بقلم بابكر فيصل بابكر
أوردت في مقال سابق نصوصا ورسائل خطها يراع المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، يؤكد فيها نية جماعته استخدام القوة كوسيلة من أجل الوصول للحكم، ولكنه يضع لذلك أسسا وخطوات واجبة الإتباع حتى يكتمل لها الاستيلاء على السلطة ومن ثم الشروع في تطبيق الخطوات التي تنتهي بما يسميه "أستاذية العالم".
في إجابته على الذين يبادرون بالسؤال: هل في منهاج الإخوان المسلمين أن يكوِّنوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم؟ وما وسيلتهم إلى ذلك؟ يقول: "وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح".
ها هو البنا يوضح بجلاء أن استخدام القوة هو وسيلة الإخوان المسلمين للسيطرة على الحكم، ولكن ذلك يأتي بعد أن تكون الجماعة قد أعدت له عدتها من جميع النواحي، ويبين فكرته بالقول: "لكن الإخوان المسلمين يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك".
ويوضح المرشد المؤسس أن الوصول للحكم لا بد أن يكون بالتدرج والعمل المرحلي الذي ينتهي باستخدام القوة، ويشرح ذلك بالقول: "أما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لا بد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج".
ثم يطرح البنا السؤال التالي: "متى تكون خطوتنا التنفيذية؟". ويجيب على سؤاله بالقول: "في الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمئة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا وروحيا بالإيمان والعقيدة، وفكريا بالعلم والثقافة، وجسميا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لحج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء. وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة".
الإجابة أعلاه تؤكد أن الخطوة التنفيذية تأتي بعد إعداد ثلاثمئة كتيبة من "جيش" الإخوان، وبالضرورة فإن اكتمال الكتائب ليس الغرض منه استخلاص الحكم عبر صناديق الاقتراع، بل عن طريق استخدام القوة والعنف، بما في ذلك الانقلاب العسكري والاغتيال والتفجير والتدمير، وهنا تنكشف نوايا المرشد المؤسس ويتضح أن سبيله الأهم للوصول للسلطة هو القوة.
ولم يقتصر طرح البنا لموضوع استخدام القوة على رسائله وخطبه ومحاضراته التي كان يلقيها على أتباعه، بل هو يمضي أبعد من ذلك لاختيار شعار للجماعة يرسخ ذات المفهوم، وهو عبارة عن مصحف يحتضنه سيفان ومكتوب عليه كلمة "وأعدوا".
لا شك أن الشعار يعني استخدام القوة للوصول للحكم باسم القرآن، والقوة هنا هي القوة العملية بمعناها الحربي الذي يشمل استخدام السلاح (السيف) والتفجير والقتل. ولو كانت الجماعة تسعى لنشر أفكارها من أجل الوصول للسلطة بالطرق السلمية ما احتاجت لوضع سيفين في شعارها ولكانت استبدلت فعل الأمر "وأعدوا" بـ"وادعوا".
ثم يأتي سيد قطب لينسج على ذات منوال المرشد المؤسس، ولكنه سيكون أكثر جذرية منه، فبينما ينفي البنا عن جميع الحكومات صفة الإسلام ويقول إنها عجزت عن النهوض بأمر قيام الدولة الإسلامية، فإن قطب يذهب بعيدا ليقرر أن المجتمع نفسه ليس مسلما، وأن المسلمين غير موجودين، فها هو يقول في كتاب "في ظلال القرآن": "ليس على وجه الأرض دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي".
ويضيف: "إن المسلمين اليوم لا يجاهدون، ذلك لأن المسلمين اليوم لا يوجدون. إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج". وفي كتابه الأخطر "معالم في الطريق" يقرر أن: "الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وإن شهدوا أن لا إله الا الله وإن صلى أحدهم وصام وحج البيت الحرام وهم يحيون حياة جاهلية، ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين".
ومن هنا يتضح أن المرشد المؤسس هو أول من وضع الأساس لقضية التكفير، وذلك عبر تكفيره لجميع الحكومات بحجة أنها عجزت عن إقامة الدولة الإسلامية، ثم جاء سيد قطب من بعده ليوسع مظلة التكفير ويجعلها تشمل جميع المجتمعات الإسلامية، بل كافة المسلمين على ظهر البسيطة.
وكذلك يذهب قطب في تحقيب مراحل تطور الدعوة كما فعل المرشد المؤسس، ولكنه يقسمها إلى ثلاث مراحل، وهي: الاستضعاف والتمكين ثم عالمية الدعوة. ويقول إن المرحلة الأولى تشابه المرحلة المكية، وسيلاقي فيها أصحاب الدعوة الأذى والعذاب من "أهل الجاهلية" كما لاقاها المسلمون الأوائل، ويوضح أن الشعار في هذه المرحلة هو "الصبر والاحتساب" وفقا للآية: "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون".
أما مرحلة التمكين فشعارها الآية: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير". وفي هذه المرحلة سيتولى المسلمون مقاليد السلطة، ولكن قوى البغي ستتكالب عليهم، ثم يمضي شارحا تفاصيل هذه المرحلة ويقول: "ومن ثم سيكون في هذه المرحلة واقعة كموقعة بدر لا تتكافأ فيها قوة الحق مع البغي إلا أن النصر حليف للحق رغم قلة عدده وعتاده، وسيكون هناك موقعة كأحد إلا أن الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه، وستتشابك هناك الأحزاب حيث تتآلب وتتآلف قوى الكفر والجاهلية من كل أنحاء العالم يريدون العصف بالمجتمع المسلم الوليد ولسوف يكون النصر حليفا لحزب الله الذين يقاتلون الكفار كما كان في بدر والخندق بجنود لا يعلمها إلا الله".
بعد ذلك ينتقل سيد قطب للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة عالمية الدعوة، ويسميها مرحلة "الخلافة الراشدة"، ويضع لها شعارا هو "اليوم نغزوهم ولا يغزونا"، وفي هذه المرحلة يتحقق الحلم النهائي والانتصار الأخير للدعوة الإسلامية، ويتم إخضاع كل جبابرة العالم وطغاته لسيطرة ونفوذ الخلافة كما فعل المسلمون الأوائل.
وهكذا يتضح جليا أن استخدام الإخوان المسلمين للقوة كوسيلة للتغيير والوصول للسلطة، وللتكفير كأداة لإقصاء المنافسين والخصوم، لم يكن ناتجا عن ردة فعل للعنف الذي مورس تجاههم من قبل النظام الناصري كما يزعمون، بل هو وليد المنهج الذي وضعه المرشد المؤسس، والذي عمد إلى إعداد أتباعه بطريقة حربية حتى تحين الفرصة المناسبة للانقضاض على الحكم من أجل إقامة الدولة الإسلامية التي ظل يدعو لها.
الحرة