» ناشيونال إنترست»: لماذا تفشل أمريكا دائمًا في التأثير على تمويل حزب الله؟ - مقالات
أحدث المقالات

» ناشيونال إنترست»: لماذا تفشل أمريكا دائمًا في التأثير على تمويل حزب الله؟

» ناشيونال إنترست»: لماذا تفشل أمريكا دائمًا في التأثير على تمويل حزب الله؟

كاتب: Ali Bakeer & Chafic Choucair

 

ارتفع نجم حزب الله اللبناني في الوطن العربي نتيجة دوره الفعال في التصدي للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. ويُعتبر حزب الله حاليًا من أكبر القوى الإقليمية وأكثرها نفوذًا في المنطقة، رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الحزب ومموِّله الأكبر إيران، والتي لن تُؤثر في الحزب كثيرًا، بحسب تقرير مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية الذي أعدَّه علي بقير، المُحلِّل والباحث السياسي، وشفيق شقير، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات.

أورد تقرير «ناشيونال إنترست» اعتراف حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، صراحةً خلال مقابلةٍ تلفزيونيةٍ أُجريت عام 2016 بأنَّه «طالما بإيران في فلوس، يعني احنا في عنَّا فلوس… وكما وصلت إلينا صواريخنا التي نُهدِّد بها إسرائيل، يصل إلينا مالنا. ولا يستطيع أي قانون أن يمنع وصول هذا المال إلينا. وكل مصارف الدنيا ما بتقدر تُعيق هذا الأمر».

ويرى الباحثان أنَّ الأمر يزداد سهولةً أيضًا؛ لأن إيران تمتلك بعثةً دبلوماسيةً في بيروت، ولأنَّ حزب الله يمتلك نفوذًا كبيرًا في المطار والمواني اللبنانية والحدود مع سوريا. وسيظل حزب الله قادرًا على تسيير أعماله مهما فُرِض من تدابير على مصادر الحزب الأخرى، دون استهداف هذا المصدر تحديدًا.

اهتمامٌ من إدارة ترامب

ذكر التقرير أنَّ وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أكَّد في 10 يناير (كانون الثاني) أن إدارة الولايات المتحدة لن تقبل بالتواجد الكبير لحزب الله على الساحة اللبنانية، كما هو الوضع الراهن. وفي خطابه الذي ألقاه من القاهرة، انتقد بومبيو الطريقة التي تعامل بها الرئيس الأمريكي السابق أوباما مع الجماعة المسلحة المدعومة من إيران، مُؤكِّدًا أن الإدارة الحالية تستهدف إيران وحزب الله في الوقت نفسه.

منذ تنصيبه في يناير عام 2017، فرض ترامب مجموعةً من العقوبات على إيران وحزب الله، الذي يُعَدُّ أقدم حلفاء طهران وأكثرهم نفوذًا في المنطقة، بحسب التقرير. وواصلت الجماعة الشيعية اللبنانية توسِّيع أنشطتها المالية والعسكرية بانتظام، رغم أنَّ وزارة الخارجية صنَّفتها منظمةً أجنبيةً إرهابيةً، منذ عام 1997. وفي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018، أدرجت الولايات المتحدة خمس جماعاتٍ، من بينها حزب الله، على قائمة «أكبر تهديدات الجريمة المنظمة الدولية». وأكَّد جيف سيشنز، وزير العدل الأمريكي حينها، أنَّ تعطيل أنشطة تلك الجماعات وتفكيكها يأتي على رأس أولويات الرئيس ترامب وإدارته.

وعلى مدار سنوات، ركَّز خصوم حزب الله على قدراته العسكرية فقط، بوصفها مصدرًا لنفوذه مع تجاهل نقطة ضعف الحزب اللبناني الكبرى تمامًا، ألا وهي موارده المالية. إذ تتطلَّب الطبيعة الأيديولوجية والهيكل التنظيمي والأجندة الإقليمية الموسَّعة لحزب الله مواردَ ماليةً ضخمةً تتخطى قدرات الأحزاب السياسية الطبيعية، بوصفه طرفًا أشبه بدولةٍ مُصغَّرةٍ هجينة.

ومنذ عام 2006، ثبَّت حزب الله أقدامه بوصفه ثاني أكبر مُشَغِّلٍ للمواطنين بعد الدولة اللبنانية. ورغم أنَّ العامل الأيديولوجي/ الديني له أهمية كبرى في تأمين دعم المجتمع الشيعي لحزب الله، لكن الباحثين يعتقدان أنَّه لن يتمكن من تنفيذ أجندته، والحفاظ على ولاء شريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع اللبناني ودعمها دون إنفاق الأموال.

ميزانيةٌ ضخمةٌ مجهولة

منذ تأسيسه أوائل الثمانينيات، اعتمد حزب الله اعتمادًا كبيرًا على الأموال التي تأتيه من إيران، وفقًا لما أورده تقرير المجلة. لكنه عَمِلَ جاهدًا على مدار العقدين الآخرين لتنويع مصادر تمويله. وهدفت تلك الخطوة إلى منح الحزب قدرًا من المرونة في الأوقات العصيبة، وقدرةً أكبر على تجنُّب الجهود الرامية إلى استهدافه من خلال علاقته المالية بإيران. وسعى حزب الله، من بين أهدافه الأخرى أيضًا، إلى تخفيف أعباء إيران، وتلبية الاحتياجات المتزايدة لأجندته الإقليمية الموسعة باستخدام موارده المالية الخاصة.

ومن هذا المنطلق، أسَّس الحزب الشيعي اقتصاده الموازي داخل لبنان، واندمج في أنشطةٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ عبر مختلف القارات، من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، وصولًا إلى آسيا. وتضمَّنت أنشطته بوصفه «منظمة إجرامٍ دولية» غسيل الأموال وتجارة البناء والتعاقدات وغيرها.

واليوم، يحصل حزب الله على الأموال من خمسة مصادر رئيسية بحسب «ناشيونال إنترست»: علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، والدولة الإيرانية، والخُمس (الفريضة الإسلامية التي يدفع بمقتضاها المسلمون الشيعة خُمس فائض دخلهم السنوي للسلطات الدينية الإيرانية)، واقتصاده الموازي داخل لبنان، وإمبراطوريته الاقتصادية خارج البلاد.

ولا يعلم أحدٌ حجم الميزانية السنوية لحزب الله، لكنَّ آخر التقديرات تُشير إلى أنَّ الدعم الإيراني يُشكِّل نسبة 70- 80% من ميزانية حزب الله التي تبلغ قرابة 700 مليون دولار. وهذه الأرقام ليست ثابتةً نظرًا إلى انعدام الشفافية، والأجندة الموسَّعة لحزب الله في العِقد الأخير.

عقوباتٌ جديدةٌ دون تأثيرٍ حقيقي

في أكتوبر الماضي، فرضت الولايات المتحدة سلسلة عقوباتٍ جديدةٍ على حليف طهران في لبنان بموجب «قانون منع التمويل الدولي لحزب الله». ويُفترض أن يُؤدي التشريع الجديد، بحسب التقرير، إلى عزل حزب الله عن النظام المالي العالمي، وخفض تمويله باستهداف الأفراد والحكومات الأجنبية التي تُساعد أو تدعم (عن علمٍ) الجماعة، أو الشبكات المرتبطة بها التي تُشارك في «الجريمة الدولية».

وخلال حدثٍ أُقيم في الذكرى الخامسة والثلاثين للهجوم على ثكنات جنود البحرية الأمريكية في بيروت (تفجيرات بيروت 1983)، أكَّد الرئيس دونالد ترامب أنَّ العقوبات الجديدة تهدف إلى خنق تمويل حزب الله، وأضاف: «سنستهدف ونُعطِّل ونُفكِّك شبكات عملياتهم وتمويلهم، التي كانوا يمتلكون الكثير منها، لكنَّ هذا تغيَّر الآن».

وذكر الباحثان أنَّ الكثير من المُحلِّلين قلَّلوا من تبعات العقوبات الأمريكية ضد إيران وحزب الله على وضع حزب الله داخل لبنان. إذ اقتبست صحيفة «ذا ديلي ستار» اللبنانية عن أحد الخبراء قوله: إنَّ العقوبات المفروضة على إيران من المستبعد أن تُؤثِّر في وكيل طهران.

وأكَّد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أن العقوبات الأمريكية ضد إيران لن تُؤثِّر في حزبه مطلقًا. لكن تلك التصريحات تتجاهل حقيقة أن حزب الله لا يستطيع النجاة دون دعم المجتمع الشيعي، بعكس الحال مع الأسلحة.

ورغم إيمان بعض مؤيدي حزب الله الراسخ بولاية الفقيه (الولاء للمرشد الأعلى الإيراني) والثورة الإسلامية والدولة الإسلامية، لكنَّ كثيرًا منهم لا يمتلك القدر نفسه من الإيمان، بحسب التقرير.

وهنا يلعب المال دورًا مُهمًا، من وجهة نظر الباحثين، في تأمين دعم الغالبية. فضلًا عن أنَّ حزب الله تمكَّن من تأسيس مركزٍ اقتصادي في الضواحي الجنوبية لبيروت ضمن جهوده لتنويع موارده المالية، وأدرَّ ذلك المركز أرباحًا على المستوى المحلي، ومستوى الطائفة الشيعية في لبنان ككل، فضلًا عن سوريا والعراق، مما خلق مصلحةً ماليةً مشتركةً بين مؤيديه.

وخفَّض حزب الله إنفاقه مؤخرًا، وشجَّع مؤيِّديه والكثير من أعضائه على إيجاد وظائفَ حكوميةٍ رسمية؛ لأنَّه أدرك مدى هشاشة وضعه المادي. وتفاقمت هذه الظاهرة تحديدًا على حساب حركة أمل، وهو الحزب الشيعي المنافس الذي يُمثِّل الشيعة العاملين بوظائف القطاع العام في لبنان. وتهدف هذه الخطوة إلى وضع بعض الأعباء المالية على كاهل الحكومة اللبنانية، وملء المؤسسات الحكومية بأعضاء حزب الله ومُؤيديه.

ويرى الباحثان أنَّ محاولات استهداف النظام المالي لحزب الله في السابق فشلت في إخضاع الحزب لأسبابٍ عديدة، منها:

أولًا، يرى الباحثان أن العقوبات المفروضة على إيران ليست خانقةً بما فيه الكفاية. ومنذ عام 2009، أصبح الشعب الإيراني أكثر حساسيةً في ما يتعلَّق بالدعم المالي الذي تمنحه الحكومة للحلفاء الإقليميين، ومنهم حزب الله. ولن تُؤدي المزيد من العقوبات إلى وقف دعم إيران المالي لحليفها في لبنان، لكنَّها ستُخفِّضه على الأقل، وتدفع المزيد من المواطنين الإيرانيين إلى الاحتجاج على هذا النوع من الدعم.

وأثبتت التجربة التاريخية أنَّ الدولة الإيرانية تميل إلى خفض دعمها لحزب الله إلى أدنى حد حين تكون العقوبات المفروضة على طهران خانقةً، أو تنخفض أسعار النفط. وهو الأمر الذي حدث في أكثر من مناسبة خلال العقد الماضي، وخاصةً في عامي 2009 و2014.

ثانيًا، هناك مُعضلةٌ تتعلَّق بأموال المرشد الأعلى بحسب التقرير؛ إذ أورد تحقيقٌ أجرته وكالة «رويترز» البريطانية أنَّ خامنئي شخصيًّا يمتلك عشرات المليارات من الدولارات في صورة استثماراتٍ سرية. ويُعتقد أن الدعم المالي الذي يُقدِّمه المرشد الأعلى علي خامنئي ومؤسساته يُشكِّل نصيب الأسد من ميزانية حزب الله. ويصعب تعقُّب تلك الأموال واستهدافها، بعكس الأموال التي تأتي من الدولة الإيرانية، إذ تصل تلك الأموال إلى حزب الله من خارج النظام المالي في حقائب مُغلقة على الأغلب.

ثالثًا، يمتلك حزب الله إمبراطوريةً ماليةً خارج البلاد. ورغم الجهود المبذولة لحرمانه من موارده المالية التي تأتي من أنشطته الخارجية، والتي شهدت تطوُّرًا ملحوظًا في السنوات القليلة الماضية، لم تكُن تلك التدابير قويةً بما يكفي لوقف الأموال التي تصله من تلك المصادر. ولتقليل تأثير تلك التدابير، بدأ حزب الله يستغل وجوده المتزايد في السنوات الأخيرة داخل دولٍ مثل العراق وسوريا لتأسيس شركاتٍ صورية.

وفي الواقع يُرسل الحزب ويستقبل الكثير من الأموال عبر العراق وسوريا، وخاصةً من خلال الشركات الصورية التي تعمل في مجالات التجارة والتعاقدات، فضلًا عن أموال الخُمس التي تصله من العراق تحديدًا.

رابعًا، أشار الباحثان إلى أنَّ حزب الله يستغل الدولة اللبنانية. فعلى مدار العقد الماضي تقريبًا، دار جدلٌ كبيرٌ حول الطريقة التي يستغل بها حزب الله النظام المالي ومؤسسات الدولة اللبنانية لتسهيل وصوله إلى النظام المالي الأمريكي وغسيل الأموال والتهرُّب من العقوبات. ومؤخرًا، اتُّهِمَ 11 مصرفًا لبنانيًّا بتوفير الدعم لحزب الله «في صورة خدمات ماليةٍ ومصرفية». وربما كانت التدابير المالية التي تستهدف الاقتصاد الموازي لحزب الله داخل لبنان حاسمةً بما فيه الكفاية، لكن يصعب تطبيقها والحفاظ عليها ما دام حزب الله جزءًا من الحكومة اللبنانية، وقادرًا على استغلال المجتمع الشيعي والحلفاء المسيحيين لمصلحته.

ويرى الباحثان أنَّ الدعم الأيديولوجي الذي يحظى به حزب الله وسط المجتمع الشيعي ما يزال قويًّا للغاية. ورغم تناقص شعبية حزب الله في العالم الإسلامي خلال العقد الأخير، لكنَّه زاد من صلابة موقفه وسط المجتمع الشيعي. ويرجع الباحثان سبب ذلك إلى رغبة حزب الله في أن يسود الخطاب الطائفي بهدف حشد المسلمين الشيعة في المنطقة خلف رايته، وخاصةً في أعقاب اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) عام 2011.

ومع انخفاض وتيرة الحرب السورية الآن، يسعى حزب الله لإعادة بناء شرعيته بالانفتاح رويدًا رويدًا على الجماعات السنية المتعددة. ويُعَدُّ الحديث عن «المقاومة» واحدًا من أدوات حصد الدعم السني من مختلف أرجاء المنطقة، من وجهة نظر الباحثين. وفي حال نجح ذلك، سيتمتع الحزب الشيعي بطبقةٍ أخرى من الحماية؛ مما يزيد صعوبة الجهود الرامية إلى استهداف موارده المالية.

وبشكلٍ عام، ستزيد التدابير الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب من تعقيد الوضع المالي لحزب الله، لكنَّها لن تتسبب في هزيمته، وفقًا لتقرير «ناشيونال إنترست». وسيتكاتف الدعم المالي من المرشد الأعلى الإيراني مع الدخل الذي يعود من أنشطة حزب الله خارج البلاد، واقتصاده الموازي داخلها؛ لتشكِّل معًا قارب النجاة الذي سيحمل حزب الله إلى بر الأمان، ويقيه أذى العقوبات المالية.

مصدر: Hezbollah's Finances are Its Achilles' Heel

ترجمة ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث