لميس فرحات:
الموضة الدائمة هي رمي أيًا يكن بتهمة معاداة السامية، حتى وصلنا إلى درحة متقدمة من الاتهام، بعدما حوّل أنصار السامية معاداتها إلى مرادف لمعاداة الليبرالية.
إيلاف من بيروت: لا مؤسسة في الولايات المتحدة الأميركية لا ترحّب باليهود وتمثلهم بالكامل، إن لم يكن أكثر من اللازم. في أوروبا، بقيت معاداة السامية من المحرّمات جيلين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الشرق الأوسط، يبدو ممكنًا أن تؤدي عملية السلام إلى تخفيف الكراهية تجاه الدولة اليهودية.
أما في لندن، فقد كانت ديبورا إي. ليبستادت، أستاذة التاريخ اليهودي في إيموري، تحارب دعوى تشهير وجّهها إليها ديفيد إرفنغ الذي ينكر حدوث المحرقة اليهودية.
هنا والآن
يروي كتاب ليبستادت "معاداة السامية: هنا والآن" (Here And Now :Antisemitism) المكون من 288 صفحة، منشورات شوكن، 26 دولارًا قصة المحرقة ومن يتجرأ على نكرانها من خلال شخصيتين مركبتين: طالب جامعي يهودي ذكي وأستاذ قانون غير أخلاقي.
الكتاب لا يهدف إلى الوصول إلى أرضية علمية جديدة، بل إلى إيقاظ جمهور المحرقة، وتسليط الضوء على حجم التهديد والطرق الخبيثة، التي تسعى إلى التعتيم عليها.
أتى هذا الكتاب بالتزامن مع قصة كين لوش، المخرج البريطاني الشهير والناشط في حزب العمال، الذي رفض في عام 2016 بشكل قاطع إدانة إنكار الهولوكوست، لأن "للجميع الحق في مناقشة التاريخ".
أجرى باحثون ألمان استطلاعًا في عام 2013 لآلاف الرسائل المعادية للسامية التي تلقتها السفارة الإسرائيلية في برلين والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، فوجدوا أن 60 في المئة منها "كتبها ألمان متعلمون من الطبقة الوسطى، بمن فيهم محامون وعلماء وأطباء وكهنة". هذا يضاف إلى احتجاج عام 2015 الذي أعلنه طلاب جامعة مدينة نيويورك من أجل العدالة في فلسطين، وغيرها من الأحداث التي جعلت هذا الكتاب بمنزلة الحاجة إلى وقف أعمال معاداة السامية.
أحداث تافهة
لكن هذه الأحداث تكاد تكون تافهة أمام الهجوم القاتل على المتحف اليهودي في بروكسل، وحصار كنيس في باريس أو المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في ألمانيا، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز".
لكن ليبستادت ليست مهتمة بتجميع قائمة من الإهانات والاعتداءات فحسب، فمعاداة السامية بالنسبة إليها هي فعل كراهية لا يتجرأ صاحبه على التعبير عنه بوضوح، ويهدف إلى إزالة كل الأقنعة التي يخفيها.
بالنسبة إلى "نيويورك تايمز"، معاداة الصهيونية هي أحد هذه المظاهر، إذ تدّعي بأنه يمكن أحدهم أن يسيء إلى إسرائيل كدولة شيطانية وغير شرعية ارتكبت جرائم شبيهة بالفظائع التي ارتكبها النازيون، من دون اتهامه بمعاداة السامية.
تقول: "الصوت الغربي البارز لهذه النظرة هو زعيم حزب العمل البريطاني جيريمي كوربن، الذي تعاون مرارًا وتكرارًا مع معادي السامية السذج، الذين يشاركونه وجهات نظره المؤيدة للفلسطينيين".
صنو الليبرالية!!
يناقش كتاب ليبستادت هذه القضية بشكل مباشر: "هل يعادي جيرمي كوربن السامية؟، سيكون ردي أن هذا السؤال خطأ. الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها هي: هل سهّل تعبيرات معاداة السامية؟، هل كان مترددًا على الدوام في الاعتراف بتعبيرات معاداة السامية ما لم تأت من المتعصبين البيض والنازيين الجدد؟، هل تسهل أعماله إضفاء الطابع المؤسسي على معاداة السامية بين التقدميين الآخرين؟، للأسف، جوابي على كل هذا هو... نعم بكل تأكيد".
على الرغم من مناقشتها الكراهية اليهودية المعاصرة، تقع الكاتبة في هفوة الإصرار على أن معاداة السامية "لم تكن منطقية، ولن تكون كذلك".
وفقًا لـ "نيويورك تايمز"، هذا الأمر غير دقيق، إذ تميل معاداة السامية إلى أن تكون لها مجموعة معاكسة من وجهات النظر، لأسباب قد تكون بغيضة لكنها عقلانية. الحقيقة الأساسية حول معاداة السامية حتمية لا محالة.
الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من كتاب ليبستادت هو أن أعداء اليهود، سواء في طهران أو فرجينيا، سيكونون دائمًا أعداء الليبرالية، وهذا هو السبب في أن المعركة ضد معاداة السامية يجب أيضًا أن تكون معركة من أجل الليبرالية.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط:
https://www.nytimes.com/2019/01/30/books/review/deborah-e-lipstadt-antisemitism.html
ايلاف