمص هو إزالة شعر الوجه، أما المتفلجات فهن من يجرين تغييرات على أسنانهن ليبدون أصغر بالعمر، ويرى القرطبي أن هذه الأفعال من الكبائر فقد لعنها الله.

وقياسا على ذلك أفتى رجال الدين المعاصرين بأن الله قد حرّم نفخ الشفاه وتجميل الأنف أو الثدي أو الأرداف، وفي هذه الفتاوى أدخل رجال الدين المسلمين أنفسهم في معركة مع المرأة ليس بمقدورهم الانتصار فيها أبدا.

وهناك مواصفات دقيقة حددتها "السنّة" لمظهر المرأة الخارجي، فبالإضافة إلى الحجاب والنقاب يجب أن يكون ثوب المرأة واسعا وألا يكون مطيّبا وأن يكون ثخينا وألا تكون فيه تصاوير لذوات الأرواح أو الصلبان. كذلك يحرّم عليها لبس البنطلون لأنه تشبّه بالرجال "ويصف العورة ويجسّدها"، ولا يحل للمرأة أن تخرج من بيتها متعطّرة. ويقدم موقع إسلام ويب عدة أدلة على حرمة تعطّر المرأة عند الخروج من المنزل.

كما رأى رجال الدين أن هناك وضعية مستحبة لتناول الطعام وهي الجلوس على الأرض، رغم أنه "لا حرج على المسلم إن دخل على قوم ووجدهم يأكلون على طاولة أن يأكل معهم ولا يلزم أن ينفرد بالجلوس على الأرض حتى لا يبدو مستغربا لديهم"، ولكنهم يؤكدون أن الرسول لم يأكل على منضدة قط، فالسنّة النبوية هي الأكل على الأرض، وهناك طريقة "شرعية" لمشي المسلم، وأسلوب محدد يتكلم فيه، حتى أنه درج مؤخرا الكلام بلحن أنفي وبحيث تلفظ الحروف بطريقة أحكام التجويد.

سبب هذا الولع بالأمور الشكلية أن رجال الدين المسلمين يعتبرون هذه المظاهر الخارجية من السنّة النبوية، التي تتضمن حسب رأيهم كل ما ورد عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية، ويعتبرون أن هذه السنّة قد انتقلت جيلا بعد جيل بطريقة صحيحة، وهي شاملة كاملة لجميع مناحي الحياة، وفيها كل ما يهم الأمة من أحكام وأسس وقواعد، ويجب على المسلمين إتباعها بكل صغيرة وكبيرة، اعتمادا على الآيات، "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" النجم 3 ـ 4، "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" الحشر 7، حتى أن بعضهم قال إن السنة النبوية "وحي من الله محفوظة كالقرآن".

رغم أن المقصود بالمعنى المباشر للآيات هو الوحي والأحكام الشرعية والجوانب الأخلاقية للرسول، أما ملابسه وشكله الخارجي فهي مظاهر سطحية مرتبطة بزمانها، يضاف إلى ذلك أن الرسول في الديانة الإسلامية بشر غير معصوم يخطئ ويصيب، والمعلومات التاريخية عن عصر صدر الإسلام ضئيلة وغير موثقة، وكل ما أتى منه ليس سوى نقل شفهي لوقائع لا دليل تاريخي على صحتها، ولذلك لا يمكن اعتبار هذه المظاهر فوق مستوى النقد أو التطوير خاصة إذا تناقضت أو اختلفت مع العقل أو مصلحة الإنسان.

وعندما اعترض بعض المسلمين على هذه الرؤية الشكلية للدين، وقالوا إن الإيمان بالقلب وليس بالمظاهر الخارجية والقشور، رد عليهم موقع طريق الإسلام: "هذه الكلمة كثيرا ما يقولها بعض الجهّال أو المغالطين وهي كلمة حق يراد بها باطل لأن قائلها يريد تبرير ما هو عليه من المعاصي". والمقصود بالمعاصي هنا حلق اللحية أو إطالة الشارب ولبس البنطلون والمظاهر المماثلة، والذي أدّى إلى ما نراه اليوم من أن الإسلام قد تم اختصاره بهذا الشكل الخارجي المحدد والمختلف عن الآخرين والذي لا يساعد في اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الجديدة.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*