تحقيق عن معاناة مسلمي الأويغور إعادة تأهيل أقلية الإيغور المسلمة في الصين": نزيل سابق يكشف أساليب التعذيب - مقالات
أحدث المقالات

تحقيق عن معاناة مسلمي الأويغور إعادة تأهيل أقلية الإيغور المسلمة في الصين": نزيل سابق يكشف أساليب التعذيب

تحقيق عن معاناة مسلمي الأويغور إعادة تأهيل أقلية الإيغور المسلمة في الصين": نزيل سابق يكشف أساليب التعذيب

ذكر حقوقيون أن أكثر من مليون صيني مسلم محتجزون في معسكرات إعادة تأهيل صينية حكومية. وقال شاهد إن البدلة الحديدية وكرسي النمر ليسا إلا بعض أدوات التعذيب فيها. الحكومة لم تعد تنفي وجود المعسكرات لكنها ترفض اتهامات التعذيب.

عندما تحدث خيرت ساماركان عن أساليب التعذيب التي كان يستخدمها حراسه أمسك بقلم، ظل صوته هادئا، وبدأ يرسم. رسم شخصا، بدا هذا الشخص وكأنه يرتدي سترة أكبر منه بكثير. بدا هذا الشخص وكأنه فزاعة، ذات ذراعين مبسوطتين و قدمين بارزتين للخارج "هذه هي البدلة الحديدية"، بحسب ما قال خيرت ساماركان، وبهذا الاسم سمى الشاب البالغ من العمر 30 عاما الأداة التي يعذب بها الناس.

كان من يحشر داخل هذا الكورسيه يضطر للبقاء في نفس الوضع لمدة ساعات. علم ساماركان في رسمه بأسهم على كتفه الأيسر وعلى خصره وقال: "كان أشد الوجع هنا". ينحدر خيرت ساماركان من إقليم سنجان "شينجيانغ" الواقع غرب الصين، وأصبح يعيش الآن في كازاخستان المجاورة للصين، وتحدث معنا في مطعم بمدينة ألماتي، عن مصيره.

"اعتقالات تعسفية وتعذيب وإساءة معاملة"

ليست هناك بيانات رسمية من الحكومة الصينية، ولكن، ووفقا لمنظمات حقوقية وحكومات أجنبية فإن ما يصل إلى مليون صيني، بل وأكثر، محتجزون في معسكرات إعادة التأهيل، في هذه المنطقة غير الهادئة.

أغلب المحتجزين من مسلمي الأويغور وهي الأقلية الصينية التي يبلغ تعدادها نحو عشرة ملايين نسمة، وهم على قرابة من الأتراك، في حين أن آخرين، ومنهم على سبيل المثال خيرت ساماركان، من شعب الكازاخ، أو الأوزبيك أو القيرغيز. ظل ساماركان ستة أشهر في أحد هذه المعسكرات "و فكرت في الانتحار"، بحسب ما يستعيد الشاب الثلاثيني ذكرياته.

طالب وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، خلال زيارته لبكين في تشرين الثاني / نوفمبر 2018 بمزيد من الشفافية، فيما يتعلق بالصراع مع الأويغور وبحقوق الإنسان، مؤكدا على أن ألمانيا لا يمكن أن ترضى بوجود معسكرات إعادة التأهيل. 

شعور بالقهر الاقتصادي والسياسي والثقافي والاستغلال

أما صوفي ريتشاردسون، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، فرع الصين، فلخصت مأساة حقوق الإنسان في الصين قائلة: "ترتكب الحكومة الصينية في شينجيانغ انتهاكات بحجم لم نشهده منذ عقود. هناك حديث لا يتوقف من قبل الأويغور مع خبراء أجانب، عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب وإساءة المعاملة. واستخدمت الأمم المتحدة هي الأخرى كلمات حادة لانتقاد هذا الوضع، حيث وصفت لجنة الأمم المتحدة ضد التمييز العنصري، المعروفة اختصارا بـ CERD، شينجيانغ على سبيل المثال بأنها "منطقة خالية من القانون". 

ولم يعد القابضون على السلطة في بكين ينفون حقيقة وجود المعسكرات، ولكنهم يرفضون اتهامات التعذيب، حيث أصبحت تتحدث بدلا عن ذلك عن "مراكز التأهيل الوظيفي"، قائلة إن هذه المراكز تستخدم كـ "أحدث وسيلة" في مكافحة الإرهاب.

وبالفعل فإن شينجيانغ تعتبر إقليما مستقلا، وهي بؤرة صراع منذ وقت طويل، حيث تكررت كثيرا الاحتكاكات بين الأويغور وغيرهم من الأقليات الأخرى، والصينيين من عرق الهان. ومات نحو 200 شخص خلال اشتباكات  التي وقعت عام 2009 في مدينة أورومتشي، عاصمة الإقليم، والتي تقع على بعد نحو 2400 كيلومتر جوا من بكين.

تشعر الأقليات السكانية القاطنة في الإقليم بالقهر الاقتصادي والسياسي والثقافي والاستغلال من قبل صيني الهان الذين يحكمون الإقليم. وفي المقابل فإن الحكومة الصينية تتهم مجموعات من الأويغور بأنها تسعى للانفصال عن الصين.

تحاول بكين منذ التسعينيات بشكل قومي من خلال استراتيجية "جو ويست"، أي تطوير المناطق المتخلفة في الغرب من خلال الاعتماد على سياسة سكانية، حيث ينتقل الكثير من الصينيين من عرق الهان بأموالهم من المدن الساحلية شرق الصين إلى إقليم شينجيانغ.

فكرة "طريق الحرير الجديد"

كما يدفع رئيس الدولة والحزب الحاكم في الصين شي جين بينغ بفكرة "طريق الحرير الجديد"، تصبح شينجيانغ من خلاله عند تقاطع طرق للتجارة مع آسيا الوسطى، وذلك لأن شينجيانغ تقع على الحدود مع الهند وباكستان وطاجيكستان وقيرغيزيا (قيرغيزستان) وكازاخستان وروسيا ومنغوليا.

قال حاكم شينجيانغ، شوهرات زاكير، في مؤتمر صحفي في آذار/مارس 2019 بمناسبة المؤتمر الشعبي الشيوعي، وهو ملتقى البرلمان الصيني غير المنتخب: "فعلا، تشبه مراكزنا المدارس الداخلية التي يعيش فيها التلاميذ ويأكلون بشكل مجاني"، مضيفا أن مزيدا من نزلاء هذه المراكز يغادرونها تباعا ويعودون إلى حياتهم الطبيعية.

ولكن تحليل صور الأقمار الاصطناعية الذي قام به المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية، أسفر عن أن الصين تتوسع في هذه المراكز. وجد خبراء المعهد أن مساحة المعسكرات في شينجيانغ ارتفعت أكثر من أربعة أضعاف ما كانت عليه منذ عام 2016.

وأُغلِقَت العديد من المعسكرات بالقرب من مراكز المدن، بحسب ما أوضح الخبراء، في المقابل تم إنشاء معسكرات أخرى في مناطق نائية، أو توسيع معسكرات قائمة بالفعل هناك. هكذا الحال أيضا في مدينة ينينغ، وهي مدينة محاطة بالجبال، يعيش فيها نحو 580 ألف نسمة، وهناك واجه فريق وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) صعوبات كبيرة في التحرك بحرية. فبمجرد وصول المراسلين إلى المطار، يتم استقبالهم من قبل امرأة ورجلين. تقدم المرأة نفسها على أنها موظفة في "مكتب شؤون الأجانب"، وتقول إنها تريد "تسهيل الزيارة"، ويرفض الرجلان الإفصاح عن هويتهما، ويتتبعان المراسلين في سيارة داكنة اللون. ولم نتمكن من إجراء مقابلات إلا في ساعة متأخرة من المساء، وبعد الهروب المتعجل من الباب الخلفي لأحد المطاعم.

ثم تحدث بعض السكان في منطقة مجاورة للأويغور عن مدرسة سابقة بالقرب منهم، كانت تستخدم معسكرا لإعادة التأهيل، وقالوا إن بعض نزلاء المدرسة ظلوا فيها لمدة بضعة أشهر، في حين مكث آخرون عاما أو عامين. أغلقت هذه المدرسة بالفعل الآن، وفقا للسكان، ونشأ مكانها معسكر جديد وأكبر حجما، في أطراف المدينة.

لم ينجح فريق وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) في مدينة ينينغ في الوصول للمعسكر الجديد الموجود في أقاصي المدينة، حيث تتم مراقبة السيارات التي تغادر المدينة. وهناك في مناطق إدارية أخرى "مروج أجمل وجبال"، بحسب شرطي في الاستجواب الذي أجراه على مدى نحو ساعتين مع مراسلي وكالة الأنباء الألمانية.

إضعاف الثقافة الإسلامية للأويغور: منعت السلطات الصينية الموظفين المدنيين والطلاب والمعلمين في إقليم شينجيانغ من الصيام في شهر رمضان، بحسب ما ذكرت مواقع رسمية مع بداية شهر الصوم 2015، مضيفة أنها أمرت المطاعم بعدم إقفال أبوابها. وقال المتحدث باسم مؤتمر الأويغور العالمي في المنفى إن "هدف الصين من حظر الصوم هو إضعاف الثقافة الإسلامية للأويغور خلال شهر الصوم".

إجراءات أمنية أكثر صرامة 

هناك إجراءات أمنية أكثر صرامة في مدينة كاشجر، ذات الواحات، والواقعة على بعد نحو 3500 كيلومتر جوا من بكين. هذه الإجراءات لا تقتصر فقط على كاميرات المراقبة المتصلة بشبكة عبر الإنترنت، والتي تستطيع تحديد مكان المارين من خلال برامج التعرف على الوجه، حيث إن أمن الدولة يصور هو الآخر في سيارات الأجرة في المدينة البالغ عدد سكانها نحو 629 ألف نسمة.

يقال إن هناك معسكرا كبيرا خارج مدينة كاشجار،ولكن الرحلة بالحافلة تنتهي هذه المرة أيضا عند كمين بأحد شوارع المدينة، عندها يضطر الأجانب والأويغور للنزول من الحافلة، حملة تفتيش على الهوية؟ يستطيع الصينيون من عرق الهان البقاء في مقاعدهم، استجواب آخر، ومرة أخرى يرفض الموظفون استمرار الرحلة، قائلين: "لقد أصبح الوقت متأخرا جدا اليوم".

وفي اليوم التالي توافق موظفة تابعة للحكومة المحلية على أن يسير فريق (د ب أ) بسيارته لأحد المنتزهات، والذي يعتبر أحد معالم المدينة، ويقع وفقا لصور بالأقمار الصناعية، إلى جانب أحد المعسكرات. بينما أنصتت المجموعة لمحاضرة عن تاريخ المنتزه، تجولت الأنظار للجانب الآخر من الشارع، حيث يوجد خلف أحد الأسلاك الشائكة مجموعة من الأبنية الحمراء والبيضاء "هناك يتم التدريس"، بحسب المرشدة السياحية. 

"تعذيب بالبدلة الحديدية وكرسي النمر"

نال خيرت ساماركان نصيبا من هذا "الدرس"، ويقول إن من لم يُطِعْ الأوامر هناك يضطر للوقوف ساعات في "البدلة الحديدية"، وإن هناك أداة تعذيب أخرى في المعسكر وهي كرسي النمر، الذي يقيد فيه الشخص المراد تعذيبه ولا يستطيع مغادرته. "يعيش شي جين بينغ!"، إنه أحد الشعارات التي كان  ساماركان يضطر لترديدها أثناء وجوده في "الدرس"، كما يتضمن منهج  "المدرسة" أيضا عددا من الأغاني الدعائية للنظام. 

يتحدث أورينبِك كوكسبِك عن أصناف أخرى من العذاب التي عانى منها في أحد المعسكرات في شينجيانغ قائلا: "كنت أكبل في القيود، وفي كل مرة كنت أقول فيها إنني لا أستطيع تحدث الصينية كنت أُضرَب بالعصي". يعيش كوكسبك اليوم مثل خيرت ساماركان، في كازخستان، هناك، على الجانب الآخر من الحدود، يكون الكلام أسهل.

ورغم ذلك فإن امرأة في مطلع العشرين، والتي قضت نحو ستة أشهر في أحد معسكرات الاعتقال، في إقليم أورومتشي، لا تريد أن يذكر اسمها في الأخبار، وتقول إنها كانت تسمع صباح كل يوم صوتا يتلو قوانين صينية عبر المذياع، ولم يكن هناك في الغالب للأكل سوى الخبز وحساء الكرنب.

نساء في انتظار طويل للرجال المحتجزين

ليس كل من قابلناهم في كازخستان من المعتقلين السابقين فقط بهذه المعسكرات، بل أهالي يائسون، بسبب اعتقال ذويهم. بعض هؤلاء الأهالي ينتظر أشهراً، وربما سنوات، حتى عودة أحب الناس إليهم. 

من هؤلاء سيرجول كِتان، التي يُحتَجَز أخوها وصهرها في الصين في أحد المعسكرات، وأسيل أليمكولوفا، التي تنتظر شريك حياتها. أما ميكهوا إيب فتنتظر شقيقها قوماش، الذي اعتقل عام 2018 واضطرت كاكين بيكامال لإعالة طفليها وحدها، وذلك منذ أن اعتقل زوجها موكاي أديلكازي. 

ويؤكد الأزواج في شينجيانغ نفسها أن الوضع تفاقم منذ عام 2016، عندما تولى شين قوانجو، الرئيس الجديد للحزب الشيوعي للإقليم، دفة الحكم، وكان من قبل معروفا بحكمه الباطش، كأعلى مسؤول حزبي في التبت.

ووفقا لدراسة أجرتها مؤسسة جيمس تاون، أحد مراكز الأبحاث المشاركة في دعم القرار السياسي بالولايات المتحدة، فإن إنفاق شينجيانغ على عمل الشرطة تضاعف عام 2017. وتُعتبر الحكومة هناك البطش وسيلة فعالة تساعد على المزيد من الاستقرار. 

ولكن القصص مثل تلك التي يحكيها خيرت ساماركان تبين أن العكس هو ما يحدث في الغالب، حيث يزداد الغضب هناك من الحكومة الصينية. عندما أخلي سبيل ساماركان كان كل شيء يغلي، بحسب ما يقول. سافر إلى كازاخستان حيث قضى أول لياليه هناك في فندق، وسمع هناك رجال أعمال صينيين يتحدثون في غرفة مجاورة. قال ساماركان إنه اندفع إلى داخل الغرفة وانهال عليهم ضربا، ثم اعترف فيما بعد بأنه يأسف لما فعله، مبررا فعلته بأن مشاعره السلبية كانت تطغى عليه.

(د ب أ)

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*