أسلمة المنتجات .. - مقالات
أحدث المقالات

أسلمة المنتجات ..

أسلمة المنتجات ..

أمينة خيري:

 

فريق الساجدين، منتخب العابدين، سوبر ماركت الصحابة، مدرسة كيدز هوم الإسلامية، شركة عباد الرحمن العالمية، جراج الصحوة الإسلامية، معهد الترقي الإسلامي، فول وفلافل الأمة الإسلامية، مستوصف الطب الإسلامي، والقائمة لا تنتهي.

خدمات وأنشطة وفعاليات ومعاهد ومدارس ومستشفيات لا أول لها أو آخر، اكتشفت بين نصف قرن وضحاه أن منتجاتها يجب أن تكون إسلامية لأننا الأغلبية وأصحاب السطوة العددية والهيمنة النفسية.

هكذا لقّنوهم، وهكذا درّبوهم. ولأن المنتج لا يمكن أن يكون إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً، لكنه طلع نزل يظل منتجاً إما جيداً أو رديئاً بغضّ النظر عن هوية صانعه، فقد منعوهم من التفكير وسلبوهم القدرة على البحث والنقد، وتركوهم يعتقدون أن أسلمة المنتجات تجعلها إسلامية.

ومنذ تحوّل فريق كرة القدم من فريق جيد أو سيئ الأداء إلى فريق الساجدين، اكتسب مناعة روحانية تجعله عصياً على الانتقاد ومنزهاً عن الاعتراض. فكيف لفريق يسجد (ومعه القائمون عليه) على أرض الملعب أن يُنعت بالكسل أو التهاون أو تدني المستوى؟!

مستوى الفكر الذى تم زرعه ثم ريه وتركه يكبر وينمو ويترعرع في مصر على مدار نصف قرن مضى باع فكرة الطب الإسلامي الذى يشفي بعون الله وإرادته دون تدخل العلم أو تصرف العلماء، رغم أن كليهما يعملان ويبدعان بعون الله وإرادته. وحين يخفق الطب الإسلامي في علاج السرطان وتخفيف الآلام، يكون أمام المريض أحد حلين: يهرع إلى إحدى الدول الكافرة بحثاً عن العلاج، أو اللجوء إلى الطب العادي فى داخل البلاد والذى ابتكر أدواته ووضع علومه الكفار أيضاً.

ولأن تراث الخمسين عاماً الماضية زرع فينا أننا الأرقى ولو كنا الأدنى علماً، والأسمى وإن كنا الأقل بحثاً، والأفضل وإن كنا الأضعف حالاً، ومنعاً للتساؤل حول أسباب تدهورنا وتأخرنا وتخلفنا طالما نحن الأحلى والأجمل والأروع، فقد تم سد الفراغات بإسباغ الصفة الدينية على كل مظهر من مظاهر الحياة. فالمصعد الذى صنعه الأشرار الذين لن يردوا على جنة أو يشموا رائحتها، نكسر شوكته ونفرض عليه هيمنتنا ونردد دعاء الركوب ونلصقه مكتوباً على جدرانه. والسوبر ماركت الذى يبيع الكاتشاب والجبن الهولندي والزبد الدنماركي واللحم البرازيلي والشوكولاتة السويسرية والزبدة الدنماركية نطهّره مما سبق عبر تسميته اسماً يوحي بالجنة.

والمدرسة التى وجدت فى نظام التعليم المصري قوة طاردة وطريقاً مضموناً نحو صفوف العاطلين اعتنقت الدبلومة الأمريكية، وربما الجي سي إي البريطانية والأبيتور الألمانية والباك الفرنسية، وذلك ضماناً لتحصيل الملايين من جيوب أولياء الأمور. لكن كان عليها أن تغلف المنتج الغربي من ألفه إلى يائه بدس كلمة إسلامية فى اسم المدرسة، مع الدق على أوتار المكون الإسلامي فى التعليم، تأكيداً على الريادة وزيادة فى إظهار الحضور الطاغي.

الحضور الطاغي الذى فرضه داعش لم يكن سببه ابتكارات علمية أو نظريات هندسية أو إنجازات إنسانية، لكنه يعود إلى الوجود الزاعق على الكوكب. أقنعوا البعض بنظرية جبارة تخلط الصعبانيات بالفوقية، وأرجعوا كل ما يعيشه المسلمون من فقر وجهل ومرض واقتتالات إلى رعب غير المسلمين وغيرتهم وحنقهم على المسلمين. داعش هم الأكثر دموية، لكن جماعتهم قائمة فى سبل التسويق لها على الفوقية والكثرة العددية.

الفوقية والكثرة العددية اللتان تضربان بعنف في نسيج المجتمعات لا تتركان مجالاً أو وقتاً أو جهداً للعمل من أجل تقدم هذه المجتمعات من خلال التعليم أو العمل أو البحث العلمي أو ما شابه. لماذا؟ لأنها منشغلة طيلة الوقت بتعليق الزينات واللافتات على الأبواب التى تؤكد وتجزم أن من يقبع خلف الأبواب مؤمن ومتدين ومتبع لعقيدة ما.

نظرة سريعة دون عصبية أو أساليب دفاعية تتخذ شكل الهجوم أو طرق ترهيب تنعت السائل بأنه عدو الله وكاره للدين. هذه المظاهر الدينية التى لونت تفاصيل حياتنا الصغيرة قبل الكبيرة، ماذا كانت انعكاساتها على المحتوى؟ هل كشك التقوى الذى يجمّل واجهته بصورة الشيخ الشعراوى يبيع سجائر مصنوعة بتكنيك إسلامي مثلاً أو حلوى مشتقة من الثقافة الإسلامية؟ وهل مستوصف التوحيد يعتمد فى سبل الكشف على المرضى وعلاجهم على تقنيات صنعها المسلمون وحدهم؟ وهل منتخب الساجدين اتضح أنه منزه عن الأخطاء الدنيوية والزلات الإنسانية؟ هل الكافتيريا التى اختار صاحبها أن يعلق لافتة ضخمة كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله منعت تلال القمامة من بقايا المأكولات والأكواب والصحون البلاستيكية المتسخة من التكون على بابه؟ وهل السيوف الملصقة على خلفيات السيارات مع الشهادتين جعلت السيارة Made in Al Umma Al Islamia، بدلاً من Made in China؟

هل هذه الخلطة وما آلت إليه أوضاعنا من اختلاط الحابل بالنابل والارتكان إلى مظهر دون جوهر وقول دون فعل تستحق منا بعض التفكير بغرض التقييم؟

الفيس بوك

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث