كيف نقلت لنا أحاديث عن صحابة أجلاء أنهم طاردوا نساء أرادوا خطبتهن واختبؤوا لهن في جذوع النخل؟ هل أجازت مذاهب فقهية نظر الرجل إلى جميع بدن المرأة إذا أراد أن يتزوجها ما عدا العورة؟
عصام الزهيري:
قل لي: ما الذي تحب أن تراه في امرأة عمرك، شريكة حياتك، فتاة أحلامك، توأم روحك، قسيمة مستقبلك؟ هل تحب أن تكون جميلة، مثقفة، ذات شخصية جادة أم حالمة رومانسية، متدينة أم متحررة، زاهدة في الملذات أم مقبلة على الحياة، خفيفة الدم ومحبة للضحك أم متزنة تعد كلماتها وتحسب ردود أفعالها، جريئة أم خجولة، ذات شخصية قوية وعقل متفتح مستنير متفاعل أم بريئة رقيقة مقتصرة متوحدة قليلة الأفكار عميقة المشاعر..
ويمكنك أن تفاضل بين كل الخصال السابقة والكثيرة أو غيرها مما لا يتناهى تقريبا من سمات الكائن الإنساني الثرية اللا متناهية، فكل إنسان منا رجلا كان أو امرأة، عالم ذهني ووجداني بحاله، نزوع عقلي متكامل وعمق نفسي شامل، قائم بذاته وحافل بمكوناته وفي اتصال مع كل شىء حوله في نفس الوقت، كل واحد وواحدة منا كون صغير ينطوي على الكون الأكبر كما قال الشاعر العربي القديم. لكن عموما، وأيا كان اختيارك وتفضيلاتك بين السمات البشرية المتفاوتة، فمفاضلتك فى حد ذاتها تعنى أنك نظرت إلى المرأة كإنسان، إنسان تنطبق عليه كل سمات ومميزات وخصال النوع الإنساني الذى كرمه الله وفضّله على الكائنات. وهو الأمر الذي لن تجده – للأسف الشديد ومهما حاولت - في علوم الحديث والفقه الإسلامي.
فهذه النظرة الإنسانية إلى المرأة لا علاقة لها إطلاقا، لا من قريب ولا من بعيد، بالنظرة الشهوانية الأداتية المتدنية المنتشرة، ويمكنك أن تلتقي بها في كل كتب الأحاديث المنسوبة للنبي، وتلتقي بها كذلك فى آراء ونظرات الفقهاء التى حوّلت العالم الإنساني إلى عالم بائس فقير، بارد ميكانيكي، أعمى وأصم، خال من الروح والعقل والحس الإنساني وحيوية الواقع، وكانت نظرتها إلى المرأة غالبا أشبه ما تكون بنظرتها إلى الأداة، الشىء المستعمل والمقتنى، الجسد الخالي من عقل وروح أو الجارية أو –لا قدر الله– البهيمة.
ولندخل في الموضوع مباشرة.
عن سليمان ابن أبي حثمة قال: «رأيت محمد بن مسلمة يطارد امرأة ببصره على أجار، يقال لها بثينة بنت الضحاك أخت أبى جبيرة.
قلت له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟ قال: نعم.
قال رسول الله: إذا ألقى الله فى قلب رجل خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها».
وفي رواية أخرى لنفس الحديث: «رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق أجار –متاع- لها ببصره طردا شديدا».
أخرجه ابن ماجه والبيهقي وأحمد وغيرهم.
عن جابر، قال رسول الله: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. قال جابر: «فلقد خطبت امرأة من بني سلمة فكنت أتخبأ في أصول النخل حتى رأيت منها بعض ما أعجبنى فتزوجتها»– رواه البيهقي وأبو داوود وأحمد والحاكم وغيرهم.
عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة، فقال النبي: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما قال: فأتيتها وعندها أبواها، وهي في خدرها، فقلت: إن رسول الله أمرني أن أنظر إليها، قال: فسكتا، قال: فرفعت الجارية جانب الخدر، فقالت: أخرج عليك إن كان رسول الله أمرك أن تنظر لما نظرت، وإن كان رسول الله لم يأمرك أن تنظر فلا تنظر، قال: فنظرت إليها، ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها، ولقد تزوجت سبعين أو بضعا وسبعين امرأة» – رواه الترمذي والنسائي والبيهقي وأحمد وغيرهم.
حديث الواهبة عن سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت رسول الله فقالت: «يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله، فصعّد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه». واللفظ للبخاري.
عن أنس أن النبي أراد أن يتزوج امرأة، فبعث بامرأة تنظر إليها، فقال: «شمي عوارضها –يعنى أسنانها- وانظرى إلى عرقوبها»، قال: فجاءت إليهم، فقالوا: ألا نغديك يا أم فلان؟ فقالت: لا آكل إلا من طعام جاءت به فلانة، قال: فصعدت فى رف لهم، فنظرت إلى عرقوبها، ثم قالت: قبليني يا بنية، قالت: فجعلت تقبلها، وهى تشم عارضها، قال: فجاءت فأخبرت النبى».
أخرجه الحاكم والبيهقي وأحمد والطبراني وغيرهم.
وبعد أن يستخلص المرء كل ما يمكنه استخلاصه من الأحاديث السابقة، أقصد أشياء مثل: مطاردة صحابي جليل «بثينة بنت الضحاك» أخت «أبي جبيرة» طردا شديدا، إلى «تخبؤ» صحابي آخر فى جذوع النخل حتى يرى من المرأة «بعض ما أعجبه» و«ما يدعوه إلى نكاحها»، إلى «الجارية» التى علت منزلتها عند صحابي ثالث رغم أنه تزوج عليها سبعين أو بضع وسبعين امرأة بعد أن أجبرها، هى وأبواها، على كشف جسدها، إلى تصعيد النبي نفسه النظر ثم تصويبه فى جسد امرأة وهبت نفسها له، إلى شم الأسنان وتقييم عرقوبي القدمين.. لابد أن نصل إلى تصور لا يمكن الفصل فيه بين الزواج وبين الجنس، بين الاقتران بزوجة مدى الحياة وبين جماعها ليلة، بين عشرتها وبين النوم معها.
غير أنه قد يتراءى للمرء النظر إلى ما استخلصه باعتباره سمات «زواج دقة قديمة» كما نقول، أو صفات «الزواج التقليدي» الذى ساد في الأزمان القديمة ولم يكن الإنسان فيها قد بلغ الحد البعيد الذى بلغه من اكتشاف نفسه، واكتشاف عالمه المحيط، ولا الكون كله.
لولا أن الفقهاء والسلفيين في زماننا يصرون على تلقين هذا التصور عن المرأة والزواج باعتباره «التصور الإسلامي»، وأنه نظرة الإسلام للمرأة وللزواج وللعلاقة بين الجنسين.
وهو أمر غير صحيح قطعا ولا يمكن اشتقاقه من القرآن الكريم الذى يعزو للخالق سبحانه وتعالى معجزة خلق الزوجين، قرينين ذكرا وأنثى، ويجعلها في مقام معجزة الخلق نفسها والحياة كلها، يقول تعالى: «وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى». سورة النجم.
عموما، يجب أن تضيف إلى ما قرأت لتتضح مأساوية الوضع الفقهي الحالي، فهم الفقهاء القدامى له، وهؤلاء قد يكون لهم عذرهم المفهوم بأن هذا الفهم ينتمي لثقافتهم ولعصرهم الذين كانوا أبناء عاداته وثقافته، لكنك لن تجد في نفسك سوى مزيج الدهشة والإنكار أمام حقيقة أن يظل هذا الفهم مسلطا على المسلمين حتى في أيامنا هذه باعتباره الفهم الشرعي الإسلامي، والنظرة السلفية النموذجية للمرأة والزواج، أي أن يقدم لنا باعتباره فهم الإسلام نفسه.
فلأن حد النظر إلى المرأة المخطوبة في كل الأحاديث السابقة كان ما يعجب الرجل أو لا يعجبه منها، وما يدعوه إلى الزواج أو ما يجعله يحجم من جسدها، فقد اختلف فقهاء المذاهب فيما يباح للرجل أن ينظر إليه من المرأة التى ينوي خطبتها، ذهب جمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه ينظر للوجه والكفين فقط، وزاد الحنفية: القدمين، وذهب الحنابلة إلى أنه ينظر إلى ما يظهر غالبا كالوجه والكفين والرأس والرقبة والقدمين، وذهب فقهاء الظاهرية و«ابن حنبل» في رواية إلى أنه يجوز للرجل أن ينظر إلى جميع بدن المرأة ما عدا العورة المغلظة وهي الفرج أو الفرجان.
وقال «الأوزاعي» مثلا: «ينظر إلى مواضع اللحم»، وقال «داوود»: «ينظر إلى جميع بدنها»، وقال غيرهما: «ينظر إلى ما يظهر منها رأسها وشعرها ووجهها وكفيها وقدميها»
كذلك لم يشترط الفقهاء كما استخلصوا من الأحاديث السابقة علم المرأة بترقب الرجل وتلصصه عليها، فقال «النووي»: «والجمهور لا يشترط في جواز النظر إليها رضاها، بل له ذلك فى غفلتها، ومن غير تقدم إعلام، لأن النبي قد أذن في ذلك مطلقا، ولم يشترط استئذانها».
وفي كشاف القناع: «لأنه صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها عُلم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر غالبا إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره في الظهور».
والصورة العامة المؤسفة التي يمكن اشتقاقها من كل ما سبق تلخصها الطريقة التى تنسبها الروايات إلى أمير المؤمنين «عمر بن خطاب»، الذي لم يعرف عنه في حياته كلها ولع بالجنس ولا بالنساء، في زواجه من «أم كلثوم» حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم وابنة أمير المؤمنين «علي بن أبى طالب».
وهو حديث ذكره «الألباني» فى سلسلة الأحاديث الصحيحة عن «محمد بن علي ابن الحنفية»، «أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خطب إلى علىي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقيل له: إن ردك فعاوده، فقال له علي: أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقيها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك». وقد تزوجها «عمر» ورزق منها بولديه: زيد ورقية.