أحمد الجدي
عرفت أوساط جماعات الإسلام السياسي في مصر، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، تحوّل عدد كبير من أعضائها من المذهب السنّي إلى المذهب الشيعي، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك.
عن هذه الظاهرة، يتحدث الباحث المصري في الشأن الشيعي علاء السعيد، ويكشف لرصيف22 أن "الأسماء كثيرة جداً، فمعظم أقطاب الشيعة المصريين الحاليين كانوا أصحاب تجارب داخل جماعة الإخوان أو الجماعة الإسلامية".
الدمرداش العقالي
يضرب مثلاً بالدمرداش العقالي الذي عاصر مؤسس الإخوان حسن البنا، وأكد في حوارات صحافية سابقة له أن تجربته مع الإخوان امتدت حوالي 15 عاماً قبل تشيّعه، وكانت دافعاً إلى تشيّعه الذي جرى عام 1967، قبل أن يصبح أحد أهم مراجع الشيعة في مصر، وبأحمد راسم النفيس، القطب الشيعي المصري الذي كان عضواً في الإخوان بين عامي 1976 و1985 ثم قرر أن يتشيّع.
ويعرض أيضاً نماذج أحدث مثل محمد إبراهيم، أحد إخوان محافظة الإسكندرية والذي ظل في الجماعة نحو عشرة أعوام قبل أن ينشق عنها ويتشيّع عام 2003.
ياسر فراويلة
وفي ما خص الجماعة الإسلامية، يقول السعيد إن الأمثلة كثيرة وأبرزها أحمد صبح، المأذون الشيعي في المنصورة والذي كان قيادياً في الجماعة في ثمانينيات القرن الماضي وسجن لمدة 17 سنة قبل أن يتشيّع عام 2005 رغم عدم اعترافه بذلك، وياسر فراويلة، القيادي في الجماعة والذي كان ينوي الترشح عنها في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 قبل أن ينشق عنها عام 2013 ويتشيّع في مطلع عام 2018.
جذور التشيّع في جماعات الإسلام السياسي
يرى السعيد أن هناك جذوراً عميقة للتشيّع داخل جماعات الإسلام السياسي المصرية منذ تأسيسها، ودلل على حديثه بقوله: "الإخوان منذ أيام مؤسسها لهم علاقة قوية مع الشيعة بدأت عام 1938 بزيارة للإمام الخميني إلى القاهرة ومقابلته حسن البنا، وأثمرت عام 1947 تأسيس ‘دار التقريب بين المذاهب الإسلامية’ بعضوية البنا".
ويضيف: "اعترفت الجماعة بهذه العلاقات الممتدة في كتب أبرز قادتها مثل عضو لجنتها التأسيسية محمود عبد الحليم في كتابه ‘الإخوان المسلمون/ أحداث صنعت التاريخ’".
في كتابه المذكور، قال عبد الحليم: "رأى حسن البنا أن الوقت قد حان لتوجيه الدعوة إلى طائفة الشيعة، فمدّ يده إليهم أن هلموا إلينا فأنتم إخواننا في الإسلام، وهيا نتعاون معاً على إقامة صرحه واستعادة مجده، وقد وجدت دعوته هذه من الشيعة آذاناً صاغية، إذ أسعدهم أن يسمعوا لأول مرة منذ مئات السنين صوتاً ينضح بالحب ويدعو إلى الأخوة الإسلامية، فقدم إلى مصر شيخ من كبار مشايخهم في إيران هو الشيخ محمد تقي قمي والتقى بحسن البنا وحَسُن التفاهم بينهما، وثمرة هذا التفاهم أنشأت في القاهرة داراً ترمز إلى هذه المعاني السامية اسمها ‘دار التقريب بين المذاهب الإسلامية’".
الشيخ محمد تقي قمي
ويتابع أن مرشد الإخوان الراحل عمر التلمساني كتب عام 1985 مقالاً بعنوان "شيعة وسنّة" قال فيه إن "التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن، وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين".
ويؤكد الباحث في الشأن الشيعي أن الإخوان كانوا من أوائل مؤيدي الثورة الإيرانية عام 1979 بدليل زيارة وفد إخواني لإيران للمباركة للخميني، وقال مفوض العلاقات الخارجية في التنظيم الدولي للجماعة يوسف ندا في تصريحات سابقة له إن طائرة الإخوان كان ثالث طائرة تهبط في طهران بعد الثورة.
ويضيف أن العلاقة بين الإخوان وإيران الإسلامية استمرت في الألفية الجديدة، ففي تظاهرات إخوانية عام 2006 لدعم حزب الله في معركته ضد إسرائيل ظهر هتاف إخواني شهير هو "لا اله إلا الله كل مصر حزب الله"، كما أعرب مرشد الإخوان الراحل مهدي عاكف عن استعداده لإرسال "عشرة آلاف مجاهد" إلى لبنان للقتال بجانب حزب الله.
استمرت العلاقات بين الجانبين "حتى اتضحت تماماً في عهد الرئيس السابق محمد مرسي حين باركت إيران توليه رئاسة مصر وقال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية حسين أمير عبد اللهيان إن طهران تشعر بالارتياح لوصول الإخوان إلى أماكن متقدمة في قيادة بعض الدول العربية ومنهم مصر، وزار مرسي إيران بعد 33 عاماً من عدم زيارة أي رئيس مصري لها وكان هذا عام 2012"، بحسب عرض السعيد.
ويخلص السعيد إلى أن "كل هذا صنع وعياً داخل الإخوان بأن التشيّع أمر عادي وليس عيباً أو حراماً، ولو كان الإخوان الذين تشيّعوا يرغبون في الاستمرار في جماعتهم بعدما تشيّعوا لاستمروا".
قصة تشيّع إخواني
يروي محمد إبراهيم الحسيني، الشيعي البارز في الإسكندرية والذي كان إخوانياً بارزاً قبل تشيّعه، لرصيف22، أنه ترك الإخوان عام 2003 بعد ما يقرب من 15 عاماً داخل الجماعة أصبح فيها عضواً عاملاً، وأعلن تشيّعه بعد ذلك بشهور، "بعد قراءتي العديد من الكتب حول المذهب الشيعي لأتأكد بعدها أنه المذهب الإسلامي الصحيح الذي يجب أن أكون عليه".
يعترف الحسيني بانجذاب الإخوان الكبير إلى إيران مؤكداً أن هذا الانجذاب هو الذي حرّك فضوله لمعرفة المذهب الشيعي أكثر والقراءة فيه. وعبّر عن هذا الانجذاب بقوله: "كنّا دائماً في اجتماع الأسر الإخوانية في الإسكندرية نتحدث عن حزب الله وإنجازاته في الحرب على إسرائيل، كما كان المسؤول عنّا يتحدث دائماً عن الثورة الإسلامية الإيرانية وكيف يتمنى الإخوان أن يحققوها في مصر، وكانوا يشيدون دائماً بالإمام الخميني".
ويضيف: "كل هذا جعلني أتقرّب أكثر من المذهب الشيعي وأتشيّع، ولما تركت الإخوان بعد تشيّعي دعتني الجماعة للعودة إليها وعدم الانشقاق عنها مع الاحتفاظ بتشيّعي وهو ما رفضته لأن الانشقاق لم يكن سببه تشيّعي بل كان سببه عدم اقتناعي بجدوى التنظيم نفسه".
في تصريح سابق، قال محمد إبراهيم إن 40% من شيعة مصر الحاليين كانوا إخواناً سابقين. يجدد لرصيف22 تأكيده على ذلك ذاكراً نماذج عديدة لإخوان تشيّعوا منهم أحمد راسم النفيس، والدمرداش العقالي، وعماد قنديل، ومؤكداً أن "الجماعة لم تدعُهم للتشيّع ولكن انبهارها بإيران هو ما دفعهم للبحث حول هذه الدولة ومذهبها الرسمي الذي انبهروا به وأصبحوا من معتنقيه".
ولكن عضو مجلس شورى الإخوان أحمدي قاسم، ويعيش حالياً في السودان، ينفي تشيّع أي كادر إخواني ذي منصب قيادي مشيراً إلى أن كل مَن تشيّعوا هم من الأعضاء العاديين.
لا ينفي قاسم تأثر الإخوان الشديد بالثورة الإسلامية، وكذلك الإعجاب بحزب الله، ويؤكد لرصيف22 وجود مساعٍ كبيرة من الجماعة للتقريب بين المذاهب منذ تأسيسها عام 1928.
ويقول: "فكرة التقريب في حد ذاتها جيدة إذا خلصت النوايا، ونأى الجميع بها عن المكاسب الطائفية، ولهذا فإن الشيخ (يوسف) القرضاوي دعا لها وتحمس، ولما استيقن أنها مجرد ورقة سياسية يُلعب بها، نفض يده منها، وسبقه في ذلك الإمام حسن البنا الذي شارك في تأسيس دار للتقريب بين المذاهب".
جذور التشيّع في الجماعة الإسلامية
أما في ما يخصّ الجماعة الإسلامية، فيكشف الباحث في شؤون الإسلام السياسي والمنشق عن الجماعة المذكورة عام 2013 منتصر عمران أن جماعته السابقة كانت من ضمن المؤيدين بشدة للثورة الإيرانية عام 1979 وكان أعضاؤها "يذكرون محاسنها في جلساتهم ودروسهم مع العناصر الجديدة المنضمة وكنت أنا واحداً منهم، إلى درجة أن حلمي صار أن أسافر إلى طهران وأقابل الخميني، ومثلي كثيرون".وأضاف: "تأثُّر أعضاء الجماعة الإسلامية بالثورة الإسلامية في إيران وصل إلى حد رغبتهم في استنساخها عام 1981 عندما قام خالد الإسلامبولي باغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بهدف محاولة إقامة ثورة إسلامية في مصر يصل بعدها الإسلاميون إلى الحكم عبر انقلاب شامل، ولكن لم يتم الأمر وكانت النتيجة استشهاد الرئيس السادات والقبض على كل قادة وأعضاء الجماعة الإسلامية وإيداعهم في السجون لسنوات طويلة وصلت إلى أكثر من 20 عاماً".
يستذكر منتصر عمران موقفاً آخر يؤكد تجذّر فكرة قبول المذهب الشيعي داخل الجماعة الإسلامية والتأثر الشديد بإيران ما بعد الثورة الإسلامية، ويروي: "عام 1986، أثناء وجودي مع رئيس مجلس شورى الجماعة كرم زهدي في سجن أسيوط، قال لنا إن وفداً من الجماعة زار الخميني وأبدى إعجابه بسياسة إيران في الشرق الأوسط وتبنت الجماعة هذه الأفكار، لذا نظّم أعضاؤها تظاهرات في قلب القاهرة تأييداً للثورة الخمينية، وكل هذا بالطبع جعل أعضاء الجماعة ينظرون إلى المذهب الشيعي نظرة مختلفة ويتمنّون أن يتشيّعوا كي يكونوا جزءاً من هذه الإنجازات العظيمة التي حققها أبناء هذا المذهب فإيران".
ويتابع: "بالفعل تشيّع كثيرون بشكل سرّي وسافر بعضهم وعاش في إيران وأرفض الإفصاح عن أسمائهم بخلاف مَن أعلنوا تشيّعهم كياسر فراويلة الذي كان عضواً في الجماعة حتى عام 2013".
قصة تشيّع فراويلة
كان ياسر فراويلة عضواً في الجماعة الإسلامية حتى عام 2013 حين انشق ثم أعلن تشيّعه في نهايات عام 2017. يؤكد أن "حب آل البيت هو السبب الرئيسي في قراءتي عن المذهب الشيعي واقتناعي به، خاصة أنه مذهب معترف به من الأزهر الشريف وهو ما يؤكد أنه مذهب إسلامي صحيح".
وعن علاقة نشأته داخل الجماعة الإسلامية بتشيّعة، قال لرصيف22: "تأثرنا كثيراً بالثورة الإيرانية، ومشايخ وقادة الجماعة أثنوا كثيراً على الخميني ودوره في إشعال هذه الثورة. كل هذا جعلني أفكر في القراءة أكثر وأكثر عن الخميني وعن إيران وهذا قادني في ما بعد إلى القراءة عن الشيعة باعتبارهم أصحاب مذهب إسلامي معترف به".
ويضيف: "لما قرأت، ازداد إعجابي بهذا المذهب وقررت أن أكون أحد معتنقيه وكان هذا في نهايات عام 2017، وما شجعني على ذلك رغبتي في الدفاع عنه في ظل الحرب السلفية الشرسة عليه والتي وصلت إلى حد الاضطهاد الطائفي وكان من نتائجه قتل القطب الشيعي البارز حسن شحاتة، تلك الحادثة التي جعلتني أقرأ من جديد في التشيّع وأصبح واحداً من أبناء هذا المذهب وأخرج في لقاءات تلفزيونية أدافع عنه ضد المتشددين والمتطرفين".
رغم ذلك، يرفض القيادي في الجماعة الإسلامية طارق فكري الزعم بأن جماعته تدعم التشيّع حتى لو تشيّع عدد من أعضائها السابقين، ويؤكد لرصيف22 أن هناك إخواناً وسلفيين وأساتذة أزهريين تشيّعوا و"هذا لا يعني أن فكر هذه الكيانات هو السبب في تشيّعهم".
وأشار فكري إلى أن الجماعة الإسلامية حاربت المذهب الشيعي من خلال دورات عُقدت في صعيد مصر عام 2011 عندما بدأ التشيّع ينتشر هناك وقاد تلك الدورات مفتي الجماعة الشيخ عبد الآخر حماد، كما رفضت الجماعة عودة السياحة الدينية الإيرانية إلى مصر.
وبرأي القيادي في الجماعة، فإن كل الجماعات الإسلامية تأثرت بالثورة الإسلامية ولكن "هذا لا يعني أبداً أنها تدعم التشيّع كمذهب ديني".
رصيف 22