خالد الشايع
قبل نحو سبعة أشهر، كشفت مصادر سعودية عزم هيئة الآثار والسياحة ترميم كنيسة أثرية اكتشفت في جدة) غرب السعودية) ويعود تاريخها لنحو 900 عام. استعاد السعوديون هذا الخبر، والجدل الذي أثاره حينذاك بعد أن أعلن الأنبا مرقص، إقامته أول قداس مسيحي قبطي علناً في السعودية الأحد الماضي، على مدار يومين.
وقد توقع محللون أن يكون القُداسَان اللذان أقيما في منزل أحد الأقباط، أو البدء في ترميم كنيستين أثريتين تم اكتشافهما في الجبيل (شرق السعودية) وجدة (غرب( بداية حقيقية لتجاوز حظر رسمي على بناء دور العبادة لغير المسلمين في السعودية، وهو حظر فرضه رجال الدين معتمدين على تفسيرات متشددة لأحاديث منسوبة للرسول محمد عليه الصلاة، حول إخراج أي ديانة أخرى عن جزيرة العرب.
بحسب مصادر في هيئة الآثار تحدثت لرصيف22، فإن الهدف المعلن من ترميم الكنائس الأثرية، هو تطوير القطاع السياحي المرتبط بالآثار، في إطار خطة تغيير عملاقة تستهدف تنويع الدخل، وليس السماح بأديان جديدة، بيد أن القداس العلني "رفع سقف توقعات المسيحيين"، الذين أكد أكثر من قسيس أنهم يأملون أن تكون هذه بداية لممارسة طقوسهم، بعد أن كانت إقامة الصلوات جريمة.
بعد إعلان الأنبا مرقص، مطران الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بمنطقة شبرا الخيمة وتوابعها والمشرف على الأقباط في السعودية، دشن ناشطون وسم #أول_قداس_في_السعودية حاملاً تغريدات منتقدة، غير أن غالبيتها لأسماء وهمية.
في حديث لقناة بي بي سي عربية، أكد القمص عبد المسيح بسيط وهو كاهن كنيسة العذراء بمسطرد، أن السعودية بدأت في اتخاذ "مسار أكثر ليبيرالية" نافياً وجود أي اعتراض من رجال الدين حول خطوة القداس العلني وقال: "لم نسمع اعتراضات أو هجوماً، لم نسمع أي شيء مضاد"، مشدداً على أن ما حدث الأحد الماضي لم يكن متوقعاً. وأضاف: "في السابق كان الأقباط يمارسون عبادتهم في السر، وكان يمكن القبض عليهم من هيئات الأمر بالمعروف ومصادرة الأناجيل منهم، أما اليوم فالوضع مختلف، ولن يغادر قداسة المطران إلا بعد أن يعلن عن قداس علني ومحدد"، متوقعاً أن تكون هذه الخطوة ضوءاً أخضر لافتتاح كنيسة قبطية في السعودية، خلال السنوات المقبلة، وأن تكون تحت إشراف الكنيسة المصرية والحكومة السعودية.
كنائس قديمة
يعود وجود الكنائس في السعودية إلى قرون خلت، وتم اكتشاف كنيسة الجبيل في عام 1986 ويعتقد أنها تتبع للمذهب النسطوري الذي انتشر في القرن الرابع الميلادي، وتكمن أهميتها في أنها من الشواهد التي تبرهن على انتشار المسيحية في شبة الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام.
اليوم، لم يتبقَ من الكنيسة سوى آثار تتكون من صحن للكنيسة وثلاثة هياكل، والموقع محاط بسور وتمنع زيارته، لكن يمكن رؤية أطلالها في حال اقتربت منها بشكل كافٍ.
أما كنيسة جدة في حي البغدادية الغربية خلف فندق الأزهر، فما زالت قائمة ولم يتم هدمها، وبحسب موقع القديس أوكين القبطى، فإن سبب بقائها إلى الآن يعود إلى أن الأرض التي يقوم عليها المبنى مملوكة للكنيسة الإنجليكية البريطانية، لكن في المقابل لا تستطيع الكنيسة ترميم المبنى، الأمر الذي يبقي المبنى مغلقاً متهالكاً، يوشك على السقوط، وقد لا يطول به الأمر بسبب السيول التي تجتاح المدينة كل عام.
لا يُعرف تحديداً عمر كنيسة البغدادية لكنها كانت تستخدم قبل أكثر من 100 عام من قبل البحارة البريطانيين والأوروبيين الذين كانت سفنهم ترسو في ميناء جدة.
حظر رسمي
لا توجد في السعودية كنائس أو دور عبادة لغير المسلمين، هناك حظر رسمي على بنائها استناداً لآراء وفتاوى رجال الدين المتشددة، التي تقوم على أنه "لا يجوز بناء الكنائس في جزيرة العرب، ولا تبقى فيها حتى الكنائس القديمة".
هذا الأمر يجبر نحو 1.5 مليون مسيحي وافد يعيشون في السعودية، على ممارسة طقوسهم الدينية عن طريق الإنترنت، وغرف المحادثة أو الاجتماعات الخاصة "غير الرسمية"، ويطلقون عليها "كنائس بيتية".
ويسمح للمسيحيين الأجانب في السعودية بحرية التنقل في البلاد عدا مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة. وبحسب القانون السعودي لا يسمح لهم بممارسة أي طقوس دينية علنية، كما أن المنشورات الدينية مثل الأناجيل أو الرموز مثل الصلبان، والتماثيل المقدسة تحظر السلطات السعودية دخولها البلاد.
قبل نحو تسعة أشهر، أثار قس أمريكي، يدعى براندن الكثير من الجدل عندما زعم أنه قدم أوراق تأسيس أول كنيسة في السعودية رسمياً وتم قبولها، كاشفاً في لقاءات تلفزيونية مع قنوات "مسيحية"، أن الكنيسة توجد في الرياض ويصلي بها المئات، وقال براندن إنه ذهب هو وزوجته ميستي مكول، والتقيا في الرياض برجل يدعى دكتور فيكتور، كان يدعو مجموعات صغيرة لا يزيد عددها على 15 شخصاً للصلاة في منزله، الذي حوله فيما بعد إلى كنيسة بيتيه.
يزعم براندون أنه أطلق على كنيسته اسم "الأمل للرياض"، التي تقع وسط تجمّعات المغتربين، وتكون الصلاة فيها يوم الجمعة نظراً لأنه يوم الإجازة الرسميّة في البلاد.
لا يوجد مقر واضح للكنيسة، وقد فشلت محاولات رصيف 22 في الوصول إليها، لكن براندون أصر في أكثر من حوار له على أنها موجودة، وأتباعها بالآلاف، وهي تنشر صلواتها على الإنترنت.
كنائس سرية
"هناك كنائس بالمئات في كل أرجاء السعودية" هكذا زعم مسيحي سعودي، أطلق على نفسه اسم أبو مريم، ظهر في برنامج تبشيري مع الإعلامية نادية يوسف، مشدداً على أن هناك مئات الكنائس البيتية في السعودية، ويضيف: "هناك 11 كنيسة سرية في الرياض، وفي المنطقة الوسطي هناك 87 كنيسة وفي الحجاز 103، وفي نجران 53 وفي المنطقة الشرقية 71"، غير أنه لم يتسنَّ التأكد من صحة ما يقول.
جدل متجدد
أخيراً عاد الحديث عن افتتاح كنيسة في السعودية، بالتزامن مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمصر ولقائه البابا تواضروس، بطريرك الكرازة المرقسية في القاهرة. الجدل لم يكن جديداً، فقبل أشهر زار البطريرك بشارة الراعي الرياض، وأثار حينذاك توقعات بقرب بناء كنيسة مسيحية هناك، غير أن التوقعات خفتت بعد مغادرة الراعي للعاصمة السعودية، دون صدور أي بيان أو تصريح رسمي من الجانبين السعودي واللبناني يؤكد حقيقة بناء الكنيسة.
وقبل نحو عشر سنوات نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، على لسان المونسينيور منجد الهاشم قوله :"هناك مباحثات جارية لبناء كنائس في السعودية"، وهي تصريحات دحضتها جهات سعودية رسمية، وأكد الدكتور حامد الرفاعي رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار أنه تم إبلاغ الفاتيكان بأنه لا يجوز إطلاقاً بناء كنائس في السعودية، لكن بعد تسع سنوات، تغيرت أمور كثيرة.
في السعودية هناك من يؤيدون بناء الكنائس بالفعل، ودور عبادة أخرى، مقدمين تفسيرات جديدة لمنع بناء الكنائس في البلاد، فهم يرون أن المنع خاص بمكة المكرمة والمدينة المنورة فقط، لا يشمل كل البلاد، مستشهدين بوجود كنائس قديمة يعود بناؤها لقرون، إضافة لكنائس تم بناؤها حديثًا في عدة بلدان خليجية، في الكويت والبحرين والإمارات، تضم الأخيرة نحو 40 كنيسة معتمدة، فيما يوجد في الكويت قس هو عمانويل غريب الذي يعتبر أول قس خليجي، يقوم على الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية. كما في الكويت سبع كنائس معتمدة، تخدم نحو 400 ألف مسيحي، من بينهم مسيحيون كويتيون، ينتمون لأسرة عريقة. في سلطنة عمان يعتبر عمر الكنائس أكثر بكثير، إذ بنيت أول كنيسة في عام 1983، وهو الحال في البحرين حيث بنيت أول كنيسة قبل 109 أعوام، أما في قطر فتم افتتاح كنيسة العذراء في عام 2008.
في كل دول الخليج، لا يجوز التبشير بالمسيحية، ويقتصر دور هذه الكنائس على خدمة المسيحيين الحاليين فقط.
لا يوجد سعوديون مسيحيون، كما أن من الشروط الرئيسية لمنح الجنسية أن يكون طالبها مسلماً، وبحسب القانون السعودي المستمد من الشريعة الإسلامية، فإن تحول أي مواطن سعودي من الإسلام إلى المسيحية، يعني الحكم عليها بالقتل بحد الردة. في مايو 2013، حكم على لبناني بالسجن ست سنوات لأنه ساهم في تحويل سعودية هاجرت للسويد للمسيحية، الأمر الذي يجعل التصريح بالتحول للمسيحية أمراً بالغ الصعوبة.
ومع ذلك يزعم موقع World Christian Database أن هناك نحو 13 ألف سعودي، يعتنقون المسيحية سراً، فيما أورد موقع Open Doors المتخصص في تتبع أخبار المسيحيين المضطهدين حول العالم قصصاً قال إنها لسعوديين تحولوا للمسيحية، وأنهم يجتمعون في كنائس سرية تحت الأرض.
رصيف 22