لا زالت الفتاة التونسية نبيلة بن ميلاد تعتقد بأن علاقتها بعازف الغيتار السويدي أندرس تيدال هي من بين أجمل ذكرياتها، لكنها لا تبدي اليوم أي حسرة على قراره الانفصال عنها بعد أن كانا على مشارف الدخول إلى القفص الذهبي معا.
بدأت علاقة نبيلة بأندرس منذ عام 2008 وكان اللقاء الأول بينهما على موقع دردشة خاص بالموسيقيين والعازفين من كل أنحاء العالم. ومنذ ذلك اللقاء أصبحت ساعات الدردشة بينهما تمتد إلى نحو عشر ساعات يوميا على مدى قرابة نصف العام توجت بقصة حب مثيرة ومفعمة بالعواطف.
ومن العالم الافتراضي كان اللقاء الأول على أرض الواقع خلال مهرجان لوس انجلس للعازفين المحترفين عام 2009 حيث توطدت علاقة الثنائي دون أن يكون هناك ما يعكر صفوها من فوارق ثقافية ودينية.
تروي نبيلة لـDW عربية "لم نشعر بوجود أي حاجز من هذا النوع. أنا مسلمة وهو بروتستانتي مع ذلك كان هناك احترام متبادل وقضينا وقتا ممتعا. كان كلانا سعيدا بالعلاقة".
وأضافت نبيلة في حديثها "كان يبذل مجهودا لتعلم العربية وقد بدأ من تلقاء نفسه الإطلاع على القرآن. كان على علم بالقوانين التي تمنع زواج التونسيات بأجانب غير مسلمين إلا إذا اعتنقوا الإسلام".
وحتى هنا، كانت العلاقة تسير بسلاسة وكأفضل ما يكون لا سيما وأن أندرس أبدى استعدادا للتحول إلى الاسلام إذ يمنع منشور في تونس صدر منذ عام 1973 بشكل صريح الزيجات من هذا النوع في حال لم يعتنق الزوج الأجنبي الديانة الإسلامية وكان ذلك سيشكل عقبة كبرى في طريق الارتباط الرسمي بين الاثنين.
ولكن نبيلة وعلى خلاف الكثير من التونسيات اللاتي يناضلن اليوم في تونس لإلغاء المنشور الذي يعيق آلاف الزيجات المماثلة بسبب الفوارق الدينية، تعد محظوظة كونها لم تكن معنية بهذا الجدل.
وتمضي نبيلة في روايتها بأن علاقتها بعازف الغيتار ازدادت توطدا بعد لقاء ثاني في النسخة التالية من مهرجان الموسيقيين العازفين بمدينة فرانكفورت الألمانية وساعد ذلك الميول المشتركة بعشق الموسيقى والسفر والانفتاح على الثقافات المغايرة.
ومهد اللقاء الثاني للحديث في الارتباط الرسمي ومفاتحة العائلة وهو ما حدث بالفعل غير أن المنعرج حدث في اللحظة الأخيرة إذ لم ينجح أندرس في استيعاب الفوارق الثقافية بكافة تفاصيلها ولم يكن هناك توافق بشأن وطن المستقبل إن كان سيكون السويد أو تونس.
علقت نبيلة على ذلك قائلة "أصبت بإحباط شديد لازمني لأكثر من عامين. أندرس تعرض إلى الكثير من الضغوط من محيطه للتخلي عن العلاقة وحدث هذا الأمر معي أيضا، وهكذا انتهت علاقتنا".
ولكن في كل الأحوال لا تبدي نبيلة اليوم بعد سنوات من تلك التجربة أي ندم لنهاية تلك العلاقة لاعتقادها بأن الحياة الزوجية كانت ستكون صعبة برابط لغوي مغاير للغة التي شبت وتربت عليها مع أنها تتحدث أربع لغات بطلاقة.
الهجرة والقطيعة
لكن على عكس نبيلة فإن التجربة كانت أكثر مرارة مع حنان (ز) التي قررت الزواج من مواطن فرنسي من أصول كونغولية على الرغم من الرفض المطلق لعائلتها. والسبب في ذلك أن زوجها المسيحي كان محافظا ورافضا لفكرة تغيير ديانته إلى الاسلام.
تعتبر حنان أن من سوء حظها أن بداية علاقتها اقترنت بموجة من الأعمال الارهابية التي اجتاحت العالم وكان لذلك تأثير كبير حسب رأيها في موقف زوجها المتحفظ تجاه الإسلام.
تروي حنان قائلة "رفضت عائلتي هذا الزواج وهددوا بمقاطعتي نهائيا وفي المقابل رفض زوجي اعتناق الاسلام. كان شخصا متدينا. اتخذت قراري بالزواج وأنا اليوم أمٌ لابنين لكني خسرت عائلتي".
مؤتمر لالغاء منشور وزير العدل المتعلق بزواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين
تعيش حنان في باريس وهي لم تزر بلدها تونس منذ نحو خمس. وهي تعترف اليوم بوجود صعوبات كبرى في حياتها بسبب الوحدة والعزلة ولكنها لا تستطيع العودة إلى الوراء. فقط هي تأمل أن تصفح عنها العائلة وتقبل بحرية اختيارها لحياتها وبالطريقة التي أرادتها وخططت لها.
لكن في كل الحالات تواجه حنان والكثير من التونسيات المتزوجات بأجانب غير مسلمين اشكالا قانونيا يصعب حله في الوقت الحاضر في ظل وجود منشور رسمي إذ لن يتسنى لهن تسجيل عقود زواجهن في السجلات المدنية بتونس لذلك فإنهن في نظر القانون التونسي لا زلن عازبات حتى اشعار آخر.
ولا توجد احصائيات دقيقة لعدد الزيجات على هذا النحو لكن منظمات نسائية من المجتمع المدني تقول إنها تتلقى شكاوي كثيرة بسبب المنشور وتبعاته.
ائتلاف مدني ضد القانون
ويضغط ائتلاف مدني يضم نحو 60 منظمة من المجتمع المدني بتونس على الحكومة بهدف سحب المنشور ومنح حرية الزواج بشكل مطلق للمرأة دون وصاية الدولة والدين.
وتوضح منية بن جميع رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بأن المنشور يتعارض مع ما تضمنته مجلة (قانون) الأحوال الشخصية التي حددت حقوق المرأة منذ خمسينات القرن الماضي ومنحتها مكانة متحررة وغير مسبوقة في المنطقة العربية.
تقول منية لـDW عربية "المنشور لا يتعارض فقط مع المجلة ولكنه مخالف أيضا للدستور الذي يقر بحرية الضمير والمعتقد ويفرض على الدولة حماية تلك الحرية".
بالنسبة لجمعية النساء الديمقراطيات فإن المنشور، علاوة على التضارب القانوني الذي يطرحه مع الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها تونس، فإنه يطرح كذلك مشكلا أخلاقيا كونه يفرض على المقبلين على الزواج اعتناق دين محدد قد يكون مخالفا لقناعاته.
وتبين منية بن جميع من أن المنشور يخاطر بوضع الدين كأحد الأمور الشكلية طالما أن الزواج في مثل هذه الحالات يتوقف على إطلاق شهادتين أمام مفتي الديار. وقد لا يعبر ذلك عن قناعة فعلية بالدين.
وينطلق المنشور من قاعدة أن جميع التونسيات مسلمات ولا يحمل عموم المواطنين في تونس أوراقا ثبوتية تشير إلى ديانتهم.
الاشكال يكمن في اختلاف تأويل النصوص القانونية
وفي نظر كثير من المتابعين لهذا الجدل فإن الاشكال يكمن في اختلاف تأويل النصوص القانونية بما في ذلك الدستور التونسي الجديد الذي صدر في 2014 واعتبر من أفضل دساتير العالم في حماية الحريات.
وإذا كان معارضو المنشور يتسندون إلى الدستور فإن المؤيدين له يستندون بدورهم إلى نفس النص وفي رأيهم فإن التأكيد في توطئة الدستور وفي الفصل الاول من أن تونس دولة مسلمة كفيل بتثبيت صحة المنشور الذي يعزز احكام الشريعة الاسلامية.
ولكن الناشطة عايدة ثابت رئيسة الجمعية التونسية للدفاع عن الأقليات تشير في حوار مع DW عربية الى أن الدولة المدنية يتعين عليها معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة بما في ذلك حق الزواج باعتباره حق أساسي بجانب احترام الأقليات الدينية على اعتبار ان ليس كل التونسيين مسلمين، وإن كانوا يمثلون الأغلبية الساحقة.
وتقول الناشطة في تعليقها "يكرس المنشور النظرة الدونية القديمة للمرأة بفرضه وصاية الدولة على حقها في الزواج وكأنها عنصر قاصر بينما يختلف الأمر مع الرجل. كما أنه يمثل اعتداء على حق المواطن بدفع الى اعتناق دين آخر".
وترى عايدة ثابت أن تونس التي أغلت زمن حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة منذ خمسينات القرن الماضي، في خطوة ثورية تعدد الزوجات يفترض أن يسهل عليها اليوم الغاء هذا المنشور الذي هضم حق نسبة كبيرة من التونسيات.
وبدأت الجمعية بالفعل ومنذ العام المضي بجمع امضاءات على عريضة تطالب بسحب المنشور وهي تستعد بمعية جمعيات أخرى لتكوين لجنة تعنى بالتفاوض مع وزير العدل ووزارة الداخلية البرلمان بهدف سحب المنشور في أقرب الآجال.
وتوضح بن ثابت لـDW عربية "نريد أن نلغي هذا المنشور في الخامس من تشرين ثان/نوفمبر المقبل وهو نفس تاريخ صدوره. يتعين على الاسلاميين الذين كانوا جزءا من صياغة الدستور الحالي أن يحترموا ما ورد به وان يحترموا الاتفاقات الدولية التي تتمتع بقوة قانونية أرقى من القوانين الداخلية".
مطلوب توافق مجتمعي
وفي بلد ما زال الدين يمثل فيه مسألة بالغة الحساسية بعد عقود طويلة من القيود السياسية والاجتماعية للسلطة قبل ثورة 2011 فإن الحديث عن سحب المنشور يستوجب أولا حصول توافق مجتمعي حوله وهو أمر قد لا يبدو سهل المنال في هذا الملف بالذات وفي السياق الذي تعيشه تونس اليوم.
وفي حديثه مع DW يشير عضو نقابة الأئمة التونسيين شهاب الدين تليش الى أن قانون الأحوال الشخصية ذكر بـ"الموانع الشرعية" التي تحول دون اتمام الزواج وهو يقصد بذلك ضمنا الاحكام المستوحاة من الشريعة الإسلامية بما في ذلك منع زواج المسلمة بغير المسلم.
ويوضح تليش أن أي تأويل لتلك النصوص لا يجب أن يخرج عن الأحكام الشرعية وعن ثوابت الدين المتعارف عليها منذ القدم.
ويعلق على ذلك قائلا "نحن نعتبر أن الدعوة تتعارض مع الدستور والدين وهي تهدد بتقسيم التونسيين".
تونس – طارق القيزاني