تنظيم الإخوان ونظام الأزهر - مقالات
أحدث المقالات

تنظيم الإخوان ونظام الأزهر

تنظيم الإخوان ونظام الأزهر

محمود العلايلي

يذكر أننا فى أواخر الربع الأول من القرن الواحد والعشرين كان منصب شيخ الأزهر يعادل منصب رئيس مجلس الوزراء، بحسب القانون الذى تم تشريعه فى عهد الرئيس السادات، إضافة إلى الاستثناءات الدستورية التى يتمتع بها، وكنت قد ذكرت بعضها سابقا؛ بعدم تحديد طريقة إنهاء خدمته، وعدم إدراج شرط سنه- وإن ذكر هذا فى شروط عضوية هيئة كبار العلماء- أو جنسيته هو أو أفراد عائلته كما هو متبع مع مناصب الدولة العليا، بينما الأهم أن الدستور لم يحتم على شيخ الأزهر أداء اليمين الدستورية التى يقسم فيها شاغلو هذه المناصب على احترام القانون والدستور ورعاية مصالح الشعب والحفاظ على استقلال الوطن.

وفى محاولات للبحث عن الدور الذى يلعبه الأزهر باعتباره من قوى مصر الفاعلة سياسيا، وتأثيره فى الدول الإسلامية عن طريق إرسالياته لهذه الدول وعن طريق استقدام طلاب هذه الدول للدراسة فيه والإنفاق عليهم فى الحالتين بحسب الدستور- هل تحقق الهدف من ذلك على مستوى التأثير المصرى السياسى فى هذه الدول؟، كيف يتأتى ذلك دون أن يكون هناك أى ولاية للدولة على هذه البعثات الخارجة منها أو الآتية إليها؟ وعلى مضمون ما تحمله هذه وما تدرسه تلك؟، وإنما تستهلك هذه البعثات الخارجة والآتية فكر دولة الأزهر الذى لا يشترط العلاقة بمصلحة للدولة المصرية سياسيا أو اقتصاديا أو دبلوماسيا.

إننا إذا استعرضنا دستور 2012 والذى أخرجته لمصر جماعة الإخوان والتيارات السلفية المسيطرة حينها، لوجدنا أنه اشتمل على المادة 219 والتى تنص على: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة».انتهت المادة. وتتأتى خطورة هذه المادة من أن التيارات السابق ذكرها لم تفسر عبارة الشريعة الإسلامية المذكورة فى المادة الثانية من الدستور فقط، بل أعطوا لأنفسهم ومن تبعهم أسس تفعيل هذه المبادئ وإقرار هذه القواعد بحسب المادتين الثانية والـ«219»، بينما إذا استعرضنا دستور 2014 والذى كان بمثابة تعديل لسابقه، نجد أننا قد استبدلنا نفوذ الإخوان والسلفيين فى جمعية كتابة الدستور بنفوذ ممثلى الأزهر فتم إلغاء المادة «219» لصالح صياغة المادة «7» واستبدل تفويض شرح وتطبيق الشريعة من التنظيمات إلى النظام بحسب نص المادة الذى يقر (أن الأزهر المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشؤون الإسلامية)، أو كما أكد السيد وكيل الأزهر«أنه مرجعية أهل السنة والجماعة» فى تصريح له خلال زيارة أحد المجازر البرازيلية للتأكد من أن الذبح يتم بحسب الشريعة الإسلامية!.

وهنا نتساءل، ألم تبدأ الثورة ضد الإخوان لأنهم تنظيم داخل الدولة ثم اندلعت على أفكارهم وعلى السلفيين الذين والوهم من أجل الاستفادة من المناخ الذى يوفره التنظيم؟، هل ثار المصريون على التنظيم ليرث النظام نفس الأفكار وببنية تنظيمية شبيهة؟. إن هذا يؤكد أن الخلاف بين الإخوان وقت حكمهم وبين الأزهر لم يكن أبدا خلافا عقائديا كما توهم البعض، وإنما كان خلافا على احتكار الدين والتحكم فى تفسيره، وكما أقر لنا التاريخ الحديث أن الخلاف بين النظام الحاكم والتنظيم لم يكن أيضا خلافا عقائديا من أجل حاضر الدولة ومستقبل مواطنيها، بل كان خلافا سياسيا وصراعا على السلطة، ولذلك كانت آلياته الإقصاء والتنكيل وقت عبد الناصر، وكانت بالترغيب والسماح فى عهد السادات، بينما كانت بالمهادنة والاحتواء أيام مبارك الطويلة، وذلك لأنه لم يكن هناك أى محاولة جادة للمواجهة الفكرية الحقيقية، لأن ذلك كان يتطلب بالضرورة إشراك باقى التيارات المدنية الوطنية الأخرى، وهو ما لم يرد أن يمارسه أى من هؤلاء الحكام فى ظل نظام سلطوى بآليات الحزب الواحد.

إن اللافت فى الأمر حاليا أن الإدارة السياسية يبدو أنها قد عدلت عن تصميمها أن توكل لمؤسسة الأزهر مسألة الإصلاح الدينى، وكأنها تأكدت أخيرا أن الأزهر ليس مؤسسة إصلاحية، أو لها تاريخ فى الإصلاح، أو الأهم إن كان للأزهريين الرغبة فى الإصلاح أصلا!، وأما عن مقومات الإصلاح، فإن الواقع يقر أن مؤسسة الأزهر ليس لها أى ولاية إلا على الملتحقين بهياكلها التنظيمية، أى أنه تأثير وحضور بروتوكولى ابتدعته الدولة واستخدمته المؤسسة، أما التأثير الشعبى أو الشرعية لدى التجمعات الدينية الكبرى والتيارات الفقهية المخالفة التى لا تندرج تحت المظلة الرسمية للدولة، فليس للأزهر أى هيمنة عليها أو تأثير فيها، ولا فى الدول الإسلامية الأخرى، كما ظهر فى الحالة التونسية حيال تعليقات الأزهر على مشروعات قوانينهم الإصلاحية، حيث لم تلق التعليقات أى رد فعل أو بالأدق قوبلت بعدم الاكتراث.

إذا كانت الإدارة السياسية لمصر قد أخذت خطوات عملية بإيكال مسألة الشأن الدينى إلى وزارة الأوقاف بصفتها جزءا من الجهاز التنفيذى للدولة، فقد آن الأوان لكى تصلح الدولة هيكلها التنظيمى من خلال تنقية تشريعاتها بالحد من مخصصات المؤسسات ذات أى صلاحيات خارج نطاق الدولة وفوقها، بالرجوع لما كانت عليه مؤسسة الأزهر بتبعيتها سابقا لوزارة الأوقاف، وضبط تراتبية مناصب الدولة بحيث لا يكون هناك منصب رسمى مقدس، عصىّ على المؤاخذة والمحاسبة.

المصرى اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*