معاييرنا الإسلامية المزدوجة - مقالات
أحدث المقالات

معاييرنا الإسلامية المزدوجة

معاييرنا الإسلامية المزدوجة

طارق أبو السعد

لدينا نحن المسلمين ازدواجية فى المعايير والحكم على الأشياء، هذه المعايير المزدوجة لم يصنعها الإسلام فينا ولم يطلبها ولم يزرعها فى عقلنا أو فى وجداننا، بل زرعها أصحاب الدين التراثى وأهل الحكايات الشعبية والخرافية التى يحاولون أن يلصقوها بالدين الصحيح الغض الذى جاء به محمد «صلى الله عليه وسلم» من قبل أن نخوض فى كيف زرعوا هذه الازدواجية وكيف توغلت فى نفوسنا وكيف يقوم فريق من السلفيين والأزهريين وكثير من المتدينين الشعبيين برعاية هذه الازدواجية البغيضة.

هل هناك مظاهر للازدواجية التى تدعى أنها موجودة؛ لأن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولك وادعائك؟ أقول وبالله التوفيق أولًا ألا ترى معى يا صديقى أننا كمسلمين مصريين نفرح ونسعد بل ونسعى إلى مطالبة الحكومات الأوروبية بالسماح للمساجد برفع الأذان من المآذن 5 مرات يوميا «وفى منتصف الليل أيضا» ونعتبر أن هذا انتصارًا للإسلام ونسعد به ونكبر ونهلل لله تبارك وتعالى أن مكننا من هذا الانتصار، فها هو يصدح المؤذن بكلمة التوحيد عالية فى قلب أوروبا أو فى موسكو قلب الإلحاد والكفر أو فى كذا وكذا..

ونعتبر أن هذا انتصار للإسلام، فى حين إنه انتصار للدولة الأوروبية التى قبلت أن تحترم قوانينها ومبادئها وسمحت لمخالفيها فى العقيدة أن يتواجدوا ويعلنوا عن أنفسهم، ولا لانتصار يحسب لنا لأننا وبكل بساطة تقدمنا إلى هذه الحكومة أو تلك بطلب يسمح لنا برفع الأذان فوافقت هذه الحكومة، فما الجهد الذى بذل وأين الجهاد وأين الانتصار فى ذلك؟ لا شىء، بل هى الهزيمة لو أردنا الإنصاف، لأننا وبكل بساطة عندما نطبق هذه القواعد على أنفسنا نجدنا قد رسبنا فى هذا الاختبار البسيط؛ لأنه وفى نفس الوقت نحن المسلمين لا غيرنا نحن من نطالب الحكومة المصرية «مثلاً» بمنع المد الشيعى فى مصر ومنع إقامة الحسينيات، ونعتر أن إقامتها من الشر الكبير وأنهم لا يستحقون أن يعبروا عن أنفسهم ونخرق القواعد والقوانين واللوائح والقيم الإنسانية والإسلامية وكل شىء فى سبيل أن نمنع مخالفينا من الإعلان عن شعائرهم بحرية، بل نعتبر منعهم هو من الإسلام ومن صميم الإيمان ومن سلامة الاعتقاد كما أنه انتصار للإسلام، بل أيضا ونسخر من البعض عندما تحدث عن البوذية ومعابدها ونكشر عن أنيابنا ونسأل بسخرية وهل سنسمح لهم بإقامة معابدهم الوثنية الكافرة الفاجرة فى قلب القاهرة الموحدة؟؟ لا وألف لا طبعًا..

أليس هذه ازدواجية فى المعايير أن نقبل لأنفسنا ما لا نقبله للآخر؟.

أيضا وبنفس القدر ومن الفجاجة نحن المسلمين نذهب لأوروبا ونطلب الإذن بالحرية فى النشر والتعريف بالدين الإسلامى ونسعى لأن يتعرف الناس على ديننا فى الشوارع ونوزع القرآن المترجم إلى أكثر من لغة إليهم ومجانًا قربة إلى الله لعل الله يهديهم إلى أن يصلوا إلى ما نحن قد وصلنا إليه من الخير، فنذهب إليهم ونحاصرهم فى الشوارع وفى الطرقات وفى المحلات من أجل ماذا؟؟ من أجل أن ننشر ما نؤمن أنه صواب وأنه هداية أليس كذلك؟ لقوم لا يؤمنون بما نحن مؤمنون به أليس كذلك؟؟ وفى بلادهم وفى وطنهم وفى أسرهم وفى شبابهم وفتياتهم وفى شوارعهم ومنتدياتهم وربما فى قنواتهم أليس هذا صحيحا؟؟ نؤكد دوما أن هذا حقنا فى الدول الأوروبية مستغلين سماحتهم واحترامهم للقواعد والقوانين التى صنعوها أنفسهم لأنفسهم، فماذا لو منعتنا دولة منهم نظرًا لاختلاف القواعد والقوانين فى دولة أوروبية إلى الأخرى؟؟ يا ويلها ويا سواد ليلها تلك الدولة التى تمنعنا من ممارسة هذه الحقوق، سنقوم فورا بحملة ضدها بل نبتزهم ونتهمهم أنهم متعصبون ولا يؤمنون بالعلمانية الحقة التى لا تتعامل مع الدين بشكل متعصب، ونهددهم بأنهم ها قد ظهروا على حقيقتهم الصليبية الحاقدة، والكثير من القوائم الجاهزة للاتهام وفى نفس الوقت..

نحن المسلمين نطالب حكومتنا الإسلامية المصرية بعدم إفساد المجتمع للمسيحيين بنشر فكرتهم حماية للناس وللمجتمع من هذا الدين الفاسد، الباطل، وتنبرى الأقلام والكتاب والطوائف والمتدينون الشعبيون بالدفاع المستمر عن قتل مسيحى هنا أو هناك بل ربما يدافعون عن سحل مسيحى كان يبشر للديانة المسيحية فى مصر.. بل نعتبر هذا انتصارا للإسلام وانحيازا للعقيدة.

والحقيقة المرة التى أريد أن أصرخ بها هنا هى أن هذه الازدواجية ليست صناعة التيارات الإسلامية وإن كانت استفادت منها واستغلتها بشكل جيد، ولا يمكن بأى حال من الأحوال اعتبار أن المسؤول عن هذا السلوك لا السيسى ولا مرسى ولا مبارك.. أبدًا هذا سلوكنا نحن المسلمين نعم نحن المسلمين فى العصر الحديث نحن من صنع هذا المعيار المزدوج وسمحنا له أن يكبر معنا وقبلناه وراعيناه حتى اعتبرناه من عقيدتنا التى نؤمن بها، فأصبحنا نؤمن أننا يجب أن نأخذ حقوق غيرنا ونلتهمها، ونطالب بأكثر مما نستحق، ثم نفتخر بهذا على أنه لله وللإسلام، ونمنع الآخر من أبسط حقوقه التى لا تساوى ما نحصل عليه منه فى أرضه رغم أن الله تبارك وتعالى يقول فى كتابه «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴿١﴾ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾.. سورة «المطففين».

المشكلة السلوكية جاءت لنا عندما فقدنا القدرة على تقديم أى منتج إنسانى للبشر وأصبحنا عالة على البشرية سواء مستهلكون للأفكار أو مستهلكون للمنتجات التى هى نتاج الفعل الحضارى الغائب عنا من أمد طويل، وأصبحنا متكاسلين حتى عن التفكير أو حتى عن معرفة سبب هزيمتنا أو سبب توغل الأفكار السلبية التى تستغل الدين فى وجداننا، ربما أراد هذه الحالة بعض من حكامنا يعجبهم سكون شعبهم وقعوده عن النضال الفكرى؛ حتى يتمكنوا من حكمهم أطول فترة ممكنة، فقربوا شيوخا يمكنهم أن ترسخ فينا شعورًا وهميًّا بالانتصار على الآخر من خلال منعه من حقه أو التقوى عليه فى بلادنا؛ حتى نشبع رغبتنا فى الانتصار فننهال عليه سبًّا وشتمًا بسبب دينه، وكلل هذه الجهود كثير من المتدينين الشعبيين الذين تحركهم كلمات الشيوخ، واستفاد من تكريس هذه الحال التيار الإسلامى، لكونها تفيده فى إثبات أن الدولة غير مسلمة فها هى تسمح للمسيحيين بإنشاء كنائس لهم، وها هى النخبة «نخبة العار كما يقولون» تطالب بمعابد للبوذيين.. والمسلمون لا يجدون أقواتهم وأن المسلمين محاربون فى كل مكان.. إلخ، وهى من أساطيرهم وأعمدة الوهم التى يصرون على ترسيخها فى وجدان المسلمين فى مصر وإعلام العربية.

والحقيقة التى أعرفها والتى اكتشفتها مؤخرًا أن انتصارك للإسلام وانتصارك لقيم الإسلام، فإذا كانت قيم الإسلام تسمح له بممارسة إسلامه فلتسمح له أنت كذلك، وإذا كانت قيم الإسلام تسمح له أن يتبع دينا غير دينك فلتنحاز للإسلام وتنتصر لقيم الإسلام.. لا أن تنتصر على الشخص بقيمك الموروثة.. وأما انتصار الإسلام فهو أن تتعرف على أفضل الطرق فى عرض دينك عمليًّا.

إن الازدواجية والعقلية الخرافية والتاريخ الأسطورى الذى نعيش فيه سبب كبير فى توقفنا عن الإنتاج الحضارى وسبب رئيسى فى توقف انتشار إسلامنا فى العالم، وأيضا سبب فى ترقيتنا إلى خطوة تالية فى سلم الحضارة الإنسانية بعد تلك الخطوة التى توقفت فى منتصف الدولة العباسية من ألف سنة تقريبًا.

المقال

 

 

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث