سناء العاجي
أكبر جريمة يمكن أن نرتكبها في حق ضحايا الحادث الإرهابي في نيوزيلندا، أن نتضامن معهم من باب كونهم مسلمين و/أو لأنهم قتلوا في مسجد.
الضحايا قتلوا باسم تطرف إرهابي موجع... وتضامننا معهم يجب أن يكون من باب الإنسانية أولا وقبل كل شيء. أن نتضامن معهم كما نتضامن مع ضحايا كل أشكال الإرهاب الأخرى في العراق وفرنسا وسوريا واليمن وبلجيكا والولايات المتحدة وكل بقاع العالم... ببساطة، لأنه ليس من حق أي شخص أن ينتزع الحياة من شخص آخر، باسم المعتقد الديني وباسم جنة (في الأرض أو في السماء)، لا يراها إلا مرادفا للقتل والإرهاب.
هل، لمجرد أنهم مسلمون، يستحق ضحايا نيوزيلندا التضامن أكثر من ضحايا مدريد وباريس وبروكسيل؟ أي منطق هذا؟
لنتوقف عن التضامن الانتقائي... لنتوقف عن تحميل الضحايا مسؤولية قتلهم حين يختلفون عنا دينيا
متى سنتعلم أن نتضامن مع ضحايا الإرهاب، كل الضحايا، خارج الخندقة الدينية والأيديولوجية؟ الإسباني المسيحي أو اليهودي الذي خرج صباحا ليذهب إلى عمله، فقتل في حادث إرهابي، لا يختلف في إنسانيته عن المسلم الذي كان يصلي في مسجد في نيوزيلندا أو العراق، وقتله إرهابي مسلم أو مسيحي...
البلجيكية التي قتلت في المطار لا تختلف في إنسانيتها وتفاصيل حياتها عن المسلمة التي اغتصبها داعش أو رجمها حتى القتل. المحامية الإيرانية المحكومة بثلاثة وثلاثين سنة سجنا و148 جلدة لأنها خلعت الحجاب في المحكمة ودافعت عن غيرها ممن خلعنه، لا تختلف عن المسيحية أو اليهودية الفرنسية التي كانت تحضر حفل الباتاكلون فقتلها الإرهاب أو عن السائحتين اللتين ذبحهما الإرهاب في مراكش...
جميع هؤلاء كانت لهم أحلام ومشاريع بسيطة، كأن يشتروا هدية لأمهم في الأسبوع المقبل، أو أن يخرجوا مع أطفالهم في نزهة يوم الأحد، أو أن يخرجوا مع حبيبهم/حبيبتهم للعشاء مساء الغد... لكن يد الإرهاب منعتهم من تلك التفاصيل الصغيرة التي نعيشها يوميا، والتي قد نحرم منها غدا لأن متطرفا مجنونا في الدار البيضاء أو بيروت أو وواشنطن، قرر أننا نستحق القتل فقط لأننا مختلفون عنه دينيا أو عرقيا.
لذلك، فلننتبه للتطرف الآخر الذي نمارسه، حين نقصي من تضامننا ومن مشاعرنا الإنسانية، ذلك الذي نراه مختلفا عنا في الدين.... أو حين نتضامن مع الآخر البعيد جدا، لمجرد أنه ينتمي لنفس ديننا.
حين يكون الفاعل في الحوادث الإرهابية مسلما، وترتفع بعض الأصوات المسلمة تضامنا مع الضحايا، يجد كثير من أبناء انتمائنا كل أشكال التبرير لعدم التضامن: تبرير القتل بكون "حكومة الدولة التي ينتمي لها الضحايا ساهمت في الحرب على العراق"؛ أو لغة المؤامرة التي تتساءل إن كان القاتل فعلا مسلما، وإن لم يكن ذلك تلفيقا من الغرب الكافر الشرير المتضامن ضدنا وضد ديننا؛ أو بكونهم كانوا في ملهى ليلي؛ وغير ذلك من التبريرات التي تبيح القتل ضمنيا.
وتنتشر على المواقع الاجتماعية عبارات: "وماذا عن ضحايا الحروب في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين؟"، "وماذا عن المذابح التي يتعرض لها المسلمون في بورما؟"....
علما أنك، كإنسان، تستطيع أن تتضامن مع ضحايا المجازر التي تعرض لها أقباط مصر، ومع الضحايا المسلمين في الحادث الإرهابي الذي حدث في نيوزيلندا، ومع الضحايا الفرنسيين والبلجيكيين والإسبان وكل ضحايا العالم... تستطيع أن تتضامن معهم باسم الإنسانية، خارج أحكام القيمة وخارج الانتماءات الدينية وخارج أقفاص الخندقة والإقصاء العرقي والديني والقبائلي.
في مثال آخر، وبمجرد ما انتشر خبر الحادث الإرهابي الذي تعرض له ضحايا مسجدي نيوزيلندا، بدأت التساؤلات المتطرفة على المواقع الاجتماعية: "هل سنرى تضامن الغرب مع الضحايا؟"؛ وكأن الهدف ليس أن نتحد جميعا ضد الإرهاب، بل أن نبحث عن صيغ جديدة للغات الضحية التي ترى العالم بأكمله يتآمر ضدها. هل الأسبق أن تتضامن أنت مع الضحية، أم أن تتساءل (وتتوقع) غياب تضامن الآخر معها؟
تضامن أنت معها... عبّر أنت عن رفضك للظلم وللإرهاب. لا يهم أن تكون وحيدا في تضامنك... المهم أن تكون فيه إنسانا!
ثم... حدث أن كان موقف رئيسة الحكومة النيوزيلندية عظيما نبيلا إنسانيا... وحدث أن كان موقف الآلاف من المواطنين النيوزيلنديين نبيلا عظيما إنسانيا... ورفع الآذان في عدد من الجامعات، ووزعت الورود، ونشرت دعوات بارتداء الحجاب يوم الجمعة تضامنا مع المسلمين، وتم تنظيم العديد من أشكال التضامن مع الجاليات المسلمة في نيوزيلندا ومع عائلات الضحايا... فأصيب هؤلاء بالخرس والبكم.
لنتوقف عن التضامن الانتقائي... لنتوقف عن تحميل الضحايا مسؤولية قتلهم حين يختلفون عنا دينيا. لنتوقف عن تبرير الإرهاب حين يكون القاتل منا.
لنتجمل بإنسانيتنا... إنسانيتنا لا غير... حتى نستشعر إحساس الضحايا في لحظاتهم الأخيرة، وهم يتساءلون بأي ذنب يقتلون!