فيليب بلوند وأدريان باست
معظم المعلّقين يحاجون بأن الإرهاب الإسلامي هو انحراف عن تعاليم الإسلام الصحيحة ويطالبون بتحديث العالم الإسلامي وفقاً لنمط الحياة الغريبة آملين في تدجين الإسلام المتطرف، إلا أن مثل هذا التحليل يبتعد عن الحقيقة، فطبيعة التهديد الإرهابي إسلامية بصورة واضحة ولا تشكل انحرافا كبيراً عن التقاليد الإسلامية، ولكي تضفي القاعدة الشرعية على نفسها فإنها تستمد أيديولوجيتها الشرعية من أمرين:
الأول تقليدي كلاسيكي، والآخر حديث.
وفيما يتعلق بالإسلام التقليدي فالقول بأن الإسلام دين سلام كلام زائف لا يستند إلى حقيقة فمن الخطأ تاريخياً الزعم أن الحرب أمر غريب على الإسلام، وأن المقصود من الجهاد هو جهاد النفس دون أن يرتبط ذلك بعمل عسكري.
وخلافاً لمثل هذا الكلام فإن الإسلام منذ بدايته مرتبط بشن القتال ضد المرتدين والكفار، والإسلام لم يمر بفترة النية والإقصاء، فمنذ البداية أقام الإسلام دولة مركزية تعتمد على الفتح العسكري.
ورسول الإسلام مات وهو قائد عسكري نجح في إقامة دولة امتدت بعدة إلى أنحاء العالم القديم بالوسائل العسكرية، والخلافة الإسلامية مزجت بين المجتمع الديني والدولة الإمبريالية ذات الطابع الإمبراطوري.
وهذا الازدواج يكشف لنا كيف يمكن للإسلام أن يكون دولة مسالمة وحربية في نفس الوقت، وفيما ينصّ القرآن على أنه "لا إكراه في الدين" فإن الإسلام يعتبر أنه من واجبة المقدس التوسع عسكرياً ومدّ حدود دار الإسلام على حساب دار الكفر، وقد قال الإسلام إن من مات دون أن يشارك في الغزوات فإنه يموت دون إيمان، وإذا ما اقترن ذلك بالعداء الكامن بين الإسلام وخصومة فإن الرؤيا تبدو واضحة ولا غرابة إذا ما طالب ابن لادن إجلاء الكفار من أراضي الإسلام المقدسة، وعندما يقول المتطرفون بأنّهم يقتلون باسم الإسلام فإنهم يعتمدون فيما يقولونه على التقاليد الإسلامية، فجذور القاعدة تعود إلى الوهابية التي أسسها محمد بن عبد الوهاب في عام 1744هـ. وقد نادى محمد بن عبد الوهاب بالعودة للإسلام الصافي النقيّ الذي بشّر به بني الإسلام.
والوهابية التي واجهت مجتمعاً متفسّخ العقيدة – مثل بعض الطوائف البروتستانتية المتطرفة – أخذت الإسلام بحرفيته ورفضت التقاليد التي كانت سائدة منذ العصور الوسطى وبهذا المنطق : "الحكم الإلهي المباشر" فإن الوهابية أصبحت عقيدة دينية حديثة ومثل الفيلسوفيْن: ديكارت وكَنْت، فإن الوهابية لا تقبل المساومة فيما تدعو إليه من مبادئ، وقد مزجت القاعدة هذه العقيدة بالفاشية، وكان المفكر الإسلامي الهندي: أبو الأعلى المودودي (1903- 1979م) قد أنتقد المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي لا تطبق الشريعة الإسلامية المتشددة ووصفها بالردّة وحث المؤمنين على إعلان الجهاد ضد الحكومات التي لا تطبق الإسلام، والمودودي ترك أثراً كبيراً على سيّد قطب (1906-1966م)، منظّر ومفكّر جماعة الإخوان المسلمين، ومثل المودودي فإن سيد قطب مزج تاريخ كفاح النبي محمد بأيديولوجية ثورية لإحياء الخلافة وبذل الأنفس رخيصة في سبيل ذلك.
والأيديولوجية التي دعا لها المودودي وسيد قطب دعمتها الأحلام بالعودة إلى العهد الذهبي للإسلام.
والمتعاطفون مع القاعدة يقرؤون بشغف شديد أدب الفاشية الأوربي، ويعملون لتحقيق أهداف دينية عبر وسائل غير دينية والمجنّدون لهذه الدعوة ليسوا من طبقة الفقراء والجهلاء بل أنهم من طبقة المثقفين الذين ينتقدون المجتمعات الغربية وأثرها على الإسلام.
ويمكن القول إنه لا الحرب على الإرهاب ولا المفاوضات السياسية قادرة على التغلّب على هذه التوجّه الاستبدادي المتشدد للإسلام، والقمع الذي يمارسه الغرب يمهّد الطريق للإسلام المتشدد، ومن ثم فلا تسوية ولا توافق مع أيديولوجية تسعى لفرض رؤيتها على كل العالم، والطبيعة الإسلامية للإرهاب تتطلب إصلاحاً تحت اسم إسلام بديل، والإسلام لن يعتنق العلمانية الغربية إلا أنه في مقدوره انتقاد تاريخه عن طريق استعادة بعض تقاليده المنبوذة، فعلى الإسلام القيام بتحوّل ديني حقيقي ( مثل الصوفية ) قبل الفتوحات الإقليمية، والإسلام في حاجة لاستعادة السلطة الشرعية للوفاق المذهبي حتى يتمكن المسلمون من التطور مع المستقبل بدلاً من الوقوف ضده
المصدر : http://www.iht.com/articles/2005/07/27/opinion/edpabst.php
**فيليب بلوند يحاضر في الفلسفة والدين بكلية سنيت مارتن بلانكستر أما أدريان بايست فهو زميل له في البحوث بمعهد لوكسمبورج للدراسات الأوروبية والدولية.
صحيفة إنترناشونال هيرالد تربيون