لماذا رفض أتاتورك أن يكون خليفة للمسلمين - مقالات
أحدث المقالات

لماذا رفض أتاتورك أن يكون خليفة للمسلمين

لماذا رفض أتاتورك أن يكون خليفة للمسلمين

زاهد غول

لم يكن انهيار الخلافة العثمانية حدثاً عابراً من أحداث التاريخ الإسلامي والعالمي، وقد مر عبر مراحل في تركيا أولاً، وعبر ردود أفعال في العالم الاسلامي ثانياً، وفي بلاد الهند على وجه الخصوص، حتى بلغ الأمر بالمسلمين الهنود دعوة رئيس الجمهورية التركية مصطفى كمال "أتاتورك" إلى أن يكون خليفة للمسلمين بعد انتهاء تأثير السلالة العثمانية على الاستمرار بهذا المنصب.

أعضاء جمعية الخلافة الإسلامية الهندية

المنصب الذي كان يجمع بين الرئاسة الدينية والرئاسة السياسية معاً، فهل كانت تلك المقترحات المقدمة من مسلمي الهند إلى تولي أتاتورك منصب الخلافة مقنعة أو ممكنة الحصول، أم أن رفض أتاتورك لهذا الاقتراح بأن يكون خليفة المسلمين له ما يبرره من وجهة نظر أتاتورك نفسه.

بداية لا بد من الإشارة إلى أن مجلس الأمة التركي الكبير "البرلمان التركي" كان على أتم الاستعداد لمبايعة رئيس الجمهورية التركية مصطفى كمال لمنصب الخلافة، وذلك بعد إعلان تأسيس الجمهورية التركية بتاريخ 30 تشرين أول/أكتوبر 1923 وقبل أن يتخذ المجلس نفسه قرار إلغاء الخلافة بتاريخ 24 أذار/مارس 1924.

فهذه الأشهر الخمسة كانت مفعمة بدراسة هذه المقترحات، أي أن هذه المقترحات بتولي أتاتورك لمنصب الخلافة لم تأت من خارج تركيا فقط، وإنما وجدت في داخل تركيا أيضاً، وجرى تقديم مقترحات كثيرة وآراء تؤيد بقاء منصب الخلافة مع قيام الجمهورية التركية، سواء بقيت لأحد أفراد الأسرة العثمانية أو بمبايعة مصطفى كمال أتاتورك لهذا المنصب.

ولعل معظم أعضاء مجلس الأمة التركي الكبير إن لم يكن جميعهم كانوا سيوافقون على مبايعة أتاتورك تولي منصب الخلافة، وأن يكون هو خليفة المسلمين، لو وافق هو على ذلك.

لقد تولى السيد محمد راسخ أفندي، نائب مدينة أنطاليا، نقل هذا الاقتراح بتولي مصطفى كمال باشا لمنصب الخلافة بعد عودته من الهند، حيث أن جمعية الخلافة في الهند، ومعها جمعية علماء المسلمين ومعهما غير المسلمين بزعامة غاندي كانت جميعها تسعى لبقاء الهند تحت منصب الخلافة العثمانية، مع سعيهم الوطني للاستقلال عن الانتداب البريطاني على الهند.

فأجابه أتاتورك:

"أنتم من رجال الدين، والخليفة كما تعلمون هو رئيس الدولة، كيف أستطيع قبول اقتراحكم بخصوص الخلافة، ولنفترض أني قبلت، فإن أوامر الخليفة يجب أن تُنفذ، الذين يريدوني أن أكون خليفة هل سينصاعون لأوامري؟ ووفقاً لهذه الحالة فإنه سيكون أمراً مثير للسخرية ولا أساس له".

هذا الجواب يشمل رأيا دينياً وليس سياسياً فقط.

فأتاتورك يؤمن بأن أوامر الخليفة يجب أن تنفذ، ولكن من يطالبون أتاتورك بتولي هذا المنصب لن يكون بمقدروهم طاعته ولا تنفيذ أوامره وهم خارج تركيا، وهم تحت الاحتلال البريطاني أو الفرنسي أو غيرهما.

وهم أيضاً في نفس الوقت يسعون للاستقلال الوطني والقومي، وبذلك ستكون سيادتهم على أنفسهم بعد الاستقلال، وسوف يتعذر عليهم بعد خوض معارك الاستقلال تنفيذ أوامر الخليفة الموجود في تركيا، سواء كان أتاتورك أو خليفة عثمانياً، أي أنّ مفهوم الخلافة والخليفة لم يعد فاعلاً بعد التقسيم والتجزئة والاستقلال، سواء كان في تركيا أو في الهند او في الدول العربية وغيرها.

قبل انهيار الخلافة، كان السيد محمد راسخ أفندي قد ترأس وفد الهلال الأحمر العثماني إلى الهند، هذا الوفد كان سيوفر المساعدة للمهاجرين القادمين إلى تركيا من اليونان وفي نفس الوقت كانوا سيقومون بنشر التصريح الذي وجهه مصطفى كمال باشا إلى جميع المسلمين في الهند، كما جاء في جريدة (hakimiyet i milliye) في عدد: 7 كانون الثاني 1924م.

وفي ٩/شباط من عام 1924م، وصل وفد الهلال الأحمر برئاسة محمد راسخ أفندي إلى بومباي، وشارك راسخ أفندي في الاجتماعات والأنشطة التي أقيمت في الهند من قِبَل الجمعيات الإسلامية فيما يتعلق بموضوع الخلافة، ولقد قام الانجليز في الهند بتكوين رأي عام ضد تركيا في تلك الأيام التي انهارت فيها الخلافة.

وبرأي السيد راسخ أفندي كانت هذه المحاولة والهدف منها هو إعطاء طابع سياسي لجمعية الهلال الأحمر التي تحمل أهدافاً إنسانية بحته، وفي نهاية المطاف عاد الوفد إلى تركيا مع جمع مقدار ضئيل جداً من التمويل أقل بكثير مما كان متأملاً أن يُجمع خلال الزيارة، أو كانت الوفود تجمع من قبل.

السيد محمد راسخ أفندي العائد الى أنقرة مع اقتراح الخلافة كان يتوقع بدون شكّ الرفض من قبل مصطفى كمال باشا "أتاتورك" لهذا الاقتراح، وذلك لأن الفترة التي تواجد فيها في الهند، كان قد تم إرسال برقية من الهند إلى أنقرة بخصوص موضوع الخلافة وقد عُلم أنَّ جوابهُ لم يكن فيها بشكل إيجابي.

السيد راسخ كان قد تواجد سابقاً في بعض الفعاليات فيما يخص موضوع الخلافة، في نفس الفترة التي كان مصطفى كمال باشا متواجداً في مدينة إزميت، وفي اليوم الذي تلى 14/كانون الثاني عام 1923 تم توزيع كتيب تحت عنوان "الخلافة الإسلامية والمجلس الوطني الكبير"، بتوقيع نائب مدينة افيون إسماعيل شكرو خوجا.

ودخل شكرو أفندي وأصدقاؤهُ المجلس الوطني وهم يرددون "المجلس للخليفة والخليفة للمجلس"، فأرادوا بذلك أن يأخذوا الموافقة بإظهارهم أنَّ المجلس الوطني هو المجلس الاستشاري للخليفة، وبالتالي فإنَّ الخليفة هو رئيس المجلس.

وقد ذُكر في الكُتيب: "أنَّ المجلس الوطني التركي الكبير بتركه القوانين الإسلامية جانباً هو بذلك يوقظ مبدأ البابوية"، أي أن عدم تولي البرلمان إصدار قوانين معتمدة على الشريعة الاسلامية، سيعني فصل الدين عن الشؤون السياسية، وإذا كان البرلمان يمارس الشؤون السياسية، فلا بد من إيجاد مؤسسة أخرى ترعى الشؤون الدينية الروحية، وهذا سيعني باباوية روحية داخل الدولة، وهو الأمر الذي لم يشرع له الإسلام نفسه، ولم يقترحه أحد من العلماء المسلمين.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*