سناء العاجي:
في كل نقاش يتعلق بتفاصيل الدين والتدين، سنجد من يقول لنا إن الإسلام، خلافا لباقي الديانات التوحيدية، يتميز بكونه لا وساطة فيه بين الخالق وعبده. هناك علاقة مباشرة بين الإنسان المسلم وربه.
نظريا، هذا كلام رائع. وهو أيضا كلام صحيح... لكن نظريا فقط. نصيا فقط.
في الواقع، هناك آلاف الفقهاء ممن يخبرونك كيف تأكل وكيف تنامين وكيف تشرب دواءك وكيف تغطين شعرك وكيف تطيعين زوجك وكيف تمارس الجنس مع زوجتك وكيف تعدل وأنت تعدد وفي أي وضع يجب أن تكون يداك وأنت تصلي وكيف تشتري خروف العيد وماذا عليك أن تتفادى كي لا تبطل صيامك وكي لا تبطل صلاتك.
ستجد دائما من يقول لك إن صلاتك غير جائزة لأن... وإن صيامك غير جائز لأن... وإن حجابكِ لا يوافق الضوابط الشرعية... وإن عليك أن تفعل كذا لتحصل على 357 حسنة وإن عليك أن تقرأ هذا الدعاء حتى يضيف الله لك 23 حسنة في ميزانك.
ستجد من يبيعك تمرا حلالا وماء حلال وطلاء أظفار حلال، وكل هذه منتوجات متوفرة فعليا في أسواق بعض البلدان، كي تساعدك على دخول الجنة.
ستجد من يفتي في أدق تفاصيل حياتك ليساعدك على دخول الجنة؛ ومن يحكم على أدق تفاصيل حياتك ليقرر بها أنك ستدخل النار.
ستجد من يكفرك بسبب تغريدة ساخرة ومن يدخلك النار بسبب مقال كتبته أو فيلم أخرجته أو أغنية استمعت لها.
ستجد من يصدر عشرات الآلاف من الفتاوى في تارك الصلاة وفي مفطر رمضان، حتى والقرآن لم يحدد لهؤلاء عقابا دنيويا.
ستجد من يفتي في دخولك الحمام واقفا أو جالسا وأنت تتبول، ومن يحاسبك على كونك ولدت أعسرا. وبما أنك، في هذه الحالة، غير قادر على الكتابة والأكل بيدك اليمنى، فهم سيقررون أنك ستدخل النار... بل قد يمنعونك وأنت طفل من استعمال يدك اليسرى حتى لا تدخل النار.
سيقررون أنك تسكن بيتا حراما بما أنك أخذت قرضا من البنك لتمول شراءه، وأن الله سيحرقك في نار جهنم بسبب ذلك.
سيخبرونكِ بأن الكحل الذي وضعته سيجعل الله يعلقك في النار من أهدابك.
سيتدخلون في جنسانيتك وفي علاقتك بزوجتك أو علاقتك بزوجك. سيفتون في أدق تفاصيل حياتك وعلاقاتك ومهنتك وشكلك...
... ومع كل هذا، ستجد دائما من يصر، بعفوية غريبة، على أن لا وساطة في الإسلام وأن هناك علاقة مباشرة بين المسلم وربه.
أين رأيتم تلك العلاقة المباشرة وكل فرد يتدخل فيها ويحدد طبيعتها وشروطها؟
أين رأيتم تلك العلاقة المباشرة وملايين المسلمين قرروا أن يأخذوا مكان الله ليخبروك بأنك كافر، حسب معاييرهم، وأنك ستدخل النار؟
بالفعل، ليست هناك مؤسسة رسمية تلعب دور الوساطة بين المسلمين وربهم... لكن الواقع أن معظم المسلمين يلعبون ها الدور بشكل فردي اختياري، حين يتدخلون في كل تفاصيل ممارستك الدينية، بل وكل تفاصيل حياتك.
هناك حديث لرسول الإسلام يقول فيه: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس". لأن قلبك سيخبرك بالخير وبالشر في سلوكك وقراراتك. لأنك قلبك سيخبرك، مثلا، حين تضع قطرة علاج في عينك وينزلق منها القليل إلى حلقك، أنك لم تفطر بما أنك لم تشرب ماء متعمدا لتروي عطشك؛ بل هي قطرة دواء صغيرة قد تكون أساسية لعلاج مرض عينيك... لكن بعض الفقهاء وحتى زميلك في العمل وابنة خالتك سيصرخون في وجهك: "لقد أفطرت... ما كان عليك أن تضع القطرة. صيامك باطل!". من أنت لكي تقرر بأن صيام الآخر باطل أو صحيح؟ هل ستأخذ مكان الله؟
ثم سيصرخ كل هؤلاء بصوت واحد: "ميزة الإسلام عن المسيحية واليهودية، أن ليس فيه وساطة بين الله وعبده".
بينما جل المسلمين... وسطاء بينك وبين ربك. يكفرونك. يدخلونك النار تارة والجنة تارة أخرى. يناقشون صيامك وسريرك وصلاتك وأكلك ودواءك... وحتى دخولك الحمام.
ثم يصفقون للفقيه والسياسي الذين يقولون لهم: "ليست هناك وساطة في الإسلام".
نظريا عزيزي... نظريا فقط!